صفقات الاندماج والبيع تروض الإعلام المصري

يوحي الحراك المتسارع في قطاع الإعلام المصري الخاص، بتغييرات جذرية تقترب مع المشاريع الجديدة، والتي رغم غموضها إلا أنها تشي برغبة الجهات الحكومية في "تأميم القنوات الخاصة" من خلال رجال أعمال موالين للدولة.
الجمعة 2016/06/03
ماذا ستقدم الصحف الجديدة كي تنافس عراقة الصحف القديمة

القاهرة – يشهد قطاع الإعلام المصري نشاطا لافتا في الفترة الأخيرة، بدخول كبار رجال الأعمال إلى المجال الإعلامي، مع ترقب المتابعين لتحركات أخرى في المؤسسات الإعلامية، تشكل خارطة جديدة لمستقبل الإعلام المصري، لكنها غير مكتملة الملامح بعد.

وبعد الضجة الكبيرة التي أثارها رجل الأعمال نجيب ساويرس، ببيعه حصته من قناة “أون تي في” لرجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، أعلن ساويرس عن مشروع يشرف عليه الصحافي مجدي الجلاد، يضم عدة مواقع إلكترونية ووكالة أنباء وصحيفة ورقية، وتسربت أنباء عن عدم استبعاد نية إصدار المزيد من النوافذ الإعلامية، لكن بقيت تفاصيل المشروع مبهمة وغير واضحة.

وقال متابعون إن الأمر المحيّر في مشروع ساويرس الجديد، أن صفقة بيع قناة “أون تي في”، تمت بضغوط سياسية غير مباشرة، وهو ما عززته تصريحات الملياردير نفسه، بأنه قرر بيع المحطة التلفزيونية بعد أن سببت له صداعا سياسيا، وأغضبت منه الحكومة وعددا من القوى السياسية، بفعل الجرأة التي يراها البعض مبالغا فيها من مذيعي القناة للحكومة والقوى السياسية.

وبدأت فكرة المشروع الجديد قبل حوالي عام بجريدة يومية يرأس تحريرها مجدي الجلاد رئيس تحرير جريدة الوطن المستقلة السابق، لكن تحفظات رسمية جمّدت المشروع.

ويضيف مراقبون، أنه في ظل رغبة ساويرس، الذي يملك حصة في أسهم جريدة “المصري اليوم” اليومية المستقلة، تفادي الصدام مع الدولة التي تتجه نحو ترويض الإعلام الخاص عبر صفقات الاندماج والبيع، لجأ إلى “تمييع” الشكل النهائي للمشروع.

ولا يزال أساس المشروع ثابتا بإصدار جريدة ورقية، لكن الإرجاء بدا كمحاولة لطمأنة الحكومة بأن المشروع لن يكون منصة للهجوم مثلما كان حال جريدة “الوطن” المستقلة في الأسابيع الأخيرة من رئاسة الجلاد لتحريرها.

وتتمثل التجربة الصحافية الجديدة كما يحلو للجلاد أن يصفها، في الإشراف على موقع “مصراوي” الإخباري وموقع “ياللا كورة” الرياضي وجريدة “فيتو” ووكالة “أونا” الإخبارية، وكلها مشاريع مملوكة بالفعل لساويرس، بعد دمجها في كيان واحد.

وأضاف الجلاد في تصريحات لم تقلل من الغموض، أن التجربة تهدف إلى “إنتاج محتوى موضوعي عبر غرفة أخبار مدمجة ومتطورة، تضخ عددا من المنصات الإعلامية بمفاهيم صحافية واقتصادية مغايرة لما يحدث في مصر والمنطقة العربية”.

وأشار بعض الصحافيين العاملين في تلك المواقع إلى حالة من القلق تنتاب طاقم العمل، بعد تسرب أنباء عن رغبة الجلاد في استبدال “الرؤوس الكبيرة من المحررين” فيها بصحافيين تابعين له.

مجدي الجلاد: الهدف إنتاج محتوى موضوعي عبر غرفة أخبار مدمجة ومتطورة

وشهدت مصر في الأسابيع الماضية حركة بيع واندماج عدد من القنوات، حيث جرى الإعلان عن دمج مجموعتي قنوات النهار و”سي بي سي” في شركة قابضة واحدة، وهناك مؤشرات على بيع قناة “الحياة” التي يملكها السيد البدوي رئيس حزب الوفد.

وذكرت تقارير عديدة أن أجهزة أمنية كبيرة تدير هذا الحراك الذي يهدف إلى ما يمكن وصفه بـ”تأميم القنوات الخاصة” من خلال رجال أعمال موالين للدولة.

واستندت التقارير إلى تدخل أجهزة رسمية لإقناع رجال أعمال بعينهم لافتتاح قنوات جديدة مثل قناة “دي إم سي” التي يجري التجهيز لافتتاحها في سبتمبر المقبل، وتتكون من 6 محطات متنوعة.

وعلمت “العرب” أن بعض الأجهزة الرسمية في مصر دفعت رجال أعمال إلى إنتاج برامج جماهيرية في قنوات حكومية مثل برنامج “أنا مصر” الذي يذاع على الفضائية المصرية الأولى، وبرنامج “توك شو” الذي لم يخرج للنور وكان الاتفاق بأن يقدمه المؤلف والسيناريست مدحت العدل وتنتجه شركة “بريزنتيشن” التي تملك حقوق بث الدوري المصري. وكانت المفاجأة اللافتة مؤخرا صدور جريدة “الزمان” التي تملكها وترأس تحريرها الصحافية إلهام شرشر زوجة حبيب العادلي وزير داخلية الرئيس الأسبق حسني مبارك والرجل القوي في عهده، وكانت ممارساته الشرطية أحد مبررات ثورة 25 يناير 2011، ما أثار لغطا حول توظيف الجريدة كمدخل لعودة العادلي ورفاقه إلى الأضواء من جديد.

ويرى المتابعون أن أول ما يلفت الانتباه في التجربة أن القائمين عليها ينتمون إلى عصر مبارك بشكل أو بآخر، فهناك مكرم محمد أحمد الصحافي نقيب الصحافيين الأسبق، والمقرب من الرئيس الأسبق ويشغل منصب مستشار تحرير الجريدة بحسب المدون في صفحتها الأولى. وتولى رئاسة تحرير الجريدة في أول عددين (صدر منها 3 أعداد حتى الآن) مجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة أكتوبر الحكومية في أواخر سنوات حكم مبارك، قبل أن ينسحب من منصبه وديا، بسبب خلافات إجرائية.

ويثير الخط التحريري للصحيفة تساؤلات عديدة حول علاقتها بالنظام الحالي، حيث بالغت مانشيتات الجريدة في مدح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مما خلق حالة من الشك حول ما إذا كانت مالكة الجريدة وزوجها يسعيان للتواصل مع النظام الحاكم عبر نموذج للإعلام الداعم مستغلين ضيق السيسي المعلن من انتقادات الصحافة له في عدة مناسبات سابقة. وأشارت بعض المعلومات إلى أن الجريدة قد تكون نواة لإمبراطورية إعلامية ضخمة ينوي العادلي تأسيسها، تضم قناة فضائية وموقعا إلكترونيا إلى جانب الصحيفة، بهدف تلميع صورته استعدادا للعودة إلى المشهد السياسي.

لكن مقربين من الجريدة استبعدوا في تصريحات لـ”العرب” ذلك، خاصة أن العادلي لم يكن سياسيا بالمعنى الحرفي وإنما كان وزيرا تنفيذيا تستحيل عودته إلى منصبه، كما أن تجاوزه الخامسة والسبعين يجعل من الحماقة تصور أنه يخطط لدخول المعترك السياسي.

18