صمت الحكومة التونسية يفتح الباب لانتشار الشائعات والمغالطات

تحاول أطراف مختلفة معارضة في تونس لتوجهات الرئيس قيس سعيد، ترويج مغالطات في مختلف المجالات وتقديم تحاليل ومعلومات خاطئة، في مسعى لزيادة الإرباك وخلق ضبابية في المشهد التونسي، ما يستدعي تكثيف السلطة لجهودها في إنارة الرأي العام وتحسين دورها الاتصالي بتقديم خطاب يكشف الحقائق.
تونس - حذّرت السلطات التونسية من ترويج المغالطات وبثّ الأخبار الزائفة بشأن حقيقة الوضع في البلاد، في خطوة يسعى أصحابها إلى إرباك المشهد وإحداث بلبلة لأغراض سياسية أو شخصية، وسط دعوات إلى التصدي لهذه الممارسات بتقديم خطاب واضح ومتّزن يكشف حقيقة الأوضاع في البلاد.
ويقول مراقبون إنه توجد أطراف تستفيد من تقديم مواقف مغالطة للرأي العام وتشتغل في إطار معارضة توجهات الرئيس قيس سعيّد بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، حيث زعم البعض أن الدولة على حافّة الإفلاس وتنبّأ بعدم قدرتها على خلاص رواتب الموظفين.
ويأتي ذلك في ظلّ وجود إستراتيجية اعتمدتها السلطة لوقف نزيف الاقتراض الخارجي، حتى إنها قطعت أشواطا مهمة في تجنب المزيد من ارتهان الدولة إلى الجهات الدولية المانحة، باتباع سياسة مالية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المالية والاقتصادية للبلاد.
وإلى حدّ الآن، يتمسّك الرئيس التونسي بشروط عدم رفع الدعم وتداعياته السلبية على الجانب المعيشي للتونسيين، فضلا عن رفضه خصخصة المؤسسات العمومية كمكسب وطني عملت الحكومات المتعاقبة على التفريط فيه، كما يشدّد سعيّد على احترام هذه الشروط في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وعلى عكس ما يروّج له بعض المتابعين للشأن التونسي، باتت تونس تسترجع سيادتها الوطنية في صناعة القرار الداخلي، حيث يكرّر الرئيس سعيّد مرارا بضرورة “احترام السيادة الوطنية وأنه لا وصاية لأحد على تونس”، بعد سنوات من الارتهان الخارجي كرّسته منظومة الأحزاب والولاءات السياسية للتمكّن من السلطة.
وردّت وزيرة المالية والاقتصاد والتخطيط بالنيابة سهام البوغديري نمصية السبت على الاتهامات الموجهة للحكومة بالتخلي عن دعم المواد الأساسية بصفة مقنّعة معتمدين في ذلك على رقم ورد في ميزانية سنة 2023، منتقدة ما يروج عبر عدد من المنابر الإعلامية أو على ألسنة بعض الخبراء، مؤكدة أنه غير صحيح وواصفة مقارباتهم بالسطحية ومتهمة إياهم بترويج مغالطات.
وقالت الوزيرة في ردها على استفسارات النواب السبت خلال الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع ميزانية الدولة والميزان الاقتصادي لسنة 2024 "أريد أن أوضح أيضا مسألة بصفة كلية وهي مسألة كثيرا ما يتم التطرق إليها في بعض المنابر الإعلامية ومن طرف بعض الخبراء وهي أن الدولة أنفقت مبلغا زهيدا في الدعم سنة 2023 يقدر بحوالي 470 مليون دينار (150.91 مليون دولار)، وهو كلام غير صحيح لأن مقارباتهم سطحية ولا يرون كيف عالجنا موضوع الدعم وسمعت نفس السؤال المتعلق بمسألة الدعم من قبل أحد النواب".
وأردفت قائلة "تم في تنفيذ ميزانية 2023 إنفاق في حدود 473 مليون دينار (151.87 مليون دولار)، كمصاريف بعنوان دعم المواد الأساسية والاستهلاكية واعتبر البعض أن المبلغ ضعيف وأنه يترجم رفع الدعم وأن الحكومة رفعت الدعم بصفة مقنعة.. بكل صراحة ومع كل احترامي للخبراء الذين قدموا المغالطات أقول لهم إن هذا تحليل سطحي يدل على عدم دراية بمنظومة الدعم التي تقوم على مبدأ التعويض لأن هذا الرقم هو جزء
بسيط جدا من المبالغ التي تم صرفها إلى حد الآن لمنظومة الدعم.. وما ينبغي أن يعرفه الجميع أن هناك عدة متدخلين في منظومة الدعم أولهم ديوان الحبوب".
وأضافت "كيف تولى ديوان الحبوب سنة 2023 تغطية مصاريف توريد الحبوب في ظل تراجع المحاصيل والتغيرات المناخية والجفاف؟ أول فاعل في منظومة الدعم هو الديوان الوطني للحبوب الذي يقوم بدوره وهو تلبية احتياجات التونسيين من الحبوب.. ويمول كل ذلك من خلال تسبقات على مصاريف الدعم من الميزانية وكذلك من خلال تمويلات خارجية وديوان الحبوب تحصل سنة 2023 على تمويلات خارجية مباشرة موجهة لتمويل الواردات من الحبوب وبطبيعة الحال فإنه سواء قام بتمويلات مباشرة أو بضمان مباشر من الدولة فدائما الدولة هي التي تتكفل بالنفقات عبر آلية التعويض".
ومنذ الخامس والعشرين من يوليو 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ الرئيس قيس سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في الخامس والعشرين من يوليو 2022 وتبكير الانتخابات البرلمانية.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأنه “منذ 2011 هناك من يروّج المغالطات والمعلومات الخاطئة سياسيا واقتصاديا، ولاحظنا بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021 أن هناك من تنبّأ بعدم قدرة الدولة على خلاص رواتب الموظفين وقدم صورة قاتمة عن تونس، ولكن الدولة لم تقترض أموالا من الخارج وهي بصدد خلاص ديونها، وذهبت إلى صندوق النقد الدولي وتفاوضه بالشروط التي تساعدها إلى حدّ الآن".
وقال لـ"العرب"، "اليوم علينا التعويل على الذات، هناك بعض الإشكاليات الوطنية وتونس استرجعت سيادتها الوطنية ومكانتها في صناعة القرار الوطني واستقلالها الداخلي والخارجي، وتمكنت من خلاص جزء كبير من قروضها".
ويعتبر الرئيس سعيد أن شروط الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، مجحفة وأنها قد تتسبب في اندلاع اضطرابات اجتماعية دامية لأنها تمس الفئات الشعبية الهشة. ولطالما حذر من أن القبول بشروط صندوق النقد الدولي يمكن أن يهدد السلم الاجتماعية.
وأفاد الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنّادي بأن "المنهج التحليلي للوضع الاقتصادي والمالي يتطلّب الاستناد إلى أرقام من الجهات الرسمية وهي بالأساس البنك المركزي التونسي والمعهد الوطني للإحصاء، وحجب الأرقام الصحيحة سيؤدي إلى المغالطة".
وأكد لـ"العرب" أن "هناك تحسّنا ملحوظا في تقليص منظومة الدعم من 11.8 مليار دينار (3.79 مليار دولار) إلى أكثر من 8 مليارات دينار (2.57 مليار دولار)، ولكن دعم المواد الأساسية موجود أيضا في ميزانية 2024، ومن يقدمون أرقاما خاطئة فخطابهم لا يستقيم، لأن ملامح المشهد المالي والاقتصادي واضحة".
ولفت الجنادي إلى أن "تونس حققت خلاص 75 في المئة من ديونها الخارجية، ونحن في التوجه الصحيح بخصوص منظومة الدعم التي يمكن تحيينها بإجراءات أخرى”، مشيرا إلى أن "إفلاس الدولة غير ممكن لأن إمكانياتها أكثر من نسبة ديونها". ولم يستبعد الجنادي "وجود مآرب سياسية لمغالطة الرأي العام لأن نظرة التيارات السياسية تختلف حسب المصالح والتموقع في المشهد".