صناعة الأدوية السورية تبحث عن مخرج من ورطة العقوبات

يسعى قطاع صناعة الأدوية في سوريا، والذي يواجه تحديات شاقة، لإيجاد مخرج من ورطة العقوبات الأميركية، التي بدأ تطبيقها في منتصف العام الماضي. ورغم المحاولات الخجولة التي تقوم بها دمشق من أجل إعادة الروح إلى هذه الصناعة، إلا أن الخبراء يشككون في قدرتها على تجاوز المشكلات التي خلّفتها سنوات الحرب.
دمشق - يحاول قطاع الأدوية السورية التخلص من ركام الحرب التي دمّرت القطاع الصناعي بشكل عام، وإيجاد سبل للتغلب على قانون العقوبات الأميركية المعروف باسم “قانون قيصر”، والذي دخل حيّز النفاذ في يونيو الماضي، حيث تسعى الحكومة في دمشق إلى مساعدة المستثمرين على النهوض من كبواتهم.
وفي أحدث خطوة لإنقاذ القطاع، أعلنت هيئة الاستثمار السورية الحكومية هذا الأسبوع، عن طرح فرص استثمارية جديدة في الصناعات الدوائية لاستخراج وتصنيع الملح الدوائي، وذلك في محافظة حمص بطاقة إنتاجية قدّرت بنحو 11 ألف طن سنويا.
ونسبت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى مدين دياب مدير عام الهيئة قوله، إن “هذه الفرص الاستثمارية ستكون بالتنسيق مع وزارتي الصحة والصناعة والمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية وهيئة المواصفات والمقاييس”.
وتقول الهيئة إن هذه الاستثمارات تهدف إلى تأمين الاحتياجات المحلية للمصانع الدوائية، ومن ثمن تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، لكن دياب لم يكشف عن قيمتها بشكل واضح.
وتحظى هذه الفرصة، حسب دياب، بجميع الحوافز والإعفاءات المنصوص عليها إضافة إلى حوافز وتسهيلات إضافية تتعلق بالتخصيص بموقع من المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية وتأمين الموافقات والتراخيص اللازمة لها وتوفير البنية التحتية.

مدين دياب: هيئة الاستثمار حريصة على تأمين كافة احتياجات المصانع
وأصبح الإنتاج المحلي ضروريا لتوفير العلاج بسبب العقوبات على واردات المستحضرات الصيدلانية، التي تقيّد استيراد السلع ذات الاستخدام المزدوج وتمنع معظم عمليات تحويل الأموال.
وتحوّلت سوريا إلى بلد مستورد بسبب الحرب التي أنهكتها ودمرت معظم القطاعات الاستراتيجية بعد أن كانت أحد أبرز المصدرين وخاصة في المجال الزراعي.
وبعد أن كانت سوريا في السابق ضمن كبار منتجي الأدوية في المنطقة، حيث كانت في المرتبة الثانية بعد مصر في تغطية الطلب المحلي، دُمّرت الكثير من المصانع الكبرى بسبب القتال أو استولت عليها المعارضة المسلحة عندما بدأ الصراع بعد احتجاجات عام 2011.
وقبل اندلاع الأزمة السورية، ووفق تقديرات لمؤسسات مالية دولية، كانت الصناعات الصيدلانية في سوريا تغطي 93 في المئة من حاجة السوق المحلية وتصدّر منتجاتها إلى 54 دولة عربية وأجنبية.
وخلال الحرب التي اندلعت قبل عشر سنوات، خرجت العديد من مصانع الأدوية من الخدمة، بسبب سيطرة فصائل مسلحة على مناطق واسعة في ريف العاصمة دمشق ومدينة حلب وحمص، حيث توجد العديد من مصانع الأدوية فيها.
وذكرت تقارير محلية العام الماضي أن من خمسة آلاف صيدلية خرجت من الخدمة خلال الحرب، لكن وزارة الصحة في حكومة النظام واصلت تقديم التسهيلات للمصانع التي لا تزال في الخدمة من أجل تلبية طلب الناس من الأدوية، وخاصة المستعصية منها، التي وصلت في مرحلة من المراحل إلى حد الفقدان وتهديد حياة المرضى السوريين بسبب نقصها.
ورغم أن العقوبات الغربية التي فرضت على دمشق قبل قانون “قيصر”، استثنت الدواء والضروريات الإنسانية الأخرى، لكن منظمة الصحة العالمية قالت مرارا إن العقوبات الأميركية تؤثر على تدبير الحكومة السورية أمر الحصول على الأدوية الضرورية.
وكان عدد من أكبر مصانع المواد الصيدلانية السورية قبل الحرب موجودا في المناطق الصناعية خارج حلب، ولكن معظم هذه المصانع دُمرت أو نهبت معداتها.
ولكن حبيب عبود، معاون وزير الصحة لشؤون المستحضرات الدوائية، أشار في تصريحات صحافية العام الماضي إلى أن وضع القطاع بدأ يتحسن منذ 2018 بعد تدشين مصانع جديدة ليبلغ عددها 89 مصنع أدوية، منها 77 منتجة تماما ولديها القدرة على تغطية السوق المحلية.
الحكومة تطرح فرصا استثمارية في محافظة حمص لاستخراج 11 ألف طن من الملح الدوائي سنويا
وما يعقد مهمة دمشق في إنعاش القطاع هو أن السوق المحلية تشهد ظاهرة انتشار الأدوية المزوّرة أو المهربة تحت مسمّى “الأدوية الأجنبية”، والترويج لها من قبل أطباء وصيادلة لجني أرباح كبير تصل ما بين 100 إلى 200 في المئة، ليقع المواطن في نهاية الأمر ضحية مافيا الأدوية.
وكثيرا ما يلاحظ أن الصيدليات التي تلجأ إلى بيع الأدوية المزوّرة تتخذ أماكن مخصّصة تعتمدُ على التصريف السريع خاصة، كقربها من المشافي، أو في المناطق الراقية، حيث يزداد الطلب على الأدوية الأجنبية.
ويختزل وضع صناعة الأدوية ما تعيشه العديد من القطاعات الأخرى، إذ يعزو محللون تسارع انهيار الاقتصاد إلى الأزمة في لبنان المجاور، حيث يُودع التجار السوريون الملايين من الدولارات في المصارف التي فرضت قيودا مشددة على عمليات السحب في ظل أزمة سيولة حادة.
وتتالت الأزمات الاقتصادية في سوريا مع تسجيل الليرة انخفاضا قياسيا أمام الدولار انسحبت على أزمة تموين حادة شهدتها مناطق سيطرة القوات الحكومية.
وتزيد العقوبات الغربية من صعوبة التجارة الخارجية بشكل ملحوظ رغم محاولات دمشق الالتفاف على الحظر، حيث تعيق شراء المعدات الجديدة ومدفوعات الصفقات التجارية.
ورغم أن الحكومة تحثّ قطاع صناعة الأدوية كغيره من القطاعات الأخرى في كافة المحافظات على العودة إلى المناطق التي استعادت السيطرة عليها، إلا أن بعض رجال الأعمال يقولون إنها لا تبذل من الجهد ما يكفي لإعادتهم.
ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ مايو 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
وفي مواجهة التضخم المرتفع، طرح البنك المركزي السوري قبل أسبوعين ورقة نقدية جديدة من فئة 5 آلاف ليرة، وهي ثاني ورقة يتم طرحها للتدوال منذ بداية الأزمة، ففي 2017 تمت طباعة ورقة نقدية من فئة 200 ليرة.