ضغوط على المستشفيات التونسية تثير مخاوف انهيار القطاع الصحي

بلغت المستشفيات التونسية طاقتها القصوى بعد أن امتلأت غرف الإنعاش فيها بمصابي جائحة كورونا، مما يزيد الضغوط على النظام الصحي المنهك أصلا في ظل تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي وصعوبة إقرار حجر صحي شامل يزيد من متاعب الشركات والمهن الصغيرة.
تونس - يتعرض الطاقم الطبي في مستشفى عبدالرحمن مامي في تونس للضغط الشديد، إذ امتلأت أجنحة الرعاية الفائقة بسبب زيادة جديدة في حالات كوفيد – 19 لتتجاوز أعداد الذين تلقوا اللقاحات في إطار حملة التطعيم المحدودة بسبب نقص الإمدادات، ما يزيد مخاوف انهيار القطاع الصحي.
وفي الأسبوع الماضي حذرت واحدة من المستشارين العلميين للحكومة من أن النظام الصحي على شفا الانهيار في ظل الحاجة لنقل ما بين 90 مريضا و110 مرضى يوميا إلى المستشفى. وتملك تونس نحو 500 سرير فقط بوحدات العناية الفائقة.
وقالت الممرضة سمية بن دبو وهي ترتدي ملابس الوقاية الكاملة إن الطلب على الأكسجين والعلاج بوحدات الرعاية الفائقة آخذ في الازدياد. وأضافت “الأسرّة لدينا ممتلئة وليس لدينا مكان شاغر”.
وخلال هذا الأسبوع عملت هي وزملاؤها في مستشفى عبدالرحمن مامي الواقع بمدينة أريانة قرب العاصمة بكامل طاقتهم لمساعدة المرضى الذين يتنفسون بصعوبة على خلفية طنين الأجهزة الطبية المساعدة في وحدة الرعاية الفائقة التي تسع 20 سريرا.
وقالت جليلة بن خليل عضو اللجنة العلمية لمكافحة فايروس كورونا، التي حذرت الأسبوع الماضي من انهيار نظام الرعاية الصحية في تونس، إنه يتعين على الدولة إعلان حالة الطوارئ الصحية وفرض إجراءات جديدة.
وأغلقت الحكومة المدارس هذا الشهر وحظرت حركة السيارات من السابعة مساء فيما أبقت على الحظر العام من العاشرة مساء. والأربعاء قالت الحكومة إنها ستفرض حجرا صحيا إجباريا لمدة أسبوع على كل الوافدين اعتبارا من الثالث من مايو وستمدد تعليق الدراسة حتى 16 مايو.
وعند تفشي الجائحة عالميا في العام الماضي فرضت الحكومة إغلاقا عاما لمدة شهرين مما أبطأ بلوغ كوفيد – 19 الذروة إلى الخريف، لكن هذا كبّد الفقراء والاقتصاد المثقل بالديون ثمنا باهظا.
ومع غرق المستشفيات في الموجة الأحدث للجائحة، قالت بن دبو إن المرضى أصبحوا أصغر سنا والكثير منهم لا يعاني من أمراض مزمنة. وأضافت “بعد عام من مكافحة الفايروس، الطاقم الطبي والمساعدون مرهقون”.
وتتلقى تونس لقاحات كورونا عبر برنامج كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية لكن الإمدادات بطيئة. وهذا الأسبوع كان المسنون يجلسون داخل مركز تطعيم بانتظار جرعاتهم.
110
مرضى يحتاجون يوميا لتنفس اصطناعي وتونس تملك نحو 500 سرير فقط بوحدات العناية
وجرى تطعيم نحو 300 ألف حتى الآن من بين 12 مليون تونسي مع تقديم نحو 13 ألف جرعة يوميا.
وبقي سيناريو العودة إلى الإغلاق الشامل بعيدا في تونس نظرا لهشاشة الوضع الاقتصادي وشح الموارد لتعويض الضرر الذي سيصيب مختلف القطاعات الاقتصادية، فضلا على رفض نقابي واجتماعي لتحمل فاتورة الإغلاق.
وتبعا لذلك قررت الحكومة في أحدث إجراءاتها مواصلة العمل بنفس الإجراءات وهي حظر تجوال على السيارات منذ الساعة السابعة ليلا وحظر تنقل منذ العاشرة، إضافة إلى تشديد تطبيق وسائل الحماية الفردية والبروتوكولات الصحية والرقابة ومنع التجمعات الخاصة والعامة وغلق الأسواق الأسبوعية.
ويوما بعد يوم تزداد مخاوف التونسيين من سيناريو انهيار المنظومة الصحية التي تعاني نقائص عدة بالتوازي مع ارتفاع عدد المرضى وطالبي التنفس الاصطناعي.
ويواجه القطاع الصحي أزمة غير مسبوقة بسبب ضعف الإمكانيات والتجهيزات، حيث كشف الوباء حجم النقائص التي تعتري المنظومة الصحية في البلاد واختلال الخدمات الاستشفائية بين مدنها رغم وعود الحكومات منذ ثورة يناير 2011 بالتدارك.
وتضمن مشروع قانون ميزانية وزارة الصحة لسنة 2020 تخصيص اعتمادات بقيمة 330 مليون دينار تونسي لفائدة مختلف المشاريع والبرامج منها 29.9 بعنوان نفقات تنمية لفائدة مختلف المؤسسات العمومية غير الإدارية. وككل ميزانيات الوزارات، تذهب أكثر من 80 في المئة من ميزانية وزارة الصحة إلى نفقات الأجور والتصرف.
وكشف تقرير لمنظمة أوكسفام أن تونس من بين البلدان الأقل إنفاقا في مجال الصحة، ما يضع السلطات التونسية أمام ضرورة التسريع في إصلاح القطاع ووضع استراتيجيات واضحة المعالم والأهداف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشيرا إلى أن تونس غير قادرة على مجابهة صدمة بحجم صدمة كوفيد – 19.
وتشكو المنظومة الصحية في تونس تدهورا حادا في البنية التحتية والخدمات الصحية والأجهزة الاستشفائية، تعمق بعد ثورة 2011 مع تعاقب حكومات أهملت الاعتناء بقطاع الصحة العمومية متعللة بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وحسب تقرير أصدرته الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، يبقى عدم المساواة في الخدمات الصحية العائق الأكبر، حيث أن سكان الجنوب والوسط يشتكون من عدم وصولهم إلى مرفق صحي قريب، وإذا ما بلغوه فإنه لا يتكفل بتلبية حاجياتهم ولا يلائم تطلعاتهم.