صعوبة التوفيق بين العمل وشؤون البيت تؤرق الأسر التونسية

تصطدم العائلات التونسية على اختلاف مكانتها الاجتماعية بصعوبات عدة تهمّ مسألة الجمع بين الالتزامات المهنية بكل شروطها وظروفها من ناحية، وأداء الدور الأسري على أكمل وجه من ناحية أخرى. وتخلّف صعوبة التوفيق بين المهمتين ضغوطا مادية ونفسية كبيرة لدى الآباء والأمهات، وخصوصا في ما يتعلق بتربية أبنائهم.
تونس – يصارع الأزواج التونسيون ظروف الحياة بضراوة بهدف التوفيق بين مستلزمات الفضاء الأسري والمنزلي بعد يوم عمل شاق، وتوفير ما يمكن لمجابهة النفقات والحاجيات، في ظل ضيق الوقت الذي تنعكس سلبياته أحيانا على تربية الأطفال.
ويؤكد علماء الاجتماع أن التوازن بين العمل والأسرة يحتاج إلى توزيع الطاقة بينهما، منبهين إلى أن هذا المصطلح يعتبر استعارة للفكرة القائلة إن العلاقات بين العمل والأسرة يمكن أن تكون غالبا متنافسة ومتناقضة وصدامية.
وأفاد الدكتور في علم الاجتماع العيد أولاد عبدالله أن “هناك تحولات اقتصادية واجتماعية وكذلك ثقافية استهدفت الأسرة التونسية بالأساس، رافقتها تحولات على مستوى الوظائف خاصة بعد ارتفاع عدد النساء الملتحقات بالتعليم العالي في تونس وتحسن المقدرة الشرائية لدى الأسر، ما أثر في إعادة توزيع الأدوار من جديد خاصة بعد خروج المرأة للعمل”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “كل تلك العوامل خلقت مجموعة من الصعوبات خصوصا لدى الأزواج الجدد، وهو عامل من عوامل تهديد الأطفال، فضلا عن عدم تفرغ الأم والأب للتربية وبعد المسافة الفاصلة بين مقر العمل ومقر السكن وما يتطلبه من صعوبات في التنقل، ما يجعل الأطفال الضحية الأولى لهذا الرهان ثم المرأة والمجتمع”.
وفي استعراض بعض الأرقام والمؤشرات التي تؤكد صعوبة التوفيق بين العمل والمنزل، فضلا عن أخرى تظهر تأثيراتها بطريقة غير مباشرة، أشار عالم الاجتماع “إلى ارتفاع مؤشر خريجات التعليم العالي إلى 55 في المئة في الوسط الريفي، وتطور مؤشر التحاق الفتيات بالمؤسسات التعليمية إلى حوالي 300 ألف طالبة، علاوة عن امتداد فترة العزوبة لدى الشباب التونسي وارتفاع كلفة الزواج”.
ووفق أرقام رسمية، يتراوح عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة بين 100 و150 ألف تلميذ، وتعد الأسرة السبب الرئيسي لتهديد أبنائها. وكشف تقرير إخباري أميركي عن أفضل وأسوأ 10 دول في العالم من حيث تربية الأطفال. وتختلف تجارب تربية الأطفال اختلافا كبيرا من دولة إلى أخرى لكن التقرير يعمل كدليل تقريبي. واحتلت تونس والأردن وعمان مرتبة سيئة، في حين صنفت كازاخستان ولبنان كأكثر البلدان صعوبة في تربية الطفل في عام 2020.
ويرى مراقبون أن العمل غزى حياة النساء الشخصية وأصبح الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة العائلية ليس بالمهمة السهلة. ولا تنتهي مهام الأولياء بمجرد نهاية يوم عمل، بل يسارع الأزواج إلى توفير ما يتطلبه الفضاء المنزلي من حاجيات وطعام وغيرهما. وتضطلع المرأة بالقسط الأكبر من الأعمال المنزلية على غرار الطبخ أو متابعة دروس الأبناء أو التسوق.
وتؤكد إحصائيات رسمية أن المرأة تؤمن أكثر من 45 في المئة من مصاريف العائلة التونسية، وهو إقرار بدورها الاقتصادي الهام.
وعلى الرغم من نجاحهن مهنيا بتقلد أعلى المراتب المهنية والوظيفية، إلا أن العديد من النساء في تونس يجدن صعوبات كبيرة في الاهتمام بالمؤسسة العائلية ومتطلباتها اللامتناهية.
وأفاد الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربالي في تصريح لـ”العرب” “أن خروج المرأة للعمل أثر كثيرا على توازن العائلة وأصبح هناك فضاء مهني وآخر خاص”.
وأضاف “الأفراد وجدوا صعوبة في البحث عن التأقلم بين العمل والبيت فاضطروا إلى خلق مؤسسات بديلة كالحضانات ورياض الأطفال، لكنها لم توفق في المهمة، وأصبح الأزواج يضعون أبناءهم في هذه المؤسسات بداعي التخلص منهم وقتيا، حتى أنهم كثيرا ما يشعرون بالضغط والتوتر أيام الآحاد والعطل، وهذا كله مرتبط بالتحولات التي يشهدها المجتمع التونسي”.
ويشار إلى أنّ قطاع رعاية الأطفال في تونس يوفر الخدمات لنحو 190 ألف طفل، ويضم 4500 روضة أطفال و390 حضانة خاصة و2000 حضانة مدرسية.
ويرى غربالي أن “تقاسم الأدوار داخل العائلة مفهوم غير متكافئ في تونس وكثيرا ما يكون العبء على أحد الزوجين، ما يخلق مشاكل بينهما وتوترا كثيرا ما يؤدي إلى الانفصال والطلاق والعنف المادي”.
كما أشار الباحث في علم الاجتماع إلى أن “الدولة لا تملك سياسة أو استراتيجية واضحة لمساعدة العائلات في هذا الشأن، بل إن خطابها الرسمي دائما موجه على كون المسؤولية الاجتماعية من مهام العائلة”.
ويؤكد علماء النفس أن الضغط النفسي المسلط على الأمهات والآباء ينعكس على الأطفال، على غرار مشاكل الصحة العقليّة للأطفال، ومنها الاكتئاب، والمشاكل النفسية الأخرى الناجمة عن القلق والإجهاد والتوتر.
كما أشاروا إلى احتمال حدوث مشاكل واضطرابات سلوكيّة مختلفة، كالجنوح، والعنف، واللجوء إلى الاشتباك والصراع مع باقي الأطفال، مؤكدين أن هذه السلوكات قد تكون بغرض الكشف عن الاستياء والغضب، والتعبير عن المشاعر السلبيّة التي تغمرهم وتؤلمهم في دواخلهم، فضلا عن تناول الممنوعات والمحظورات، كالمواد المخدّرة، أو شرب الكحول في سن مبكرة.
ويمكن للإخفاق الزوجي بين المهام المهنية والشغلية أن يؤدي إلى التفكك الأسري تبعا لارتفاع نسب الطلاق حيث تبت المحاكم يوميا في 46 حالة وفق ما أوردته وزارة العدل، حيث كشفت إحصائيات قدمتها الوزارة في بداية العام 2020، عن تسجيل 46 حالة طلاق يوميا في تونس و13 ألف قضية طلاق سنويا.
كما تشير البيانات إلى ارتفاع عدد الحالات مقارنة بالعام 2017 حيث كانت المحاكم لا تبت سوى في 41 حالة طلاق يوميا.
وسبق أن أكدت مليكة الورغي مديرة الأسرة بوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، في تصريح إعلامي، أن ارتفاع حالات الطلاق يعود إلى عدم وعي الشباب القادمين على الزواج بحجم المسؤولية المناطة بعهدتهم، مشيرة إلى أن غياب التأهيل لدى الشباب من أبرز الأسباب.
وقالت الورغي إن غياب الوعي بالمسؤولية التي تترتب على الزواج إضافة إلى المشاكل المادية التي تتفاقم خاصة بعد إنجاب الأطفال يعمقان الأزمة. وأشارت إلى أن أكثر حالات الطلاق المسجلة تعود إلى محافظات سوسة وصفاقس ونابل وتونس الكبرى.