صراع الأجداد والآباء حول تربية الأحفاد مضر بالعلاقات الأسرية

يلعب الأجداد دورا مهما في حياة الكثير من الأحفاد، إلا أنه يمكن أن تكون لديهم أفكار مختلفة حول أفضل طريقة لتربية الطفل، مما قد يتسبب في توتر العلاقات داخل الأسرة الموسّعة في ظل تنامي دورهم في العناية بأحفادهم بسبب كورونا وعزوف الأسر عن وضع أبنائها في الحضانات خوفا عليهم.
لندن – يعتبر منزل الأجداد الملاذ الآمن للأبناء بالنسبة إلى الآباء والأمهات العاملين في جميع الأوقات، وفي ظل تواصل تفشي فايروس كورونا تنامت حاجة الأسر إلى هذا المكان البديل للحضانات، التي تواجه عزوفا كبيرا من قبل الأسر بسبب خوفها على سلامة أبنائها. ويمكن أن يؤدي تدخل الأجداد في تربية الأحفاد إلى خلافات قد تؤثر على العلاقات الأسرية سلبا وقد تحرم الأجداد من رؤية الأحفاد.
وتعتبر الكثير من الأسر العربية أن مساهمة الجد والجدة في إسداء نصائح تربويّة للأبناء أمر إيجابي، منبهة إلى أن تخلي الوالدين عن دورهما في تربية أولادهما لصالح آبائهما أمر غير مقبول بتاتا.
وأكد مختصون في تونس أن قطاع مؤسسات الطفولة المبكرة يشهد عزوفا عن تسجيل الأطفال في رياض ومحاضن الأطفال نتيجة تخوف أوليائهم من مخاطر انتشار عدوى فايروس كورونا المستجد.
وأشاروا إلى أن نسب تسجيل الأطفال في محاضن ورياض الأطفال الموزعة على مختلف جهات البلاد تتفاوت من جهة إلى أخرى؛ فالبعض منها أتمّ طاقة استيعابه فيما سجلت مؤسسات أخرى إقبالا ضعيفا.
وأفادوا بأنه منذ انطلاق مؤسسات الطفولة في العمل عمد بعض الأولياء إلى إيداع أبنائهم لدى الأقارب، وخاصة الأجداد أو الجيران، بدل تسجيلهم في مؤسسة لرعاية الطفولة بسبب خوفهم من انتشار عدوى وباء كوفيد – 19 الذي زادت وتيرة انتشاره منذ أغسطس المنقضي.
وأشار الخبراء إلى أنه أثناء جائحة كورونا، قد تتفاقم النزاعات بسبب التوتر والإجهاد، خاصةً إذا كان الشخص يعيش في منزل متعدد الأجيال.
وكشفت دراسة حديثة أن نصف الآباء يدخلون في صراعات يومية مع أجداد أبنائهم بسبب اختلافاتهم حول أساليب التربية، مشيرة إلى أنه يمكن أن تؤدي الخلافات بين الوالدين والأجداد إلى توتر العلاقات. وتوصلت الدراسة إلى أنه بالنسبة إلى بعض العائلات، ما يحدث عند الجدة يبقى مع الجدة، لكن بالنسبة إلى الآخرين فإن الخلافات حول خيارات الأبوة وتطبيق قواعدها يمكن أن تسبب صراعات كبيرة بين والدي الطفل والأجداد.
وكشفت أن ما يقرب من نصف الآباء يدخلون في خلافات مع واحد أو أكثر من الأجداد حول دورهم الأبوي، ويذهب واحد من كل سبعة إلى الحد من الوقت الذي يرى فيه أطفاله جدهم أو جدتهم بسبب هذه الخلافات، وفقا لمسح حديث أجراه المستشفى الوطني لصحة الأطفال في جامعة ميشيغان.
وتوصل الباحثون إلى أنه غالبا ما تتعلق النزاعات بالانضباط والوجبات التي يتناولها الأطفال والوقت الذي يقضونه أمام التلفزيون والشاشات عموما، هذا بالإضافة إلى وجود موضوعات شائكة أخرى مثل الآداب والسلامة والصحة ووقت النوم ومعاملة أحفاد معينين بشكل مختلف عن الآخرين ومشاركة الصور أو المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت سارة كلارك، مديرة مشاركة في الاستطلاع وباحثة في قسم طب الأطفال في جامعة ميشيغان الأميركية، “يلعب الأجداد دورا خاصًا في حياة العديد من الأطفال ويمكن أن يكونوا سندا مهما للآباء من خلال الدعم والتوجيه ورعاية الأطفال. لكن يمكن أن تكون لديهم أفكار مختلفة حول أفضل السبل لتربية الطفل، وهذا يمكن أن يسبب التوتر بين العائلات”.
وأضافت “إذا كان الأجداد يتعارضون مع اختيارات الآباء أو يتدخلون فيها، فيمكن أن يشكل ذلك ضغطًا خطيرًا على العلاقة”.
وشملت الدراسة أكثر من ألفي أب وأم للأطفال الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا أو أقل، وناقشت كلارك كذلك نتائج الاستطلاع والاقتراحات التي قُدّمت للعائلات.
ومن بين الآباء الذين أبلغوا عن خلافات حادة أو بسيطة، قال 40 في المئة إن الأجداد يناسبون النمط الكلاسيكي المتمثل في كونهم لطفاء للغاية مع الطفل. لكن 14 في المئة منهم يرون أن الأجداد صارمون للغاية. وقال حوالي نصف الآباء إن الاختلافات تنبع من تباين أساليب التربية، وأشارت كلارك إلى أنه قد يشعر الآباء بأن سلطتهم الأبوية قد تم تقويضها عندما يكون الأجداد متساهلين للغاية في السماح للأطفال بفعل أشياء تتعارض مع قواعد الأسرة، أو عندما يكون الأجداد صارمين للغاية في منع الأطفال من القيام بأشياء تتعارض مع هذه القواعد الأسرية بدعوى أنه على الأطفال القيام بأشياء وافق عليها الآباء.
وأكد الخبراء أن العديد من الأعراف الاجتماعية المتعلقة بالأبوة والأمومة تغيرت على مر السنين، وقد لا يكون الأجداد على دراية بالمعايير الحالية لكيفية تحدث الأطفال أو لباسهم. بالإضافة إلى ذلك يتخذ الآباء الآن قرارات لم يواجهها الأجداد، مثل متى وأين يستخدم الأطفال الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الأخرى؟
وتقول كلارك إن الآباء قد يرغبون في أن يشرحوا للأطفال لماذا لا يتبع الأجداد دائمًا قواعد الأسرة، مشيرة إلى أنه عندما يكون الأجداد متسامحين للغاية يمكن أن يكون الأمر سهلا كأن يقال للابن مثلا “لا يراك الجد والجدة كثيرًا، لذلك يحبان تجميع كل الأشياء الممتعة في زيارة واحدة قصيرة”.
ويمكن أن يكون الأمر أكثر تعقيدًا عندما يعتمد الأجداد أسلوبا صعبا تجاه الأحفاد. ويجب على الآباء أولاً إيجاد طريقة للتحدث إلى الأجداد بهدوء ولكن بحزم، حتى يشعر الطفل بالدعم. وفي وقت لاحق قد يقدم الوالدان شرحا أطول للطفل، على سبيل المثال يقولان له “عندما كنا في عمرك، هذا ما فعله الجدان حين أسأنا التصرف”.
وفي بعض الأحيان تنسى الجدة والجد أن الأمور قد تغيرت، وأكد الخبراء أنه عندما يتعلق الأمر بسلامة وصحة الأبناء فقد يحتاج الآباء إلى اتخاذ موقف صارم. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى المزيد من الأبحاث الحديثة حول صحة الأطفال، مثل الاستلقاء على الظهر عند النوم، وارتداء الخوذات عند ركوب الدراجات الهوائية والنارية، واستخدام مقاعد السيارة المناسبة للعمر والحجم.
وتقول كلارك “قد يجد الأجداد صعوبة في فهم سبب تغير المشورة الأبوية والطبية كثيرًا مقارنة بطريقة تربية أطفالهم”. وتوصي بأن يفكر الآباء في دعوة الأجداد إلى زيارة طبيب أطفال أو مشاركة مجلة الأبوة والأمومة أو مقالات الموقع الإلكتروني لمساعدة الأجداد على الشعور بالمزيد من التحديث والمشاركة، مشيرة إلى أنه يمكن أن تبدو النصائح غير المرغوب فيها أيضًا كأنها تجاوز للحد عندما تحدث كثيرًا أو بشكل حاسم.
ويمكن للآباء الرد من خلال إخبار الأجداد بأنهم يقدرون خبراتهم، لكن من الضروري إيجاد أرضية مشتركة بين الآباء والأجداد. وتلاحظ كلارك أنه في حين أن الاتساق مفيد بشكل عام في مجال الأبوة والأمومة، فمن الجيد عمل استثناءات لمواقف خاصة أو أشخاص مميزين.
وفي بعض الأحيان، قد تصبح مشكلة انتهاك الأجداد لقواعد الأسرة أكبر من أن يتجاهلها الآباء. لكن استجابة الأجداد للمطالبة بالامتثال لخيارات الوالدين والقواعد المنزلية يمكن أن تختلف من عائلة إلى أخرى، وعندما نشأت خلافات حول الأبوة والأمومة طالب 43 في المئة من الآباءِ الأجدادَ بتغيير سلوكهم. وقال نصف هؤلاء الآباء إن الأجداد امتثلوا، وأفاد 36 في المئة من أولياء الأمور بأن أحد الأجداد وافق على التغيير لكنه لم يتخذ أي إجراء بشأنه، بينما قال 17 في المئة من الآباء إن الأجداد رفضوا طلبهم تمامًا. وتقول كلارك “مسألة ما إذا كان الأجداد قد تعاونوا مع الطلب أم لا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنظرة الوالدين للخلافات على أنها حادة أو بسيطة، وكلما زاد الصراع قلّ تحرك الأجداد”.
ووجد المسح أنه عندما رفض الأجداد بعض الطلبات، كان الآباء أكثر عرضة لاتخاذ قرار الحد من الوقت الذي يقضيه أطفالهم مع الأجداد.
وأوضحت كلارك “لا يتفق الآباء والأجداد دائمًا على أدوار الأبوة والأمومة، ولكن إذا لم يتم حل الخلافات فلن يفوز أحد”، منبهة إلى أن “الآباء الذين لديهم خلافات كبيرة مع الأجداد من المرجح أيضا أن يعتقدوا أن الصراع أثر سلبا على العلاقة بين الطفل والجد”.
وشددت نتائج الدراسة على ضرورة سعى الأجداد جاهدين لفهم مطالب الوالدين والامتثال لها ليكونوا أكثر اتساقا مع خياراتهما، ليس فقط لدعمهما في المهمة الصعبة المتمثلة في تربية الأطفال، ولكن من أجل تجنب تصعيد النزاع إلى الحد الذي يجعلهم يخاطرون بفقدان إضاعة الوقت مع الأحفاد.