التونسيون يصوتون في انتخابات الرئاسة وسط مخاوف من عزوف شعبي

تونس - يواصل التونسيون الأحد الاقتراع من أجل انتخاب رئيس جديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد الذي يعد الأوفر حظا للفوز بعهدة ثانية في ظل حيازته شعبية مهمة وعدم وجود منافسين جديين، وسط مخاوف من عزوف شعبي، بسبب غياب عنصر الحماسة والتشويق في الحملات الانتخابية.
وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9.7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الساعة الثامنة صباحا (7:00 ت غ ) في أكثر من 5 الاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقا لهيئة الانتخابات.
وبدا أن عددا كبيرا من المقترعين في عدد من مراكز الاقتراع في العاصمة من الكهول والشيوخ الذين يمثلون نحو نصف الناخبين.
وقال النوري المصمودي (69 عاما) في مركز اقتراع في العاصمة "جئت مع زوجتي لدعم قيس سعيّد، العائلة بأكملها ستصوت له".
على مسافة قريبة منه، أفصحت فضيلة (66 عاما) أنها جاءت "من أجل القيام بالواجب وردا على كل من دعا إلى مقاطعة الانتخابات".
وفي مركز آخر، أعرب حسني العبيدي (40 عاما) عن خشيته من حصول عمليات تلاعب بالتصويت لذلك "قدمت للتصويت حتى لا يتم الاختيار في مكاني".
وأدلى سعيّد بصوته ترافقه زوجته في مركز اقتراع بمنطقة النصر في العاصمة بعد نحو ساعة من فتحه.
وأفادت رئيسة المركز عائشة الزيدي بأن "الإقبال محترم للغاية".
وتحدث رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي بعد فتح المراكز عن "توافد بأعداد ملفتة".
من المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.
ويتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ من العمر 47 عاما والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.
ولا يزال سعيّد الذي انتُخب بما يقرب من 73 بالمئة من الأصوات (و58 بالمئة من نسبة المشاركة) في العام 2019، يتمتّع بشعبية كبيرة لدى التونسيين بسبب الحرب على الفساد والاحتكار الذي يعرقل مسار الإصلاح، حيث تعهد نهاية الشهر الماضي بـ"محاسبة المفسدين" و"محاربة كل مظاهر الظلم".
ورغم عدم تحقيقه الكثير من الإنجازات، إلا أنه يُحسب لسعيد نجاحه عبر إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، من إزاحة منظومة الحكم السابقة التي تمكنت من السلطة، حيث أقال الحكومة وحلّ البرلمان، قبل اقرار دستور جديد في العام 2022 لإقامة نظام رئاسي.
وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حركة النهضة الإسلامية المحافظة التي هيمنت على الحياة السياسية خلال السنوات العشر التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011، والتي باتت توصف بـ"العشرية السوداء" بسبب تورط الحركة في الكثير من التجاوزات مما أفقدها الكثير من شعبيتها وجعل بعض القوى والشخصيات تنأى بنفسها عن الحركة، كما تخلى عنها من كانوا يتقربون إليها من أجل مصالحهم، وفقدت تحالفاتها التقليدية.
وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سمّي "بالربيع العربي"، من خلال تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.
لكن سعيد شدد على رفضه قطعيا بأن "يُرمى بأحد في السجن من أجل فكره المضمون في الدستور أكثر من الدول الأخرى"، لكنه أكد أن" هناك حملات من جهات متعددة دأبت على الارتماء في أحضان الدوائر الاستعمارية تريد أن تشوه هذا المسار وهذه الحركة من أجل تحرير الوطن من الأدران التي علقت به على مر عقود وعقود".
ومرت الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة باردة لا يكاد يشعر بها التونسيون عدا ظهور قليل في الإعلام العمومي والخاص وجدل محدود على مواقع التواصل، وهو ما يثير مخاوف من سيناريو العزوف الشعبي عن الحدث.
واقتصرت الحملة الانتخابية على بعض الزيارات الميدانية للمرشح زهير المغزاوي بحضور أعداد قليلة من الناس، وعلى عدد من أنشطة الداعمين للرئيس قيس سعيّد، مع بعض الأنشطة على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي للمترشح القابع في السجن العياشي زمال.
ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري "أن نسبة المقاطعة ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، والتي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11.7 بالمئة فقط.
ويشير إلى أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لقيس سعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانجراف الاستبدادي للنظام".
وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".
وفي الطرف المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".
ويعتقد العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حركة النهضة إلى التصويت لصالح زمال.
أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في تولي السلطات.
وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.
وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بما يصفونه "القمع المتزايد" تحت حماية الأمن دون أن يتعرض أي منهم إلى أي شكل من أشكال العنف أو القمع.
وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، رافعين لافتات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"يا سعيد يا دكتاتور حان دورك" وسط حضور أمني كثيف.
ويقول محمد، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل وبالغ من العمر 22 عاما، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "لا فائدة من الانتخابات" في ظل تواصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وبالخصوص غلاء المعيشة.