صراع المقبلين على الطلاق في مصر يطال المستقبل التعليمي للأبناء

يعمد الكثير من الآباء إلى اعتماد الأطفال كورقة ضغط على الأمهات في الحالات التي تسبق الطلاق، فيغيرون من نوعية تعليمهم وذلك بنقلهم من مدراس خاصة إلى مدارس حكومية، ما يؤثر على مسارهم الدراسي. ويسعى الأزواج بهذا السلوك إلى الانتقام من زوجاتهم، بحيث عندما يرفعن دعوى نفقة تعليم لأولادهن يأتي الحكم القضائي بمبلغ مالي زهيد. ويرى الخبراء أن استغلال الولاية التعليمية لابتزاز الزوجات في حاجة إلى تدخل حاسم من الحكومة.
القاهرة - أصبح لجوء الكثير من الأزواج في مصر لاستغلال الأبناء وسيلة لابتزاز الشريك في أوقات التوترات التي تسبق الطلاق ظاهرة أسرية عصية على الحل، حيث يتفنن كل طرف في ابتزاز الآخر من خلال الأولاد، لكن تظل المعضلة مرتبطة بتأثير ذلك على المستقبل التعليمي للصغار من دون اكتراث للتداعيات السلبية عليهم.
فوجئت شيماء مختار، وهي والدة طفلين كانا ملتحقين بمدرسة خاصة بقيام الأب بتحويلهما إلى مدرسة أخرى حكومية تدرس باللغة العربية، قبل أيام قليلة من الاتفاق على إجراءات الطلاق، ما أثّر على الطفلين لكونهما اعتادا التعلم في بيئة مدرسية متطورة وبلغات أجنبية، ولذلك تغير مسارهما كليا.
ظاهرة استغلال الأبناء تعكس تراجع الطلاق المتحضر الذي يتفق فيه الطرفان على الانفصال دون تأثر أولادهما
وتمسك الأب بنقل ابنيه إلى مدرسة حكومية قريبة من مقر سكنه، في بيئة شعبية، رغم أنه كان في بادئ الأمر يرفض تعليمهما بمدرسة تعاني من الإهمال والعشوائية، لكنه فعل ذلك انتقاما من زوجته، بحيث عندما ترفع دعوى نفقة تعليم لأولادها يأتي الحكم القضائي بمبلغ مالي زهيد.
وقالت الأم لـ”العرب” إنها صُدمت من قرار الأب بتحويل الطفلين إلى مدرسة حكومية، رغم قدرته المادية على دفع المصروفات المدرسية في أخرى خاصة، والمعضلة أنها لا تستطيع التدخل في المستقبل التعليمي لأولادها إلى حين وقوع الطلاق رسميا، وحصولها على حكم قضائي بانتقال الولاية التعليمية إليها.
وغالبا ما تكون أحكام النفقة الزوجية والتعليمية مرتفعة ماليا، طالما أن الأبناء ملتحقون بمدارس خاصة أو دولية، بالتالي يلجأ الكثير من الآباء إلى تحويل أولادهم إلى مدارس عادية بمصروفات منخفضة للغاية حتى تكون النفقة منخفضة ويتم مساومة الأم على بعض حقوقها نظير عودة الأبناء إلى مدارسهم الأصلية.
ويتأثر المستوى التعليمي للأبناء بتغيير مسارهم من دراسة اللغات الأجنبية إلى التعلم باللغة العربية في المدارس الحكومية، حيث يواجهون صعوبة بالغة في التأقلم مع البيئة الجديدة على مستوى المناهج الدراسية والانخراط مع الزملاء، والتعامل مع المدرّسين، ومن ثم يعانون من أزمات نفسية تكون معقدة.
ووفق القرارات المنظمة فإن الولاية التعليمية تظل للأب حتى في حالة وجود نزاع على الحضانة أو الولاية التعليمية، وله في ذلك حق نقل التلميذ من مدرسة إلى أخرى، أو تغيير نوعية التعليم، أو أيّ تصرف يخص مستقبل الطفل دراسيا، في حدود ما تقضي به القوانين واللوائح والتعليمات المنظمة للتعليم.
ولا تنتقل الولاية التعليمية لغير الأب إلا بصدور حكم قضائي يمنح حضانة الصغير لشخص آخر، ولا يسري حق الحاضن في الولاية إلا بعد إتمام إعلان المدرسة انتهاء العلاقة الزوجية وإرفاق ما يفيد ذلك، أي أنه لا يحق للأم التعامل مع أي شيء يخص تعليم أولادها قبل صدور حكم رسمي موجه للمدرسة.
وتظل أزمة الأمهات بشأن الولاية التعليمية للأبناء مرتبطة بإصرار الكثير من الرجال على عدم توثيق الطلاق وترك الزوجة معلّقة، ولا تستطيع الحصول على وثيقة رسمية تتيح لها التعامل مع أولادها وتحسين مسارهم التعليمي، أو عودتهم إلى مدارسهم الأصلية، حال قام الأب بنقلهم بعيدا عنها.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن التلاعب بالمستقبل التعليمي للأبناء بسبب الخلافات الزوجية يجلب لهم انتكاسات فكرية وثقافية وتربوية، لأن الطفل الذي تأقلم مع مستوى تعليمي معين، ثم يهبط فجأة إلى مدرسة أقل يكون من الصعب إنقاذه من الفشل، كما أنه يتعرض لصدمات نفسية في سن خطرة تستدعي ألا يكون حلقة تُستغل للابتزاز بين الأبوين.
وتعرضت أسماء حمدي إلى أزمة معقدة عندما فوجئت بنقل الأب لأولادها إلى مدرسة تبعد عن مقر سكنها بعشرات الكيلومترات قبل أيام قليلة من الاتفاق على موعد الطلاق الرسمي، على اعتبار أنها في المستقبل سوف تكون المسؤولة عن الأبناء، وتؤمّن ذهابهم وعودتهم من المدرسة وإليها وإلا تصبح غير أمينة عليهم.
وتعمل أسماء موظفة بهيئة حكومية تابعة لوزارة الزراعة واضطرت لتقديم طلب إلى جهة عملها بالحصول على إجازة لمدة عام لتتفرغ لتربية أولادها الذين صاروا يتعلمون في مدرسة بعيدة، تحتاج منها التفرغ لهم فقط، بعدما باءت كل محاولاتها لنقلهم بالفشل، لكونها لا تتمتع بالولاية التعليمية.
وقالت لـ”العرب” إن استغلال الولاية التعليمية من جانب الأزواج لابتزاز الزوجات وقهرهن أصبح في حاجة إلى تدخل جذري من الحكومة، فلا يمكن السماح للأب بنقل أولاده إلى مدارس في محافظات حدودية، مثلا، انتقاما من الأم، بدعوى أنه الأب، وبيديه مقاليد الحكم على مصير أبنائه من دون اكتراث لحق الأم في ذلك.
ظاهرة استغلال الأبناء وقت الخلافات الزوجية تعكس تراجع الطلاق المتحضر الذي يتفق فيه الطرفان على الانفصال دون تأثر أولادهما
ولا تضع وزارة التربية والتعليم في مصر شروطا محددة لنقل الأبناء، ولا تبحث عن الأسباب والدوافع، ولا تتعامل مع الأم طالما أن الطلاق لم يقع بشكل رسمي موثّق، وترى أنه حال قيام العلاقة الزوجية تكون الولاية التعليمية للأب، ولا يجوز للمدارس التعامل مع غيره من أقارب الصغير إلا من خلال توكيل بالولاية التعليمية.
وأكدت عنان حجازي استشارية العلاقات الأسرية في القاهرة أن ظاهرة استغلال الأبناء وقت الخلافات الزوجية تعكس تراجع الطلاق المتحضر الذي يتفق فيه الطرفان على الانفصال دون تأثر أولادهما، والمشكلة أن العائلات نفسها أحيانا تغذي هذا الصراع بلا تدخل وبطريقة عقلانية لإبعاد الأبناء عن دائرة الخلافات التي تقع قبل الانفصال الرسمي، على اعتبار أن الصغار يظلون أسهل حلقة يمكن عبرها تركيع الطرف الضعيف، وهي الأم.
وأشارت في تصريحات لـ”العرب” إلى أنه لا بديل عن تقاسم الولاية التعليمية بين الأب والأم، إذا كانت العلاقة الزوجية لا تزال قائمة، لأن فترة التوترات التي تسبق الطلاق فرصة ثمينة للزوج للانتقام من شريكته عبر أولاده، وهناك وقائع لأبناء لا يلتحقون بالتعليم من الأساس لرفض الأب تسجيلهم بالمدرسة، وأخرى مرتبطة بعدم دفع المصروفات حتى يتم نقل الابن من مدرسة خاصة إلى أخرى حكومية عادية.
ويحق لأيّ مدرسة خاصة في مصر نقل الطالب إلى مدرسة رسمية عادية، إذا تأخر الأب عن دفع المصروفات الدراسية لنصف عام دراسي دون العودة إلى الأب أو الأم، وهي ذريعة يستغلها بعض الأزواج بتعمد تأخير المصروفات بلا إبلاغ الأم بذلك لتفاجأ بأن أولادها تم فصلهم من المدرسة الخاصة، وصاروا يتعلمون في بيئة مدرسية هشة، وهي إشكالية معقدة مرتبطة بتكريس سلطة الأب في الولاية التعليمية إلى حين توثيق الطلاق والاعتراف بالأم حاضنة.