صراع السلطة بين قهر الأزواج وتمرد الزوجات

الجمعة 2014/12/12
غياب الاحترام المتبادل في الحياة الزوجية يعني حياة معطلة غير إيجابية

القاهرة- الحياة اليومية لا تخلو من المشاكل الاجتماعية، تحديدا في مجال الحياة الزوجية، حيث تبدو العلاقة بين الزوجين أشبه بالصراع على السلطة، فالرجل يريد أن يحكم بمفرده، والزوجة تريد أن تكون لها الكلمة العليا، فإذا فرض الزوج القهر والتسلط، حاولت الزوجة أن تتمرد، فلماذا وما سبب ذلك؟

قالت إحدى الزوجات “إنها على علاقة برجل تعيش معه، علاقة تحميها وثيقة زواج رسمية من الانهيار”.. عبارة مُثيرة أطلقتها زوجة مقهورة لتُعبّر عن حالها في زواج غير متكافئ، زواج تحوّلت فيه إلى مُجرد “عبدة مقهورة”، وليس لها كلمة في البيت، فماذا تفعل؟

وتسرد الزوجة فصلا من حياتها: إنها تُعاني من المشاكل، فالزوج لا يستمع إلى كلامها ولا يحاورها في شيء، فليس لها رأي أو كلمة أو حتى وجود. وتضيف: أنا زوجة منبوذة ومقهورة وضائعة، فأين أذهب وماذا أفعل، ليس هناك تفاهم بيننا، أنقذوني من هذا العذاب؟.

وقالت السيدة(زينب .م): “بدأت معه الطريق منذ عشرين عاما بداية بسيطة للغاية، بالرغم من أني نشأت في حي من الأحياء الراقية، وأتممت تعليمي الجامعي، وقد رضيت أن أبدأ معه مشوار الحياة في إحدى الدول الخليجية، وحُرمت من كل أنواع الحياة الرغدة في سبيل تحقيق آماله التي تخيلت أنها أيضاً آمالي.

لكن بعد مرور هذه السنوات، وبعد أن أصبح رجل أعمال وصاحب مكتب، ويملك عمارة في القاهرة في حي متميز، وشقة في الإسكندرية ورصيدا كبيرا في البنك لا أعلم حجمه بالضبط، وسيارة أحدث موديل، مع كل ذلك رفض أن ننعم بحياة رغدة، وأن أنعم بشراء ملابس جديدة لي وللأولاد بعد كل هذه السنوات من القحط، وكان يعطيني قليلا من المال مصروفا البيت، في حين أنه لا يحرم نفسه من أي شيء، وشيئا فشيئا أحسست أن كل ما تحملته في الغربة أو بعد عودتي للوطن، ليس له مقابل، بل أصبح يهينني ويتطاول عليّ إذا عبّرت عن استنكاري، وأصبحت المودة والرحمة مرهونة بكم تنازلاتي، فإذا لم أظهر بصورة المرأة العاشقة أُحرم حتى من ذاك القليل”.

عدم التربية الإيمانية والجمالية، وعدم تربية القيم في الرجال والنساء على السواء، ينتج القهر بشكل طبيعي

أما م. س، التي تعمل محامية، فقالت: “رفض زوجي عملي، بل وضعني في مُقارنة بين العمل وبين بيتي وأولادي، واعتبرت أن المقارنة في غير محلها، فشتان بين الإثنين.

لم أستسلم لهذا المنطق، بل بحثت عن عمل مناسب وقدّمت أوراقي، وبعدها أعلنت قراري، وتمسكت بالعمل الشريف، ورفضت الرضوخ لزوجي الذي مازال يفكر بتلك الطريقة وبهذا المنطق، خاصة أن أولادي كبار، وأعيش حياة رغدة توفّر لي الكثير من الوقت، الذي أريد الاستفادة منه بطريقة سليمة، ووضعته هو في مقارنة بين قراري وقراره.

وعندما وجدني جادة في أموري وليس هناك مجال للتراجع بأي شكل من الأشكال، وافق على قراري وأعطاني مبلغا من المال كهدية لأشتري به ملابس جديدة للعمل”.

وعن أسباب القهر الأسري بين الرجل والمرأة، تقول الكاتبة سكينة فؤاد: “طالما ليس هناك فهم حقيقي لعظمة الدين وللمنزلة التي أنزل فيها المرأة، وطالما نتعامل مع القشور وليس الجوهر، وطالما هناك هذا التسطيح للثقافة والبُعد عن جوهر القيم، فلابد أن يكـون هناك قهر، لأن مَنْ يعرف الدين حق المعرفة يصبح سيدا، والسيد لا يحتاج أن يقهر الآخر، إنه يسعى إلى رعاية من أؤتمن عليه، ولا يخشى عقل المرأة ونجاحها وقيمتها”.

وتضيف: “وكذلك عدم التربية الإيمانية والجمالية، وعدم تربية القيم لدى الرجال والنساء على السواء، ينتج القهر بشكل طبيعي، وأحيانا تصبح المرأة صانعة له بضعف وضعها الإنساني والاقتصادي وجهلها بحقوقها.

وهناك القهر المجتمعي الذي يعرف ما في القرآن وما في الحديث والدستور والقوانين ويعجز عن التطبيق، وليس المرأة وحدها من تقع تحت هذا المنحنى، ولكن أيضا الرجل والأسرة والمجتمع ككل، لأن الحصيلة في النهاية ستكون تعاسة وأبناء ممزقون، وجريمة كامنة قد تنفجر في أي لحظة”. بينما يرى فكري عبدالعزيز أستاذ الصحة النفسية، أن عدم المشاركة الإنسانية والوجدانية وعدم الاحترام المتبادل، وإنكار الذات في الحياة الزوجية، يصاحبه تباعد روحي وجسدي، وبالتالي كره وإهمال، ويعني حياة مُعطلة غير إيجابية، وعلى الرغم من أن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، إلا أن الإصرار على مواصلة الحياة بهذه الطريقة السلبية، يُصيب الطرفين بالاكتئاب وبآلام نفسية واضطراب.

ويؤثر هذا الموقف أيضا بصورة أو أخرى على المرأة والأولاد، فقد تبحث الزوجة عن الأمان في مكان آخر، كما يجعل الأولاد يخشون الارتباط مُستـقبلا.

ويوضح سيد أبو عبله المحامي أن الطلاق كأس بالغة المرارة، ولعل أحد الزوجين أو كليهما يحاول الخروج من هذا الموقف، والوصول إلى حلول مع الطرف الآخر، ولا بأس من استعمال شخص ثالث على درجة من النضج والأمانة، لتوضيح الأمور وتقريب وجهات النظر، ويكشف عيوب كل طرف لنفسه. ويقول: “إن الإسلام يجعل الرجل يراعي الله في زوجته ويصون لها كرامتها وعزتها، لدرجة أن الإمام مالك أباح لها التطليق للضرر، إذا ما أشاح زوجها بوجهه عنها، وإذا لم تنجح كل هذه الأمور، فإن العلاج يكون هو الطلاق”.

طالما ليس هناك فهم حقيقي لعظمة الدين وللمنزلة التي أنزل فيها المرأة فلابد أن يكون هناك قهر

وفي السياق ذاته كشفت دراسة برازيلية أن التمويه في الأحاديث المتعلقة بالمشاكل الزوجية لايمكن أن يحل الصراعات الجدية، التي يعيشها الزوجان عبر السنين، ونصح القائمون على الدراسة باعتماد أسلوب الأحاديث الجريئة بينهما المتعلقة بالقضايا الملحة، والنتائج التي من الممكن أن تظهر في حال استمرار هذا الصراع أو ذاك، ومناقشة المسؤوليات والخطط المستقبلية، والجهود المبذولة لتحسين مستقبل الزواج، كما شددت الدراسة على ضرورة المصارحة بالحقيقة مهما كانت مؤلمة.

وأكدت على أن معظم الناس لا يشعرون بالأمان الكافي عندما يتحدثون بعمق عما يدور في أذهانهم حول الأخطاء الكبيرة للآخرين، فما بالك بهذا الشعور عندما يتعلق الأمر بالزواج، ونبهت إلى أن معظم الأزواج لا يعبرون عما يدور في أنفسهم من تساؤلات كبيرة، تحتاج إلى أحاديث جريئة لتبيان الحقائق حول مواقف يمكن أن تؤدي إلى صراعات كبيرة.

وأشارت الدراسة، إلى أن الأحاديث الجريئة ترعب المرأة خاصة؛ لأنها تعتقد بأنها إن تفوهت بكلمات أو عبارات جادة حول خلاف من الخلافات فإن الزوج قد ينزعج ويغضب، وربما يقرر الطلاق.

وكشفت أن هذا التفكير في مجمله خاطئ لأن الحديث الجريء له مفعول آخر إيجابي، يجعل المستمع ينتبه، ويفكر ويحلل، ومن ثم يتأكد من أن ما قاله الشريك في ذلك الحديث هو صحيح، وأن عليه أن يفكر بالنقاط التي طرحت بشكل جريء.

كما أوضحت أن الأحاديث الجريئة بين الزوج والزوجة تساهم في تقوية الثقة المتبادلة بينهما، وتساعد أيضاً على الحصول على معرفة جديدة، ومن ثم العمل على اتخاذ الخطوة التالية في الحياة بعد تفهم أمورا جديدة.

وأكدت الدراسة على أن الأحاديث الجريئة تأتي بشكل عفوي دون دعوة أو تخطيط، فعندما يجد طرف أن المشاكل قد بدأت تخرج عن نطاق السيطرة فإن العفوية القوية تبدأ بأخذ مفعولها من حيث اتخاذ قرار قوي يضع النقاط على الحروف.

21