صالة "زاوية" اللبنانية تشارك في أرت دبي بأعمال تحمل هواجس المجتمع والهوية

لوحات منشغلة بالمفاهيم والأفكار الكبرى التي تؤثر في المجتمع العربي.
الجمعة 2023/03/10
لوحات تنقل حكايات بيروت إلى العالم الخارجي

تلتزم صالة «زاوية» اللبنانية ببعض الأعمال التشكيلية ذات البعد الفني والجمالي المميز، لكنها تهتم أكثر بالأعمال الملتزمة بالتعبير عن القضايا المهمة والمسائل الشائكة وهموم المجتمعات. لذلك تراهن الصالة على مجموعة من الأسماء والفنانين ممن تعتبر أنها تبنتهم فنيا وهي في هذا المعرض تعرض أعمالهم أمام جمهور الفن التشكيلي في دبي.

اختارت صالة “زاوية”، من بين عدد كبير من الفنانين الموهوبين الذين واضبت على العرض لهم، 5 فنانين شباب لتشارك بأعمالهم في حدث فني ضخم هو “أرت دبي 2023” في الجُميرة. يحمل هؤلاء الفنانون في أعمالهم هواجس متقاربة تتعلق بالمجتمع الاستهلاكي ومفهوم الوطن والهوية.

هناك تعبير يظهر في معظم نهايات المقالات المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية وهو “الآراء الواردة في مقالات هذه الصفحة تعبّر عن وجهة نظر أصحابها”، وهو تعبير يشكل نوعا من التنصل من المسؤولية لصالح الجريدة أو الموقع في عالم تشتد فيه النزاعات وتتضارب فيه القوى في التعريف بكلمات محددة تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إرساء منطق عام في التفكير.

من تلك الكلمات على سبيل المثال “مقاومة” و”إرهاب”. غالبا ما يرافق هذا التعبير المقالات السياسية والاقتصادية على اعتبار أنها في قلب المواجهة ما بين مختلف الفرقاء. وتبهت أهمية التعبير هذا حين استخدامه عندما يكون مرافقا لمقالات عن معارض فنية على اعتبار أنها تتضمن “مجرد آراء”.

في هذا السياق ربما يغفل الكثيرون، لاسيما ممن يديرون الصفحات المتخصصة بالسياسة والاقتصاد، عن أن للفن أيضا دورا أساسيا في تكريس المفاهيم وإرساء قواعد التعامل بين جميع الفرقاء وتمكين المساواة بين جميع حقوق البشر في العيش بالحد الأدنى من الكرامة. فالفن اليوم هو أكثر من السابق يمكن وصفه بـ”القوة اللطيفة” (الناعمة) التي تسير مسارها في شرايين المجتمعات كالترياق في قلب السم الشامل.

الفنانون الخمسة اختيروا لما تقدمه أعمالهم من مناصرة للعدالة ولكشف الحقائق عن إنسانية هي قيد الزوال
الفنانون الخمسة اختيروا لما تقدمه أعمالهم من مناصرة للعدالة ولكشف الحقائق عن إنسانية هي قيد الزوال

ثمة حقيقة من نوع آخر لا لبس فيها وهي أن هناك منصات ثقافية وصالات فنية مرموقة كصالة “زاوية” أخذت على عاتقها من خلال اختيارها للفنانين أن تكون، وعلى الدوام، صاحبة مشروع يدعم من خلال الفن الذي يقدم حقائق مهددة -حتى في أدق تفاصيلها- بالذوبان أمام الوحشية السياسية العالمية التي أهم ما يقال عنها إنها غير مناصرة للإنسانية بالمعنى الأخلاقي للكلمة.

كل متابع للمعارض التي تقيمها صالة “زاوية” يدرك أنها لم تختر دعم فنانين معينين فقط لأجل براعة وجمالية نصوصهم البصرية، ولكن أيضا لفحوى ما تقدم أعمالهم من مناصرة للعدالة ولكشف الحقائق عن إنسانية هي قيد الزوال.

صالة "زاوية" اللبنانية أخذت على عاتقها أن تكون دوما صاحبة مشروع يدعم من خلال الفن حقائق مهددة بالاندثار

من ضمن هذا السياق ولمناسبة الحدث الفني المرموق في دبي قدمت صالة “زاوية” 5 فنانين شباب تميزوا بالموهبة الفنية وبالاشتغال على الأفكار والمفاهيم المهمة والمتنوعة لاسيما تلك التي يتأثر بها بشكل مباشر مجتمعنا العربي.

هؤلاء الفنانون هم: الفنانة ربى سلامة والفنان يزن أبوسلامة والفنان ضياء مراد والفنان ساهر نصار. وإلى جانب هؤلاء تقدم الصالة الفنان الإيطالي غيامبيارو رومانو وهو صاحب نص بصري جذاب ونظرة انتقادية للمجتمع المعاصر.

يذكر البيان الصحفي للصالة أن أعمال الفنان الإيطالي تتمحور حول “المرايا بوصفها أشياء. وأن خلفية الفنان العلمية في فن الترميم لها تأثير كبير في مجمل إبداعه الفني”.

وتذكر الصالة في بيانها الصحفي أن “الفنانين المشاركين في المعرض يوغلون في السياسة والحضّ على التفكير في الشؤون العامة، كل منهم بأسلوبه الفني الخاص. مشاركتهم في محيطهم تتعدى حدود الجغرافيا الضيّقة وتسلّط الضوء على قضايا كالذاكرة ومفهوم المعاصرة في ارتباطها الوثيق بالشأن العام”.

الفنانة ربى سلامة المقيمة في برلين هي حسب ما يذكر البيان “فنانة تستخدم أساليب فنية مختلفة منها الكولاج والميكست ميديا. وتستوحي أعمالها من أحلام وتطلعات النساء اللواتي يعشن في مدينة برلين”.

وبالفعل، يبرز في أسلوب الفنانة استخدام تقنية الكولاج المتقطع غير المهتم بدمج الحدود بين البصريات بغية تأليف تناغم بصري مريح. فالفنانة تشير في أعمالها إلى موضوع الهجرة ومفهوم اقتطاع الإنسان من محيطه المباشر وما يترتب على ذلك من تصدعات ثقافية ونفسية على حد السواء. وتستخدم الفنانة صورا سياحية من الأرشيف لأماكن وأشياء عادية معروفة فتقوم بصياغتها بشكل يفضح الهوة الزمنية والمكانية التي “تجمع” لتفرق بينهم.

ii

أما الفنان يزن أبوسلامة فهو صاحب أعمال ينتشر فيها هدوء غرائبي، ولكنها تحتدم بالقلق والتساؤلات. ونذكر على سبيل المثال معرضه الفردي الذي قدمه تحت عنوان “سماء إسمنتية”. سماء تشبه العالم، افتراضية من حيث دعوتها المُشاهد إلى أن يحلّق فوق مدن واقعية / افتراضية ليتفحص الجدلية القاتمة والقائمة بين جدران الإسمنت والسماء، بين الشمس البرتقالية الأشبه بأسطوانة افتراضية -والتي يبدو حجمها في بعض أعماله يتخطى ما يُمكن تسميته بـ”المعقول” في زمن اللامعقول- وجدران الإسمنت والكتل الخرسانية المُعرضة “للانتكاسة” في أي لحظة تقرر فيها الشمس إطلاق موجات جيومغناطسية مدمرة لها.

ومن المشاركين في حدث “أرت دبي 2023” الفنان المصور ضياء مراد الذي سبق أن قدم مجموعة صور كبيرة رصد فيها مراحل قليلة من حياة بيروت، ولكنها كانت كفيلة بأن تسرد جوهر قصتها أمام أهلها وأمام الآخرين. كما قدم صورا غنية بصريا تشي بنظرة هندسية شاملة توثق علاقة دواخل المنازل بما يحيط بها لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020. وشكلت الصور التي تناولت هذا الانفجار بعدا مأساويا واضحا لا يتعلق فقط بما صنعه الانفجار، بل بحقيقة بيروت المجبولة بالفرح والألم إلى حدّ الإعياء وذلك في أحيان كثيرة.

وقد اختارت صالة “زاوية” مما قدمه الفنان مراد بصفة فردية في معرضه “خدمات” الذي حضرت فيه مجموعة صور عن الأجهزة الخدماتية. فما من لبناني يعيش على أرض لبنان وبيروت بشكل خاص لا يعرفها؛ الآلات الإلكترونية الخاصة بالبنوك لسحب المال والتي يقف أمامها اللبناني لساعات كي يسحب قدرا مسموحا به من رصيده الجاري وليس من مدخراته المحجوز عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات.

صهاريج الماء المتنقلة بين البيوت ومضخّاتها التي تعوض بما تؤمّنه للبناني عن انقطاع أو نقص حاد في المياه حتى في عزّ الشتاء، ومحركات توليد الكهرباء، وآلات تزويد البنزين ومحطات التحويل الكهربائية، ولوائح الطاقة الشمسية التي يشتريها اللبنانيون على نفقاتهم الخاصة للتعويض عن انقطاع الكهرباء وللهرب من التكاليف الباهظة لتغذية محركات توليد الطاقة.

ومن هؤلاء الفنانين الخمسة نذكر أيضا الفنان ساهر ناصر الذي يشير البيان الصحفي إلى أن أعماله ساخرة وتفضح بمجملها استخدام السلطة والقوة العسكرية المفرطة، كما تسائل أعماله الرأسمالية وفسادها وماهية السلطة المؤسساتية بهدف فضح حقيقتها.

15