صعوبات استخراج جواز التلقيح تطرح غياب الرقمنة في تونس

تونس - طرحت صعوبات استخراج جواز التلقيح تساؤلات التونسيين حول غياب الرقمنة في الإدارة والتسهيلات البيروقراطية في البلاد، حيث ظلت مجرّد شعارات فضفاضة تنتظر التفعيل الحقيقي.
وأثار قرار إجبارية الاستظهار بجواز التلقيح جدلا واسعا في مختلف المؤسسات العموميّة والخاصة وأيضا الفضاءات العامة والمساحات التجارية الكبرى ومراكز العمل، والذي بموجبه يصبح المواطن مجبرا على التلقيح ضد كورونا للحصول على تأشيرة العبور لتلبية حاجياته أو للالتحاق بعمله.
ويأتي هذا الإجراء تفعيلا للمرسوم عدد 1 لسنة 2021 المؤرخ في الثاني والعشرين من أكتوبر 2021، والمتعلق بجواز التلقيح الخاص بفايروس “سارس كوف - 2″، وتطبيقا للإجراءات الخاصة بمجابهة دخول وانتشار الفايروس والسّلالة الجديدة “أوميكرون”.
وساهم هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ الخميس، في خلق حالة من الاكتظاظ والفوضى في مختلف المؤسسات العمومية والخاصة وأيضا في عدد من مراكز التلقيح، التي تشهد بدورها اكتظاظا وسط تعطل لسير عملها جراء الخلل التقني في موقع “إيفاكس” مما ترتب عنه توقف عملية التلقيح بالإضافة إلى صعوبة استخراج جواز التلقيح.

المنذر ثابت: الرقمنة ظلت مجرد شعارات توضع لتجميل الواجهة السياسية
وتزامن القرار مع استخلاص المتقاعدين في تونس لرواتبهم مما سبب حالة احتقان وغضب في صفوف المواطنين، الذين عبروا عن استيائهم بعد إعلامهم بأنه لا يمكنهم دخول مكتب البريد دون الاستظهار بجواز التلقيح.
وترى أوساط سياسية أن غياب المراهنة الجدية على الرقمنة، حال دون تطور خدمات الإدارة التونسية، التي ظلت رهينة أساليب تقليدية في التعامل مع المواطنين.
وأفاد المحلل السياسي، المنذر ثابت بأن “الرقمنة هي دخول المجتمع لما بعد الحداثة (اقتصاد المعرفة)، ومن الضروري أن تكون أجهزة الدولة مرقمنة بما يواكب تطورات القطاع الخاص، في سبيل اختزال الوقت ومواكبة التقدم التكنولوجي”.
وأضاف لـ”العرب”، “هناك غياب لمراهنة حقيقة على الرقمنة في تونس، وظلت مجرد شعارات توضع لتجميل الواجهة السياسية، حيث لم يكن هناك مشروع حقيقي لذلك، مع عدم توفر قائمة بيانات واضحة حتى في إحصاء عدد المشتغلين في الوظيفة العمومية”.
وقال “من غير المعقول ألاّ تتم رقمنة الإدارة أو الأرشيف، وظلت الإدارة محافظة على أساليبها التقليدية، لأن الرقمنة تحرج بعض الأطراف في علاقة بتقليص عدد المشتغلين بالإدارة”.
وتابع “آلية الرقمنة تجعل من الشفافية نسقا غير قابل للتحيّل أو الطمس، وهناك رجال أعمال يتبرعون بمبالغ مالية لأحزاب سياسية في كنف السرية”، لافتا “نحتاج إلى قفزة نوعية والرقمنة هي أحد شروط ذلك”.
وكشفت دراسة أنجزتها شركة “إدارتي”، أن 90 في المئة من المواقع الإلكترونية للإدارات التونسية غير مؤمّنة، بينما تحمل عشرة في المئة فقط من الإدارات التونسية شهادات الأمان.
وشملت الدراسة التي تهدف إلى تقييم واقع الرقمنة في تونس، 500 إدارة تابعة لوزارات وبلديات وجامعات، وأبرزت أيضا أن 150 إدارة من أصل 500 لديها نجاعة في النفاذ إلى مواقعها من قبل المواطنين، ما خلق أزمة ثقة بين المواطن والإدارة على غرار عدم توافر ضمانات تأمين المعطيات الشخصية.
وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “الرقمنة واحدة من المشكلات الكبرى التي تعاني منها تونس (الفجوة الرقمية)، لأن طبيعة العمل والهيكلة في الإدارة التونسية تحول دون الرقمنة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “استعمال الرقمنة سيغير طبيعة الإدارة، وستكون حينها مسؤولة مباشرة أمام المواطن، لأنها ستغيّر أسلوب العمل والمراقبة وبالتالي هي ثقافة معادية للتأجيل”.
وأردف المليكي “من يريد الرقمنة وخدمة ذات جودة عالية، عليه أن يكون شخصا ذا كفاءة، ولكن الأمل بقي مجرد شعار سياسي خدمة لمصالح الأحزاب والعناصر المتحكمة في المشهد”.

حاتم المليكي: الرقمنة ستغير طبيعة الإدارة وستكون مسؤولة أمام المواطن
ووضعت الحكومة التونسية برنامجا للتنمية الإدارية يشمل عصرنة الإدارة من أجل تقديم خدمات عمومية من دون تعقيدات وذات جودة عالية للمساهمة الفاعلة في التنمية.
وصدر في أكتوبر 2020، في المجلة الرسمية للجمهورية التونسية، أمر حكومي يتعلق بضبط شروط وصيغ وإجراءات تطبيق أحكام المرسوم المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات بين الهياكل والمتعاملين معها، لضمان السرعة والنجاعة وتخفيف الأعباء على المتعاملين مع الهياكل والمؤسسات العمومية بما يحقق التحول الرقمي للدولة.
ويؤسس هذا النص القانوني إلى إحداث تحول كبير في ثقافة الإدارة وطريقة تعاملها مع المواطن والمؤسسة.
وتضمنت استراتيجية تونس الرقمية “تونس 2025″، محورا خاصا برقمنة الإدارة وتبسيط الإجراءات الإدارية لفائدة المواطن، فضلا عن وضع خطة عمل لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني وحماية المعطيات.
وكان المدير العام لوحدة الإدارة الإلكترونية خالد السلامي أعلن في تصريحات صحافية أنه “تمت رقمنة حوالي 85 في المئة من الإدارة في تونس، إلّا أنه يتعيّن بذل المزيد من الجهود للحصول على إدارة رقمية بالكامل”.
وبشأن الخدمات الإلكترونية المقدمة للمواطن، أوضح أن “تونس توفر 220 خدمة عبر الإنترنت، تغطي الضمان الاجتماعي ودفع الفواتير والتربية والتعليم العالي”، مشيرا إلى أن “المواطنين بغالبيتهم يفضلون التعامل المباشر مع الإدارة”.