صقر عليشي:الحداثة الشعرية منبعها الأفق المفتوح للقصيدة

دمشق – ينتمي الشاعر السوري صقر عليشي إلى الجيل الثاني في الشعر العربي المعاصر بعد فرسان الحداثة، حيث قدم في مجموعاته، التي تناهز العشرة، تجربة خاصة كرسته ضمن الأسماء المهمة في قصيدة النثر رغم تمكسه بالموسيقى الشعرية.
ويميز عليشي بين نوعين في الموسيقى الشعرية أحدهما خارجي ويتعلق بالوزن والقافية، والثاني داخلي وهو عبارة عن تواؤم وتوافق وتناغم يبعث الحياة في روح الشعر.
ويرى الشاعر أن الموسيقى الداخلية ليست وقفا على قصيدة النثر وعندما يفتقدها الموزون يصبح نظما جافا، لافتا إلى أن طبيعة الشاعر وتمثله للتجارب وتركيبته النفسية تؤثر في وجود موسيقى شفافة تميزه عن غيره.
ويؤكد عليشي أن السوريين رواد كبار في قصيدة النثر معتبرا الشاعر محمد الماغوط أهم من كتبها إضافة إلى أدونيس ونزيه أبوعفش وسنية صالح ومحمد عمران.
ويجد عليشي أنه ليس من الضرورة أن يتقن شاعر النثر بحور الخليل، وهناك شعراء أبدعوا في الوزن ولكن محاولاتهم النثرية كانت أقل شأنا مثل أبوعفش ونزار قباني ومحمود درويش، في حين أن الماغوط أبدع في النثر فلماذا نطلب منه كتابة الموزون طالما أنه كتب قصيدة نثر “مهمة ورائعة”.
ليس ضروريا أن يكون الشعر غامضا أو غير مفهوم ولكن يجب أن يكون محلقا وعميقا برؤاه
وليست للقصيدة الحديثة وفق عليشي قواعد ثابتة وهذا يرجع إلى تجربة الشاعر الذي قد ينوع بالوزن أو القافية أو يدمج النثر بالشعر، كما فعل أدونيس وسليم بركات، مؤكدا أن الشاعر لا يكون حداثويا لمجرد اختيار التفعيلة أو النثر، والحداثة تكون من داخل القصيدة وفي أفقها المفتوح وصورها وانزياحاتها، وتجاهل الوزن والقواعد لا يعني الحداثة بالمطلق.
ويتوقف عليشي عند أحد أنواع التحديث في شكل القصيدة العمودية بأن يعمل الشاعر على تقسيم البيت ووضع وقفات فيه دون الالتزام بالصدر والعجز، وهذا له علاقة بالرؤية البصرية ويعطي راحة للعين.
ويتوقف الشاعر عند تجربة شاعرين من عصرين مختلفين مع الشعر والنثر فالأول محي الدين ابن عربي كان في كتبه النثرية أعمق وأبعد من مثيلاتها الشعرية، كما تجلى ذلك في شرحه لديوانه “ترجمان الأشواق”. أما الثاني وهو نزار الذي ركب موجة الحداثة وحارب أوزان الخليل فقد عاد بعد فترة إلى موسيقى الشعر وأوزانه، لأنه رأى أن الشاعر يمكن أن يبدع ضمن هذه القوالب.
وحول ميل بعض الشعراء المعاصرين للضبابية يعتبر عليشي أنه ليس من الضرورة أن يكون الشعر غامضا أو غير مفهوم ولكن يجب أن يكون محلقا وعميقا ويمتلك الرؤى المجنحة ويحمل الروافع الجمالية، وهذا لا يتناقض مع البساطة التي يقدسها عليشي من دون أن تنحدر إلى اللغة المباشرة.
ويشير عليشي إلى أن الشاعر الموهوب يكون شعره مهما منذ البداية فلا يوجد شاعر بدأ رديئا ثم جيدا ثم مدهشا ضمن خط بياني متصاعد، ولكن يمكن أن يبدأ رومانسيا ثم يتجه نحو تعميق الفكرة ثم باتجاه الرمزية.
وحول نتاجه الشعري المطبوع يتحدث عليشي عن مجموعته الأولى “قصائد مشرفة على السهل” التي صدرت سنة 1984 وكرسته كأحد شعراء قصيدة النثر حيث ابتعد فيها عن الموزون دون قطيعة مطلقة معه.
ومن إصدارات عليشي مجموعة “عناقيد الحكمة” التي جاءت معظم قصائدها من الشعر الساخر ففيها قصيدة تسخر من فكرة الشاعر الفرنسي رامبو بتغيير العالم، كما احتوت نثرية مطولة يرثي فيها الماغوط بأسلوبه. أما مجموعته “قليل من الوجد” فكتبها بعد انقطاع دام عشر سنوات ومعظم قصائدها وجدانية وعاطفية إضافة إلى مرثية لنزار قباني وقصيدة “أحاول هذا الكلام” التي طبعها منفردة في كتيب.
واحتفى عليشي في مجموعته التي صدرت قبل الحرب بعنوان “الغزال” بالوجود والأنثى والطبيعة وبقيت ظلالها موجودة بقصائد مجموعته الأخيرة “معنى على التل” مشيرا إلى أن لديه حاليا ثلاث مجموعات جاهزة للنشر.
ونذكر أن صقر عليشي هو شاعر سوري من مواليد قرية عين الكروم في محافظة حماة السورية، غالبا ما حملت قصائده نكهة خاصة، فهي دائما تحاكي السخرية في إيقاعاتها لكن السخرية ليست سخرية عابرة، بل هي سخرية محتواة بالحكمة استنبطها الشاعر من الحياة اليومية التي يعيشها الإنسان حتى أنه في بعض القصائد كان يحكي سيرة ذاتية عن ذاته، هذا ما جعل للشاعر خصوصية في نصه.
اهتم صقر عليشي بالموضوعات البسيطة “لكي يكون شعره مقبولا لدى فئات واسعة من الناس”، كما يرى، وقد كتب أنماطا عدة في بنية القصيدة أسهمت في تحقيق الانسجام في نصوصه وأعطته خصوصيته، حتى أن أغلب النقاد يعتبرونه الشاعر العربي الوحيد الذي يعتمد في شعره وبشكل كامل تقنية السخرية.