شوارع الجزائر الشعبية تتزين بفنّ الغرافيتي

كتيبة فن الشارع: هناك إجماع على أن فن الشارع أمر إيجابي، وهناك من يراه ثقافة غربية وهجينة عن مجتمعنا.
الاثنين 2021/01/04
مساحة للكشف عن الهواجس والهموم

الجزائر – تلوّنت مختلف أحياء وأزقة العاصمة الجزائرية برسومات الغرافيتي، التي تحمل شعارات الأندية الرياضية وبعض رموز الحراك الشعبي بأنامل رسامي “الغرافيتي” ومجموعات “الألتراس”، كأداة للتعبير عن هواجسهم في إطار التنوع الأيديولوجي الحاصل منذ اندلاع الحراك.

ويعدّ “الغرافيتي” أو “فن الشارع” فنا مستقلا بذاته، يعبر عن مشاعر وخواطر الشبان بصفة خاصة لتمرير رسائل اجتماعية وسياسية وآراء متباينة، وتعمل هاته الرسومات على كسر ملل الشكل الحضري للمدن بالألوان الحيوية، بعيدا عن النمط العادي الذي يسيطر على المشاهد اليومية للمجتمع.

واحتضن الحي الشعبي الشهير باب الوادي، بقلب الجزائر مدينة “البهجة المحروسة”، أولى الرسومات الجدارية التي تجسدت بأنامل الشباب “الولهان” بالرياضة ولاسيما تشجيع أعرق الأندية، على غرار مولودية الجزائر والاتحاد الرياضي لمدينة الجزائر، ليكون الحي العتيق مسرحا لاستعراض شغف وحب الأنصار وفخرهم بالانتماء إلى فرقهم وإلى رموز الهوية الوطنية.

واشتهرت الجدارية الخاصة بالمدافع “الأسطوري” لفريق الاتحاد، المرحوم جمال كدو، التي عنونت بـ”كدو الشريف (الزعيم)” تعبيرا عن كاريزمة الدولي السابق المتوج مع “الأفناك” بدورة الألعاب المتوسطية-1975 على حساب فرنسا.

وصنعت الجدارية الفنية بسواعد مجموعة “أولاد البهجة” تمجيدا لما قدمه القائد السابق كدو لأبناء “سوسطارة” وتنصيبه كأحد الرموز المشكّلة لهوية النادي.

وتقاسم عشاق المولودية بورتريه الحاج العنقى مع “جيرانهم” باعتباره تراثا لا ماديا مشتركا، وأضافوا بورتريه الحاج مريزق (1912-1955)، الذي كان مسيرا في الفريق أثناء الحقبة الاستعمارية وتغنى بالنادي آنذاك، ناهيك عن بورتريه أيقونة موسيقى الشعبي، الشيخ اعمر الزاهي (1941-2016) وهو المتنازع على انتمائه لحد الآن بين محبي الفريقين.

واستهل متتبعو المولودية عبر مجموعتي “الألتراس” والقراصنة الخضر واللاعب رقم 12، رسوماتهم الجدارية بشخصية الشهيد الرمز لمدينة القصبة علي لابوانت (علي عمار1930-1957)، كرمز لمعركة الجزائر وللشاب الجزائري الثائر ضد طغيان المستعمر، تلتها جداريات مختلفة تحمل شعار المولودية، الذي يتضمن اللونين الأخضر والأحمر والهلال وسنة التأسيس كافتخار بلقب “العمادة”، باعتباره “أول ناد جزائري مسلم”. لتنتقل حمى “الغرافيتي” إلى بقية أحياء العاصمة الشهيرة بتعلق أبنائها بشغفهم.

Thumbnail

ويقول أحد صناع الجداريات بباب الوادي وهو الفنان العصامي رشدي لرقم، إنّ ما يجول في خاطره وصدور شبان الأحياء الشعبية التي دفعته لحمل أدوات الرسم لإنجاز لوحات فنية تصنع “الحاضر والذاكرة”.

وكانت البداية برسم بعض الشخصيات المحبوبة في الأوساط الشعبية، على غرار المناضل الثوري الأرجنتيني “تشي غيفارا” ومغني الراب الأميركي المقتول “توباك”، مستغلا جدران الحي كفضاء لفن “الغرافيتي”.

وأضاف “بعدها رسمت جدارية حول فريقي المحبوب مولودية الجزائر، تناولت كذلك موضوع الحراقة (الهجرة غير الشرعية) في إحدى الرسومات التي قمت بها لأعبر عن مآسي الشباب الجزائري، الذي يجازف بحياته في عرض البحر أملا في حياة أفضل”.

وكشف الشاب رشدي أن أسرار “الغرافيتي” متعلقة بالمشاعر الداخلية للفنان “فحينما أكون في مزاج متقلب، رسوماتي عادة ما تكون سيئة، بينما المزاج الحسن يرفع منسوب الإبداع لدي وأقدم جداريات جميلة بشهادة المارة فردود أفعال الناس هي التي تشجعني لمواصلة شغفي”.

 “الإنسان ابن بيئته”، كما يقول رائد علم الاجتماع ابن خلدون، فسلوك الإنسان وطباعه وثقافته ما هي إلا امتداد لعناصر بيئته وطريقته في التواصل والتعاطي معها، فهي من تصقله وتلونه حسب جغرافيتها ومناخها: بها يتأثر وعليها يؤثر.

وقد شهدت الجزائر مطلع سنة 2019 حدثا هاما في تاريخها تمثل في اندلاع احتجاجات شعبية تطالب النظام الحاكم في البلاد بالتغيير السلمي، أطلق عليها تسمية “الحراك الشعبي”، حيث كان محركا للكثير من المبدعين في شتى المجالات.

وفي هذا السياق تقول مجموعة “كتيبة فن الشارع” لفن “الغرافيتي” من ولاية جيجل، وهي تتشكل من ثلاثة فنانين عصاميين (حسام، أمين، عقبة)، إنها تهدف إلى التغيير الإيجابي بواسطة رسوماتها، التي زادت من شعبيتها تماشيا مع الخروج المتتالي للمواطنين المعبرين عن مطالبهم السياسية والاجتماعية، تحت مظلة التغيير السلمي.

Thumbnail

وقالت المجموعة إن مبادرة بداية الرسم على الجدران جماعيا “انطلقت مع انفجار الحراك أما من قبل فكنا نرسم بطريقة انفرادية ومحتشمة”. وعالجت أولى جداريات المجموعة “الحرية، ثم تناولنا نبذ الحروب وتحقيق السلام بهدف تفادي الأخطاء السابقة على غرار ما حدث إبان العشرية السوداء”.

وبخصوص نظرة المجتمع لفن “الغرافيتي”، أفاد أبناء جيجل أن هناك “إجماعا بأن فن الشارع أمر إيجابي خاصة بعد تواصل الحراك وهناك من يراه ثقافة غربية وهجينة عن مجتمعنا”.

ويعتبر المختصون في علم الاجتماع “الغرافيتي” قيمة مضافة للمجتمع، يعبر عن مرحلة تنفيسية وتسكينية تحمل دلالات متباينة، فهي تؤسس لفكرة تبديل شعارات الملاعب من الإساءة والتخوين والشتم إلى التدافع عن طريق الصورة الجمالية على الجدران. وفي تحليل له، أدرج أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر نورالدين بكيس، فن “الغرافيتي” ضمن سياق “رغبة الشباب في إخضاع المجال عن طريق رسم جداريات تعبر عن الانتماء إلى الأندية الرياضية، كوسيلة لإثبات أن تلك الأحياء تنتمي إلى فرق معينة، خاصة في ظل ابتعاد جمهور الملاعب لمدة طويلة عن المدرجات بسبب جائحة كورونا وليست له آليات واضحة للتعبير”.

وأوضح الأستاذ بكيس أن رسم شخصية علي لابوانت والعقيد عميروش وعبان رمضان “جاء في مرحلة تشهد اندفاعا عاطفيا كبيرا، أراد الجزائريون خلالها ترك بصمتهم المادية، وهي سلوكيات تثبت أن الجزائري مرتبط بشدة بتاريخه الثوري”.

17