ضرائب البورصة تقود إلى صدام بين الحكومة المصرية والبرلمان

مشروع قانون لتعديل ضريبة الأرباح الرأسمالية وتأجيلها لعامين.
الأربعاء 2021/11/03
لا أحد يمكنه الربح في سوق الأسهم اليوم

بعد أكثر من ست سنوات على الإعلان عن قانون الضرائب على الأرباح الرأسمالية في البورصة المصرية لم تتمكن الحكومة من تطبيقه حتى الآن بسبب الضغوط الكبيرة التي تواجهها من بنوك الاستثمار وجمعيات المستثمرين لإنقاذ السوق من الانهيار، خوفًا من شح السيولة وخروج العديد من المصريين والأجانب من البورصة.

القاهرة - تلوح في أفق المشهد الاستثماري المصري بوادر أزمة بين الحكومة والبرلمان بعد إعلان 20 عضوا في مجلس النواب عزمهم تقديم مشروع قانون لتعديل بنود قانون صدر العام الماضي بشأن ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة وتأجيل التطبيق حتى يناير 2023 بدلا من 2022.

ويأتي الصّدام كردّ فعل على تصريحات حكومية أكدت أنه لا مجال لتأجيل الضريبة، لاسيما بعد نشر الجريدة الرسمية أخيرا قرار وزارة المالية محمد معيط بشأن قواعد المعالجة الضريبية للأرباح الناتجة عن التصرف في الأوراق المالية.

وتنص القواعد على تطبيق ضريبة 10 في المئة على صافى أرباح التعامل في البورصة على المقيمين، ويبدأ التطبيق الفعلي يناير المقبل.

واستند النواب في تبني التعديل إلى ما شهدته البورصة من خسائر عقب تصريحات معيط عن تطبيق الضريبة التي بلغت 1.7 مليار دولار في يومين فقط، فضلا عن معاناة الاقتصاد بسبب الجائحة، ما يفرض على الحكومة الابتعاد عن قرارات تثقل كاهل الشركات والمستثمرين، لأن تعدد الضرائب يعوق الاستثمار.

وتحرص وزارة المالية على تطبيق ضرائب البورصة باعتبارها منفذا جديدا يعزّز من حصيلتها المستهدفة في العام المالي الجاري وتقدر بنحو 63 مليار دولار، لكن الواقع يُثبت أن سلبيات تفعيل الضريبة على سوق المال تفوق الإيجابيات.

ووفقا لدراسات بعض بنوك الاستثمار المصرية، يتراوح العائد من الضريبة بين 20 و30 مليون دولار فقط سنويا، وقد يتقلص مع استمرار الضريبة، لأنها تدفع المستثمرين للهروب إلى أسواق مجاورة لا تفرض تلك الضريبة.

محمد سعيد: ردة اقتصادية وغير مطبقة بالأسواق العربية وطاردة للاستثمار

وتعود جذور أزمة الضريبة إلى 2015، وتم تأجيلها للمرة الأولى حتى 2017 خوفا من هروب المستثمرين قبل أن يتم استبدالها بضريبة الدمغة بنسبة 0.125 في المئة وتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية لمدة 3 سنوات.

وفي 2019، وبعد مفاوضات بين وزارة المالية والبورصة بشأن إدخال بدء تطبيقها في 2020، لم يطرأ جديد بسبب الجائحة، ما دفع الحكومة تأجيلها لعامين.

وتُفرض ضريبة الأرباح إذا تحقيق صافي أرباح في نهاية العام، وهي أقل تكلفة على المستثمر، لاسيما أنه غير مطالب بضرائب إلا في حالة تحقيق الربح، ما يجعل عائدها أقل كحصيلة للحكومة، وخير دليل على ذلك أنه بمجرد التلميح إليها خسرت البورصة مكاسبها المسجلة منذ بداية العام في خمس جلسات فقط.

وأعلن هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام أنه لم يتراجع عن موقفه بشأن فرض الضريبة، ويراها أكثر عدلا من الدمغة. وقال عبر حسابه الرسمي في فيسبوك “كوني وزيرا لم ولن يغير موقفي حيث أعتبر نفسي واحدا من عائلة سوق المال لأكثر من 30 عاما تخللتها ثلاث سنوات تكليف بالوزارة".

وأكد محمد سعيد عضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين بأسواق المال، أنه وفقا للاتفاق بين الحكومة والبورصة ينتهي العمل بضريبة الدمغة النسبية أيضا والمقرّرة حاليا على تعاملات الأوراق المالية بيعا وشراء بنهاية ديسمبر المقبل لتطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية.

ويعد استمرار ضريبة الدمغة المطبقة على المستثمر حال الربح أو الخسارة أكثر فاعلية وزيادة الحصيلة الضريبية للحكومة من ضريبة الأرباح الرأسمالية، كما أن المستثمر اعتاد على التعامل مع الأولى على أنها جزء من تكلفة التداول.

وتُفقد الضريبة البورصة جاذبيتها، لأن الأسواق العربية المجاورة لا تطبقها، ومع سهولة التداول إلكترونيا قد يتجه المستثمر إلى أيّ دولة منافسة، فضلا عن أن تكلفة التداولات في معظم أسواق المنطقة أقل.

وأوضح سعيد لـ“العرب” أنه يجب إلغاء أيّ ضرائب على البورصة، لأنها لا تدعم الحكومة في تحقيق مستهدفاتها ولكنها طاردة للاستثمار، والتلميح إليها يسبب حالة من الذعر بين المستثمرين ويدفعهم لـ”مبيعات هيستيرية” تكبّد الأسواق خسائر كبرى، تضاف إلى خسارتهم وعدم إخضاعهم للضرائب، وتعد الضرائب الحالية بمثابة ردة اقتصادية لا تطبقها الأسواق المجاورة وتهدد توسع البورصة وعمقها.

ويهدد فرض الضرائب برنامج إدراج شركات الحكومة، والذي تراهن عليه لتحصيل 6.5 مليار دولار، ويعني سعي وزارة المالية لتفعيل الضريبة السير عكس المصلحة، لأنها تدفع المستثمرين إلى الهروب من السوق، ما يُضعف من استيعاب البورصة للطروحات الجديدة.

محمد ماهر: ضرائب غير منطقية في ظل إخضاع الشركات والتوزيعات النقدية

وتنتهج القاهرة برنامجا طموحا يستهدف طرح 23 شركة بدأ بإدراج أسهم شركة الشرقية للدخان في مارس 2019، إذ استحوذ مستثمرون خليجيون على نحو 25 في المئة من أسهمها.

وعادت الحكومة مجددا بطرح 26 في المئة من شركة إي فاينانس خلال أكتوبر الماضي، إذ أنعشت خزينة البلاد بنحو 400 مليون دولار.

ويطالب خبراء بضرورة توفير الحكومة محفزات لتنشيط سوق المال تعزز من قاعدة المستثمرين، مع قرب طرح 3 شركات أخرى قبل نهاية 2021، علاوة على الطروحات المرتقبة لشركات الجيش التي يسعى إليها الصندوق السيادي عقب إعادة هيكلة الشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة.

ويعدّ الوقت الحالي غير مناسب لفرض ضرائب جديدة في سوق المال، لأن المستثمرين لا يستطيعون تعويض خسائرهم بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت بها مصر، ثم الجائحة، كما أن صعود البورصة في عدد محدود من الجلسات الأيام الماضية لا يعني أنهم عوضوا خسائر السنوات السابقة.

وأكد مصدر حكومي لـ”العرب” أنه لا صحة لما يتردد بأن ثمة رفضا من جانب المستثمرين للضريبة بسبب سلوك بعضهم في التداول عبر أكواد وهمية لأشخاص لا يتعاملون بالسوق، ويخشون فتح ملفات ضريبية، فهناك رقابة صارمة من جانب الهيئة العامة للرقابة المالية.

وأشار محمد ماهر رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية إلى أن الجمعية تترقب قرار البرلمان وآمالها معلقة على تأجيل الضريبة، وأنه تم التواصل مع بعض النواب مؤخرا لمناقشة مصير الضريبة.

وذكر لـ“العرب” أن سبب تأجيل الضريبة وعدم تفعيلها يرجع لأضرارها البالغة على البورصة، وتأثيرها السلبي على المستثمرين، وهي غير منطقية بالمرة فالمستثمر الذي يشتري سهمًا في شركة يعد مالكا لجزء منها بالتالي الشركات تدفع ضرائب على الدخل أو الأرباح.

وأكد أن التوزيعات النقدية التي توزعها الشركات على المستثمرين تخضع للضرائب، كما أن الاستثمار بالبورصة محاط بالمخاطر التي قد تكون سببا لخسارة كل الأموال، بينما الودائع في البنوك لا تخضع للضرائب والمودعون لا يتحملون المخاطر ويحصلون على العائد دون خصومات، ويجب أن تكون ثمة مساواة بين الحالتين.

11