ضوابط واشتراطات ما قبل الزواج تقلص معدلات الطلاق

اتفاق كل طرف على شكل الحياة الزوجية يحول دون وقوع خلافات مستقبلية.
الاثنين 2022/02/07
كل واحد يعرف ما له وما عليه

ينتشر الطلاق في صفوف الشباب العربي بكثرة حتى أنه صار يقع لأسباب بسيطة في عين الأهل والمجتمع، أبرزها الإخلال والتنكر للاتفاقات التي تعقد بين الزوجين قبل عقد القران، لذلك صار الكثير من الشباب يطالبون بضرورة إرفاق عقود الزواج بلائحة شروط يضعها الطرفان لتبيان حقوق كل منهما بهدف الحفاظ عليها مستقبلا، وفي حال لم يلتزم بها أحدهما يحقّ للآخر طلب الطلاق.

القاهرة – أصبحت مؤسسة الزواج في كثير من الدول العربية محاطة بالعديد من الأزمات التي تنخر قوامها الأساسي ومن السهل انهيارها وانتهاء العلاقة بالطلاق لأسباب مقنعة وأخرى واهية، وقد يتحول غياب التفاهم بين الطرفين إلى مشكلة معقدة، ليقرر الزوجان الراحة باللجوء إلى الانفصال.

وظهرت دعوات بين المتزوجين حديثا في مصر بأن تتضمن عقود الزواج جملة من الاشتراطات يوقع عليها الشريكان ويضعان بنودها معا، ويحدد كل منهما حقوقه وواجباته ومطالبه من الآخر، بحيث تكون البنود دستورا يتقيد به الرجل والمرأة، ولا يفرض أيّ منهما رأيه على الآخر مستقبلا.

ولا يتم تدوين هذه الشروط في عقد الزواج الأصلي، بل تكون في عقد ملحق يدون فيه كل طرف ما يحتاجه، ثم يوقعان عليه في حضور الأسرة والمأذون، ولا يحق لأي منهما الإخلال أو الالتفاف على هذه البنود مستقبلا، بحيث تكون العلاقة بينهما واضحة منذ البداية، وكل شخص يعرف حدوده وواجباته ومسؤولياته.

ضرورة تمنع الخلافات

عبير سليمان: تحديد حقوق كل طرف أصبح ضرورة لقوام أسري متماسك

إيمان محمد، فتاة تخرجت قبل عامين وتعمل موظفة بشركة خاصة في القاهرة، تتقاضى راتبا شهريا جيدا، اصطدمت بشاب تقدم للزواج منها واشترط على والدها أن تترك العمل لتتفرغ لخدمته وأولاده مستقبلا، فهو يمتلك القدرة المالية على الإنفاق على أسرته دون حاجة لمساعدة زوجته، لكن طلبه قوبل بالرفض من أول مرة.بدأت الفكرة تنتشر بين فئات شبابية في مصر باعتبار أن هذه الشريحة أكثر انفتاحا وعقلانية من أرباب الأسر الذين يسيرون أمور حياتهم بصورة تقليدية، وغالبا ما يكون المتزوجون الجدد مؤمنين بمسار الزواج المشروط، ومدفوعون بالحفاظ على القوام الأسري من الانهيار بغرض استكمال الحياة دون مشكلات معقدة.

وقالت الفتاة لـ”العرب” إن وجود شروط في عقد الزواج بين الطرفين أصبح ضرورة لمنع الخلافات، فهذا الشاب كان يُمكن أن يُخفي نواياه بحرمان زوجته من العمل، وهذا يصعب عليها قبوله، وقد تضطر إلى الطلاق، لكن عندما يوقع على أنه لن يحرمها من وظيفتها سيكون ملزما بتنفيذ وعده.

ولا تجد إيمان موانع دينية عندما تشترط المرأة على زوجها أن يحقق لها أحلامها في أشياء بعينها بعد الزواج، فهي تعتقد أنها لا تتحدث عن رفاهيات بل حقوق أصيلة للزوجة، كأن لا يتزوج عليها ولا يفرض عليها أن تتحول إلى ربة منزل، والتخلي عن وظيفتها المرموقة، لأن هذا من صميم حقوقها.

وما قد يساعد إيمان على وضع شروط مكتوبة في عقد الزواج أن أسرتها منفتحة وتستشيرها في كل شيء يتعلق بمستقبلها، وتعتقد أنه سيكون من الصعب على الفتاة التي تنتمي إلى عائلة منغلقة فكريا ودينيا وثقافيا أن تجبر زوجها على تدوين شروط بعينها، وهنا يرتبط الأمر بمدى استقلال قرار المرأة لتختار حياتها بطريقتها.

وبعض الأسر لا ترى غضاضة في زواج الرجل على زوجته لأكثر من مرة، باعتبار أن الشرع أباح له الارتباط الرسمي بأربع نساء، لكن أغلب الفتيات يرفضن ذلك مهما بلغت المبررات، وبالتالي من الطبيعي عدم موافقة هذه الشريحة من الأسر على أن تشترط الابنة على شريكها عدم زواجه مستقبلا.

وتزداد أهمية الزواج المشروط عند النساء عندما يكون المجتمع نفسه غير منصف للمرأة ويحملها مسؤولية كل شيء، ويتعامل معها باعتبارها تابعة أو أن الرجل وصي عليها دائما، يحركها كما يشاء وفق رغباته، بينما هي لا تمتلك الحد الأدنى من حرية الاعتراض والاستقلالية التي توفر لها الراحة النفسية والطمأنينة.

سلاح ذو حدين

Thumbnail

يرى مؤيدون لإدراج بعض الشروط في عقود الزواج أن اتفاق كل طرف على شكل الحياة الأسرية يريح الشريكين ويحول دون وقوع خلافات مستقبلية تقود إلى الطلاق، ومعها تتحول حياة الطرفين إلى جحيم وصراعات لا تنتهي، ولذلك فوجود اتفاق حاكم للعلاقة في بادئ الأمر أصبح ضروريا لتحقيق التفاهم والتناغم.

ويبني هؤلاء موقفهم على جملة من الشواهد التي صارت موجودة، فهناك من يتزوج من امرأة غير محجبة ثم بعد ذلك يجبرها على ارتداء الحجاب ويقوم بمساومتها بين استمرار الزواج أو الطلاق، وغالبا ما تقبل بتنفيذ تعليمات زوجها كنوع من التضحية حفاظا على أسرتها وأولادها وهربا من الوصمة المجتمعية والعائلية.

ورأت عبير سليمان الباحثة في قضايا المرأة وخبيرة العلاقات الأسرية بالقاهرة أن رسم شكل العلاقة الزوجية وتحديد حقوق كل طرف ليس بدعة أو من الأمور المعيبة، بل أصبح ضرورة لقوام أسري متماسك قائم على أن كل شريك يعرف مسؤولياته وواجباته وحقوقه عند الطرف الآخر لتجنب الصدام.

أهمية الزواج المشروط عند النساء تزداد عندما يكون المجتمع نفسه غير منصف للمرأة ويحملها مسؤولية كل شيء

وأكدت لـ”العرب” أن الخلافات الزوجية في السنوات الأولى تكاد تكون منحصرة في سعي كل طرف لفرض كلمته وقراره ورؤيته على الآخر، وقد يسعى الرجل لأن تكون له السطوة والوصاية لتغييب شخصية الزوجة كأن تترك الوظيفة وترتدي الحجاب ولا يكون لها أصدقاء وتكون خادمة لوالديه، وهنا تتفجر الأزمات الزوجية.

وأضافت أن حسم كل الأمور قبل العلاقة يمهد لحياة زوجية قائمة على المصارحة والمكاشفة وتقبل كل طرف للآخر، لكن ذلك لا يعني أن يلجأ المتضرر بعد التفاف شريكه على البنود إلى الطلاق أو التلويح بهذه الورقة من الأساس، لأن المعيار الأهم في مثل هذا الدستور الصغير أن يفهم كل طرف ماذا يريده الآخر.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن استسهال وضع الشروط في عقود الزواج يحوّل العلاقة إلى سجن ويجعل كل شريك رقيبا على شريكه، وربما يهدد استقرار العائلة ويقضي على الهدف الأهم وهو التناغم وتجنب المشكلات، فلا يجب على أي طرف محاصرة الثاني بجملة من الشروط التعجيزية التي تجعله مقيدا في الحركة والقرار، لأن ذلك يقود إلى صراعات لاحقا لا حصر لها.

والمعضلة أن بعض الأزواج يفهمون أن الشروط وحدها كافية للوصول إلى حياة أسرية هادئة دون خلافات أو إدراك لكون العلاقة الزوجية يفترض أنها قائمة على التفاهم والتضحية والتراحم والتشارك، والتنازل عن بعض أخطاء الشريك وإملاءاته وتدخلاته لأن الوقوف عند الهفوات الصغيرة يكون أرضية خصبة لأزمات كبيرة.

والخطر أن تكون هذه البنود بمثابة حصار للشريك إذا التف على بعضها فيتم فسخ عقد الزواج من الطرف الآخر، ما يحول العلاقة إلى ساحة معارك، وبدلا من أن يكون الدستور الصغير وسيلة لتأسيس علاقة أسرية متماسكة قائمة على التفاهم والمحبة يصبح سببا رئيسيا في زيادة معدلات الطلاق بمجرد الإخلال بأي من نصوصه المكتوبة.

17