شهادة البكالوريا حدث اجتماعي هام في تقاليد العائلات التونسية

المكانة البالغة للبكالوريا في الحياة الاجتماعية تدفع الأولياء للتنافس على تحقيق النجاح قبل التلاميذ. وتعتبر العائلات التونسية البكالوريا مفتاحا للنجاح ونقطة عبور نحو الحياة الجامعية لذلك يعمل الأولياء على إنجاح الحدث منذ بداية السنة عبر التراتيب والتنظيمات وتوجيه أبنائهم. ويأخذ الحدث بعدا تنافسيا بين الأسر لأهميته البالغة في المصعد الاجتماعي لذلك يتنافس الأباء والأمهات على تحقيق النجاح قبل التلاميذ. ورغم تنامي بطالة أصحاب الشهائد العليا إلا أن شهادة البكالوريا ظلت محافظة على مكانتها.
تعيش العائلات التونسية على وقع نتائج امتحانات البكالوريا الوطنية هذه الأيام، حيث تحظى شهادة ختم المرحلة الثانوية (البكالوريا) باهتمام فائق في تقاليد الأولياء والأسر، ويعدّ نجاح التلاميذ من أولويات البيوت، كما تتسابق الأسر من أجل بذل مجهودات “جبارة” في مساعدة أبنائها وتحقيق فرحة النجاح المنشودة في نهاية الموسم الدراسي.
وأكد عمر الولباني مدير عام الامتحانات في تصريح لإذاعة محلية أن نسبة النجاح في الدورة الرئيسية من البكالوريا بلغت 44.30 في المئة.
وبلغ عدد المترشحين لاجتياز الامتحان الوطني، أكثر من 146 ألفا و129 مترشحا خاضوا امتحان البكالوريا خلال الدورة الرئيسية التي جرت وسط تدابير صحية استثنائية أقرتها وزارة التربية لحماية المرشحين والإطار التربوي في ظل تفشي غير مسبوق لجائحة كورونا.
وتعد البكالوريا التونسية دبلوما لا غنى عنه للدخول إلى التكوين في التعليم العالي، وتتكون مناظرة البكالوريا من عدة امتحانات موحدة بين كافة الشعب على اختلافها. وقد سجلت 5 أنواع من البكالوريا في تونس هي على التوالي الآداب، العلوم التجربية، تكنولوجيا، رياضيات ورياضة.
وتحظى المناظرة الوطنية باهتمام كبير لدى الأسر التونسية التي تكثف من استعداداتها منذ انطلاق الموسم الدراسي بتوفير الحاجيات لأبنائها ومتطلباتهم اللازمة، فضلا عن كون البكالوريا ترسّخت في تقاليد الأسر ونواميس حياتها.
وأفاد فريد شويخي المتخصص في البيداغوجيا الجديدة ورئيس جمعية منتيسوري لشمال أفريقيا، أن “الأسر التونسية تعتبر شهادة البكالوريا مفتاحا للنجاح والمستقبل وفتح آفاق مهنية، وبالتالي نجاح التلميذ يعني نجاح الأسرة في حدّ ذاتها”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “العائلات تنتشي بفرحة النجاح لأنها أوصلت ابنها إلى المرحلة الجامعية، والبكالوريا تحدد المستوى العلمي في السلم الاجتماعي”.
ويرى شويخي أن الأسر التونسية مرهقة حتى أكثر من الأبناء، لأن نجاح التلميذ يعني نجاح العائلة وفشله هو فشلها.
وقال عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، “البكالوريا في تقاليدنا مفتاح للنجاح وفرحة كبرى للعائلة والتلميذ، لأننا نفكّر دائما من منطلق أن المدرسة هي المصعد الاجتماعي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “أهمية البكالوريا ثابتة والنجاح حدث هام في العائلة لأنه يفتح آفاقا للتعليم الجامعي، والنجاح في البكالوريا هو استثمار تربوي بالنسبة إلى العائلة، وهو أيضا حدث تربوي مجتمعي وسياسي لأنه يحظى بمتابعة كبيرة إعلاميا وسياسيا”.
ويرى علماء الاجتماع أن البكالوريا بمثابة “ظاهرة” سنوية تؤثث البيوت التونسية، حيث يستعد الأولياء لإنجاح الحدث منذ بداية السنة عبر التراتيب والتنظيمات وتوجيه أبنائهم، وقد أخذ الحدث بعدا تنافسيا بين الأسر لأهميته البالغة في المصعد الاجتماعي.
وأكّد المتخصص في علم الاجتماع الدكتور فؤاد غربالي، في تصريح لـ”العرب”، أن “البكالوريا هي حدث اجتماعي بدرجة أولى، وله أبعاد اجتماعية متعددة لأن العائلات التونسية تعتبره حدثا رمزيا ومهمّا وتفتخر به، باعتباره نقطة عبور نحو الحياة الجامعية”.
وأضاف “هناك بعد تنافسي بين الأولياء، ونجاح التلميذ هو نجاح الولي بقطع النظر عن المراتب والمعدّلات، وهي شهادة وطنية ترمز للتعليم التونسي بكل أبعاده وتختزل فيه روح المدرسة التونسية”.
وتابع “من لم يتحصل على شهادة البكالوريا في تونس ينقصه شيء ما، وهي نوع من الاعتراف، والمواطن التونسي يعبر عن فرحته بها أكثر حتى من شهادة الدكتوراه أو الماجستير، وخلال مرحلة السبعينات والثمانينات كانت بمثابة حدث تاريخي لا يمكن نسيانه”.
وعلى الرغم من اختلاف الأمكنة والأزمنة، ظلت البكالوريا ضمن أولويات اهتمامات التونسيين، ولم يمنع الظرف الصعب تبعا لانتشار فايروس كورونا العائلات من التعبير عن فرحتها عبر تبادل التهاني والهدايا وتنظيم المآدب.
وللسنة الثانية على التوالي يتم تنظيم الحدث في ظروف استثنائية، في إطار الالتزام بإجراءات البروتكول الصحي، الذي رمى بظلاله على استعدادت التلاميذ والعائلات وخلق ضغطا نفسيا متناميا.
وأفاد وزير التربية فتحي السلاوتي الجمعة أن نتائج الدورة الرئيسية لبكالوريا 2021، شهدت تحسنا مقارنة بالسنوات الفارطة رغم خصوصية الوضع الصحي الذي أجريت فيه.
وقال الوزير في تصريح لإذاعة محلية، “نحن سعداء بإدخال الفرحة على قلوب عدد كبير من العائلات التونسية اليوم”، مشيرا إلى أن الجانب الإيجابي يكمن في أن الذكاء التونسي موجود في مختلف ولايات الجمهورية، مشيرا إلى أنّ المتفوقين في البكالوريا هذه السنة هم من ولايتي جندوبة والكاف (شمال غربي البلاد).
وبلغت نسبة المؤجلين لدورة المراقبة التي ستنطلق الثلاثاء بحسب الوزير 28.19 في المئة.
وعلى الرغم من إجماع الخبراء على تراجع جودة التعليم بعد ثورة ينار2011، وصعوبات التتلمذ التي فرضتها الجائحة الصحية في السنتين الأخيرتين، ظلّت الأسر التونسية تراهن على التعليم عموما لإيمانها المترسخ بقيمة العلم والمعرفة في المجتمع.
وسبق أن حذر الخبراء من صعوبة تكيف قطاع التعليم مع أزمة كورونا في ظل النسق البطيء للرقمنة بالمدارس والجامعات بسبب تدني جودة الإنترنت.
وغذت الصراعات المستمرة بين النقابات الأساسية للتعليم ووزارة التربية الأزمة، ومع انطلاقة كل موسم دراسي سرعان ما تطفو على السطح مطالب الأساتذة والمربين المطالبة بالترفيع في الأجور أو النظر في وضعيات التشغيل، فضلا عن مطالب نقابية تتعلق بالقطاع.
ويعاني أصحاب الشهائد العليا من تصاعد نسق البطالة في تونس. وخلال الثلاثي الثالث من سنة 2019، بلغت نسبة البطالة 15.1 في المئة، في حين بلغت نسبة البطالة لدى أصحاب الشهائد العليا 28.6 في المئة، وذلك وفق معطيات قدمها المعهد الوطني للإحصاء.
وبلغت نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2019 ما يناهز 15.3 في المئة، في حين كانت نسبة البطالة لدى أصحاب الشهائد العليا في نفس الفترة، في حدود 28 في المئة.
وفي العام 2020 بلغ عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا أكثر من 60 ألفا.
وكانت الحكومة التونسية قد عارضت مشروع القانون الذي يجيز توظيف العاطلين في القطاع الحكومي والذي يضعها، وفق قولها، في حرج إضافي ويزيد الطلب عليها، ما قد يسبّب انفجار كتلة الأجور التي تفوق 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
واعتبرت الحكومة التي وجهت مراسلة رسمية إلى البرلمان أن مشروع القانون يتعارض مع دستور البلاد، باعتبار أنه سيُخلّ بالتوازنات المالية للدولة.
كما عرفت البلاد سلسلة من التحركات الاحتجاجية للدكاترة الباحثين العاطلين احتجاجا على ما اعتبروه تسويفا متواصلا من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إيجاد حل لهم وتشغيلهم.
وأكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في بلاغ لها يوم 10 مارس 2021، أنّه تمّت المصادقة على الترخيص بفتـح 3000 خطـة انتداب على مدى 3 سنوات، بما في ذلك 600 خطة انتداب إضافية صلب المؤسسات والمنشآت العمومية التي تُعنى بالبحث والتجديد خلال المجلس الوزاري المضيّق المنعقـد بتـاريخ 5 مارس الجاري.
واعتبرت الوزارة في بلاغها أنّ ذلك يمثّل مكسبا غير مسبوق يعكس إرادة جدّية لإيجاد حلول واقعية وقابلة للتطبيق تمكّن من استفادة جميع القطاعات من الكفاءات العلمية والبحثية التي تزخر بها تونس وفتح آفاق الارتقاء أمامهم صلب المنظومة البحثية الوطنية، وفق تقديرها.