صفقات مشبوهة تثير الغضب ضد الحكومة المصرية

تسود حالة من الغضب في مصر حيال الحجج التي ساقتها شركة مصر للطيران للتفريط في طائرات من نوع أيرباص تم شراؤها قبل نحو أربع سنوات، وبدت تلك الحجج غير مقنعة، وأثارت الكثير من اللغط والشكوك عن شبهات فساد وسوء تخطيط.
القاهرة- تصدرت صفقة طائرات لشركة “مصر للطيران” اهتمام الرأي العام، على خلفية إعلان عن بيع 12 طائرة إيرباص لعدم ملائمتها للظروف المناخية في مصر، واستغلال حصيلة الصفقة في سداد ثمن القرض الخاص بشراء الطائرات نفسها.
أحدث الإعلان عن الصفقة، والتي وصفها كثيرون بـ”سيئة السمعة”، ضجة واسعة وتسبب في غضب جديد من الحكومة، واتهامها بالفشل والترويج لمبررات واهية، وتعالت الأصوات المطالبة بمحاسبة المتورطين في الصفقة بتهمة إهدار المال العام.
وأظهرت تفسيرات رئيس شركة مصر للطيران يحيى زكريا حول صفقة الطائرات معاناة بعض المؤسسات الحيوية من العشوائية، على مستوى التخطيط والقرارات والاتفاقات التي تبرمها وتكلّف موازنة الدولة مبالغ مالية طائلة.
وقال رئيس الشركة في تصريحات إعلامية إن الطائرات المقرر بيعها لسداد قرضها من طراز إيرباص “A220-300واكتشفنا لم تعد ملائمة لظروف مصر المناخية، وتبين لاحقا أن القاهرة اشترت الطائرات التي تبيعها حاليا منذ أربع سنوات.
ولم يتقدم سوى برلماني واحد بطلب إحاطة إلى وزير الطيران لسؤاله عن حقيقة الصفقة وأسبابها وأبعادها، وطالب برد مكتوب يرسله الوزير إلى مجلس النواب، بينما صمت باقي أعضاء البرلمان عن فتح نقاش واسع حول القضية والتحقيق فيها، على الرغم من الغضب الشعبي على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويعبّر البرلمان الحالي في مصر عن حالة تراجع سياسي في الرقابة على الأداء الحكومي ومساءلة المسؤولين عن دراسات الجدوى بشأن المشروعات القومية والصفقات التي تبرمها مع جهات خارجية بقروض ضخمة، ومن النادر أن يستخدم المجلس أدواته الرقابية لكشف الفساد بحسم.
وفرضت الصفقة أسئلة طرحها خبراء ومتخصصون ومواطنون عاديون، منها لماذا لم يتم بيع كل الطائرات المملوكة لمصر للطيران من نفس الطراز طالما أن الظروف المناخية غير ملائمة، وماذا تغير في أجواء البلاد جعل بعض الطائرات غير صالحة؟
ولم تفصح الحكومة أو أي من مسؤولي قطاع الطيران والوزير المعني عن قيمة الصفقة عند الشراء، والفائدة التي تدفعها مصر نظير القرض سنويا، وكم ستخسر الشركة عندما قررت البيع لسداد القرض، ما ضاعف من الشائعات حول الصفقة.
وسارع خصوم السلطة والإعلام المناوئ للدولة لاستغلال الغضب وصمت الحكومة لتثبيت رؤيتهم حول العبث بمقدرات الدولة، والتخطيط غير المدروس وإبرام صفقات مشبوهة دون إعلان تفاصيلها.
وربط مراقبون بين صفقة الطائرات وما تعكسه من فشل إداري ومالي وبين سعي الحكومة للاستعانة بالقطاع الخاص في إدارة وتشغيل المطارات، بحيث يكون ذلك مبرر مقنع للشارع بأن الدولة عندما تستعين بمستثمرين في قطاعات حيوية تعالج أزمات متجذرة.
وتعاني الحكومة ممانعات شعبية وسياسية كلما أقدمت على التخطيط لبيع شركات حيوية للقطاع الخاص أو إدخاله في الإدارة والتشغيل، وأحيانا تطلق بالونات اختبار للشارع كقضية فساد إداري في شركة ما كي تخرج مطالبات من الناس بتسليم الإدارة للقطاع الخاص.
وتسبب صمت الحكومة على شبهات صفقات الطائرات وعدم الخروج لإظهار الحقيقة على الرأي العام في الإساءة للنظام الحاكم، فهناك إجراءات خاطئة أضاعت على الدولة مبالغ طائلة، كان يفترض التحقيق فيها لتعزيز ثقة الشارع في الجمهورية الجديدة التي يجاهد الرئيس عبدالفتاح السيسي لتأسيسها على قاعدة صحيحة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي جمال أسعد إن صفقة الطائرات معبرة عن فوضى عارمة في التخطيط لبعض المشروعات، ومبررات الصفقة ساذجة وتؤكد غياب المحاسبة والمكاشفة بدليل عدم وجود انتفاضة برلمانية غاضبة ضد بعض المسؤولين الذي يخفقون ويصدرون قرارات عشوائية.
وأضاف أسعد لـ”العرب” أن الصمت على محاسبة المسؤولين المخطئين مرفوض من عموم المصريين، وعلى الحكومة أن تستوعب الخطورة السياسية من غياب المصارحة مع الرأي العام في القضايا الجماهيرية والكف عن تقديم بعض المؤسسات مبررات واهية.
ويشير متابعون إلى أن أزمة صفقة الطائرات أكبر من مجرد مشكلة معبرة عن عشوائية في التخطيط وغياب دراسات الجدوى، لكنها كاشفة بوضوح عن تحدٍ بالغ التعقيد يواجه الجمهورية الجديدة التي تم التبشير بها، ويرتبط بضعف أدوات مكافحة الفساد والمحاسبة الصارمة وتفعيل الرقابة على كبار المسؤولين.
ويرى هؤلاء المتابعون أن التغطية على أي فساد أو فشل إداري خطير لأي مسؤول أو جهة كبرى يجلب المزيد من الغضب الشعبي وغياب الثقة في الحكومة وأجهزة الدولة برمتها، ولا يصب في صالح النظام المصري، ما يثير تساؤلات منطقية حول أسباب صمت الحكومة عن المحاسبة وقت غليان الرأي العام.
يزداد غضب الناس في مصر، كلما كانت القضية مرتبطة بارتباك إداري أو شبهات فساد، ما يضاعف الأزمة الاقتصادية التي تحاصر الحكومة والمواطنين، ويفرض على النظام الحاكم تجاوز التبعات السياسية التي تنتج عن شح المعلومات وغياب كافة التفاصيل عن بعض القضايا محل الغضب.
تفسيرات رئيس شركة مصر للطيران يحيى زكريا حول صفقة الطائرات أظهرت معاناة بعض المؤسسات الحيوية من العشوائية
وأكدت دوائر سياسية أن الحكومة تدفع فاتورة سياسية باهظة لتجاهل استشارة الخبراء والمتخصصين في القرارات والصفقات المهمة، ومهما كانت هناك إجراءات تنموية ومشروعات واعدة لن تحقق المرجو منها مع تراجع جسور الثقة في مؤسسات الدولة.
وإذا تدخلت الحكومة بعد تصاعد الأزمة، سوف ينتج عن ذلك روافد سياسية أشد خطورة، لأن التحرك المتأخر يجعل الناس يقتنعون أن محاسبة المتورطين تأتي بعد ارتفاع صوت المواطنين وتصويب سهام النقد تجاه السلطة، ما يجلب انطباعات قاتمة عن شكل الجمهورية الجديدة، والتي ترمي إلى إصلاح مؤسسات الدولة.
ويبدو الدرس المهم في هذه الحالة أن تقتنع دوائر حكومية بأن المصارحة والمكاشفة المعلوماتية والمحاسبة للمتورطين في شبهات فساد مالي وإداري ميزة تُحسب لها، وإن استثمرت ذلك المعارضة في تشويه صورتها، فالصمت سوف يؤدي إلى مشكلات أكثر تعقيدا، خاصة إذا ظلت صرامة الحكومة خاضعة لتوقيتات سياسية محددة، ومع أسماء وجهات بعينها.