صراع الصلاحيات بين صالح وتكالة ينذر بتعليق تشكيل حكومة ليبية موحدة

المجلس الأعلى للدولة يرفض إعلان البرلمان فتح باب الترشح لرئاسة حكومة موحدة معتبرا أنها خطوة منفردة لا يعتد بها.
الاثنين 2024/07/29
تكالة يتهم صالح بتهميش الأعلى للدولة في اتخاد القرارات

طرابلس - أعرب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الأحد، عن رفضه إعلان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح فتح باب الترشح لرئاسة حكومة موحدة للبلد الغني بالنفط، في موقف يكشف عن تعقد الانقسامات المستمرة بين القوى السياسية للوصول إلى سلطة موحدة أو إجراء انتخابات في ظل تمسك كل طرف بموقعه مستندا إلى حجج يرى أنها تمنحه الشرعية.

وفي وقت سابق الأحد، أعلن عقيلة صالح فتح باب الترشح لشغل منصب رئيس حكومة موحدة، اعتبارا من 28 يوليو الجاري وحتى 11 أغسطس المقبل. داعيا "رئاسة وأعضاء المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) إلى تزكية مَن يرون فيه الكفاءة لشغل منصب رئيس الحكومة".

وردا على هذه الخطوة، قال المجلس الأعلى للدولة، عبر بيان، إن "التوافق وعدم الانفراد بالقرار هو ما سعينا لتحقيقه ووضعنا نقاطه الأساسية في اللقاء الثلاثي برعاية جامعة الدول العربية في إطاره العام".

وفي 10 مارس الماضي، اجتمع في القاهرة صالح ورئيسا المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي والمجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، برعاية جامعة الدول العربية، لحل خلافات تحول دون إجراء انتخابات عامة طال انتظارها.

واتفق رؤساء المجالس الثلاثة على مسار يتضمن "تشكيل حكومة موحدة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن وتوحيد المناصب السيادية"، حسب بيان للجامعة العربية آنذاك.

ووفق المجلس الأعلى للدولة الأحد، فإن ذلك المسار "كان من المقرر استكماله بوضع الآليات المتعلقة بكل النقاط المضمنة في البيان".

واستدرك "إلا أن الخطوة المنفردة، التي قام بها مجلس النواب (مقره في الشرق)، باعتماد ميزانية ضخمة بالمخالفة للاتفاق السياسي والتي تكرس الانقسام، حالت دون حدوث اللقاء (لوضع آليات)".

وفي 10 يوليو الجاري، أقر مجلس النواب ميزانية موحدة للبلاد بقيمة 179 مليار دينار (نحو 25 مليار دولار)، وهو ما استنكره تكالة، وأعلن تعليق مشاركته في الحوارات التي ترعاها الجامعة العربية لحل الأزمة الليبية.

وشدد المجلس الأعلى للدولة، في بيانه، على "تمسكه بالإطار العام للحل السياسي المُضمن في البيان الثلاثي بالقاهرة، والذي لم يتم الاتفاق فيه على آليات تنفيذ بنوده، بما في ذلك آلية تشكيل الحكومة".

ودعا مجلس النواب إلى "عدم الاستمرار في اتخاذ خطوات منفردة من شأنها تكرار الفشل وتكريس حالة الانقسام".

وإلى حين التوافق على الآليات، أكد المجلس أنه "لن يعتد بأي إجراء من طرف واحد"، في إشارة إلى إعلان مجلس النواب فتح باب الترشح لتولي رئاسة حكومة موحدة.

ومن جانبه، أكد مستشار رئيس المجلس الرئاسي للشؤون التشريعية والانتخابات زياد دغيم، أن تعيين رئيس الحكومة هو اختصاص دستوري لرئيس الدولة (المجلس الرئاسي يحمل هذه الصفة) منذ التعديل السابع سنة 2014.

وقال دغيم في تصريح لموقع "بوابة الوسط" إن "للمجلس الرئاسي مجتمعًا اختيار رئيس الحكومة الليبية"، مشيرًا إلى أن "المادة 178 من القانون رقم 4 لسنة 2014 المنظم لعمل مجلس النواب نفسه صريحة في نصها بالخصوص»، وهذا أيضًا عرف من الأعراف الراسخة. 

ويُرجع مراقبون استمرار التوتر السياسي إلى الاختلاف في تأويل مضامين اتفاق الصخيرات الذي يعطي اختصاص إقرار القوانين وميزانية الدولة لمجلس النواب، فيما يبقى رأي المجلس الأعلى للدولة مجرد "رأي استشاري" لا يعتد به وهو يعارضه مجلس الدولة.

وجرى التوقيع في 11 يوليو من العام 2015 بمدينة الصخيرات المغربية في ظروف سياسية وأمنية خاصة شهدتها البلاد، وتوصلت الأطراف المعنية إلى ثلاث نقاط أساسية، وانتهى الاتفاق بتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لم يعد لها وجود وانتهت باتفاق جنيف الذي جاء لاحقا بحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي.

ويؤكد رئيس الهيئة التأسيسية لحزب "التجمع الوطني" أسعد زهيو وجود إشكالية في فهم القوانين والنصوص في ليبيا، معتقدا أن اتفاق الصخيرات السياسي "عفا عليه الزمن منذ وقت بعيد، إذ لم يتحقق منه شيء إلا تقاسم السلطة بين الأطراف، وهذا الأمر لم يصمد طويلا ما تطلب الحاجة إلى اتفاق جديد توصلوا إليه قبل أربع سنوات".

وأكد زهيو في تصريح لتلفزيون "الوسط" الحاجة إلى إعادة النظر في هذا الاتفاق وترسيم آخر، "فحتى الأطراف التي بني عليها المشهد لم تعد موجودة في المشهد الليبي، وعوضت بأطراف جديدة".

وأضاف أن مجلس الدولة يعتبر نفسه شريكا في إنتاج القوانين الكبرى وتعيين حكومة على اعتبار أنه مجلس تشريعي يخوّل له اتفاق 2015 بأن يكون له رأي في إعطاء الثقة للحكومة وسحب الثقة منها، وهو أمر يرفضه عقيلة صالح.

واستبعد زهيو حدوث اتفاق بين المجلسين قائلا "فقد أثبتت الظروف في عدة محطات أنهما لم يتفقا على قضايا بسيطة جدا فكيف لهما الاتفاق الآن في ظل الخلافات المتفجرة؟"

وتسيطر الخلافات أيضا على عمل لجنة "6+6" المشكلة من مجلسي النواب والدولة التي أصدرت العام الماضي القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المرتقبة، إلا أن بنودا فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف.

ففي أكتوبر الماضي، أصدر مجلس النواب قوانين تتعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بينما أعلن المجلس الأعلى للدولة التمسك بمخرجات لجنة "6+6" الموقعة في مدينة بوزنيقة المغربية.

وتتمثل النقاط الخلافية في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث يصر مجلس الدولة وبعض الأحزاب على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد، في حين يؤكد مجلس النواب على عكس ذلك.

وما يعكس حالة الترهل التي وصلت إليه الهيئتان الانقسام الداخلي بين أعضائهما، ما برز في آخر اجتماع بالقاهرة حين تبرأ ممثلو مجلس الدولة من زملائهم الذين شاركوا فيه، وهم جميعا من كتلة "الوفاق الوطني" المعروفة بتقاربها مع مجلس النواب.

وحسب أستاذ القانون والباحث السياسي رمضان التويغر فإن الانسداد الحاصل في الساحة الليبية مرده إلى "اتفاق الصخيرات الذي بات يكرس حالة الانقسام السياسي والتشظي وبالتالي لابد من العمل على إزاحته نهائيا".

ويرى التويغر، أن الجمود سيستمر في ظل الأوضاع الراهنة، مستبعدا أن تأتي الطاولة الثنائية أو الثلاثية بين الرئاسات الثلاث (النواب والدولة والرئاسي) بجديد لأن "القضية متشابكة دوليا ومحليا والأطراف المتدخلة لديها رؤية بشأن تجميد الوضع والإبقاء عليه كما هو عليه، لحين الإفراغ من مسائل أخرى".

وتوجد حاليا حكومتان في ليبيا، إحداهما معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة ومقرها العاصمة طرابلس وتدير منها غرب البلاد بالكامل.

أما الثانية فهي حكومة أسامة حماد، وكلفها مجلس النواب قبل ثلاثة أعوام، ومقرها بمدينة بنغازي، وتدير شرق البلاد بالكامل ومدن في الجنوب.

وهذا الوضع خلق أزمة سياسية، يأمل الليبيون حلها عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية تحول دون إجرائها خلافات بشأن قوانينها والجهة التنفيذية التي ستشرف عليها.