"شمس المستقبل" استذكار للاستبداد الستاليني وحنين إلى سينما الزمن الجميل

مع ولادة المنصات الرقمية والتحولات الاستهلاكية التي شهدتها وما تزال تشهدها المجتمعات البشرية تأثرت السينما شأنها شأن بقية الفنون الأخرى من الأدب الذي فقد كثيرا من الشعر والموسيقى التي تحولت بأشكال مخيفة وحتى الفنون التشكيلية وغيرها. فالسينما لم تعد كما كانت وامتلأت عنفا وسطحية وتوجيهات استهلاكية بحتة، وهذا ما ينقده بذكاء إبداعي المخرج الإيطالي ناني موريتي في فيلمه الجديد.
"شمس المستقبل" أغنية مميزة في تاريخ الموسيقى الإيطالية كتبها المغني وكاتب الأغاني الشهير لوسيو دالا، وتمثل ترنيمة حقيقية للأمل في المستقبل. تركز الأغنية بشكل كبير على الصراع الطبقي والشيوعية، وقد اعتمدها الكاتب وصانع الأفلام الإيطالي المخضرم ناني موريتي عنوانا لفيلمه.
يتابع الفيلم شخصية جيوفاني، مخرج سينمائي في إيطاليا المعاصرة يحاول صنع فيلم جديد ويفشل في كل منعطف، ويكشف علاقته بمموّل غير جدير بالثقة (ماثيو ألماريك) وزوجته باولا (مارغريتا باي) في كل خطوة على الطريق التي أنتجت أفلامه، وقد امتدت شراكتهما المهنية والرومانسية على مدى 40 عاما.
استذكار لماض منسي
الفيلم، الذي شارك مخرجه موريتي في كتابة السيناريو مع فرانشيسكا مارسيانو وفيديريكا بونتريمولي وفاليا سانتيلا، يصور فترة تاريخية تدور أحداثها في روما في عام 1956، عام الثورة المجرية عندما تمرد الملايين من المواطنين على الهيمنة السوفييتية، ويسرد قصة انتفاضة بودابست ضد الدكتاتورية الستالينية، أبطاله اثنان من الرفاق في الحزب الشيوعي الإيطالي، من خلال مواقفهم يرصد ردود أفعال الحزب حين هاجمت الدبابات السوفييتية بوحشية الانتفاضة في بودابست وكانت صدمة للشيوعيين الإيطاليين. ويصور الترحيب بوصول فرقة سيرك بودافاري المجرية إلى العاصمة الإيطالية تعبيرا عن تضامن الحزب مع الانتفاضة المجرية.
يبدأ “شمس المستقبل” بكتابة شعار للحزب الشيوعي على جدار أحد الجسور في روما وينتهي بلوحة كاملة لأيديولوجيته أو ما أطلق عليها الأمل في المستقبل. في فترة ما بين الخمسينات والسبعينات، وفي أجواء الواقع السياسي هناك آنذاك، ينتمي بطل الفيلم، والذي يعمل مخرجا سينمائيا، إلى الحزب الشيوعي الإيطالي، الذي كان يعد حتى نهايات الثمانينات أكبر حزب شيوعي أوروبي، مكنته حنكة زعامته التاريخية المتمثلة بالراحل أنريكو بيرلنغوبر من تحقيق استقلالية كبيرة عن الاتحاد السوفييتي وعن الحزب الشيوعي السوفييتي.
يبدأ الفيلم كما ينتهي بإشارة واضحة، وتذكير بأسلوب المخرج الإيطالي فدريكو فليني، وتحديدا فيلمه “ثمانية ونصف” وعوالم السيرك فيه والكرنفالية والرقص الجماعي. يستمد موريتي من الفيلم ذاته موضوعه، مخرج سينمائي يعاني من صعوبة إتمام تصوير فيلمه، لأسباب تختلف من سياق فيلم إلى آخر.
"شمس المستقبل" ليس فيلما عن الماضي والكآبة وروما الخمسينات بل عن حاضرنا المفقود وعن المستقبل وبطرق مختلفة
إن همّ موريتي هنا هو إتمام صناعة فيلم فيه من التاريخ ما يؤرخ مواقف الحزب الشيوعي الإيطالي، وفي نفس الوقت، نقد للمخرجين الشباب وسينما اليوم، وهذا يمر في مشهدين من الفيلم، الأول حين يوقف موريتي أحد المخرجين الشباب خلال تصوير مشهد عنف (إعدام ميداني بالمسدس) قائلا ”هذا العنف ليس ترفيها بل تدميرا”، ويوقف الممثل في مشهد كان الممثل على وشك إطلاق النار على شخصية أخرى، مما يجعل الحجة حول كيف أن الأطفال هذه الأيام لا يفهمون العنف ولكن يقلدونه وهذه مسألة في غاية الخطورة. والمشهد الثاني حين يضطر لحضور اجتماع مع مكتب “نتفليكس” في روما، بعدما رفض حازما التعامل مع المنصة التي تحدّ من حريته وإبداعه في العمل وكانوا يتفاخرون أمامه وبين جملة وأخرى يكررون بأنهم يصلون إلى 190 بلدا.
الفيلم قطعة تاريخية عن تمرّد الملايين من المواطنين على الهيمنة السوفييتية ومواقف الشيوعيين الإيطاليين في روما من أحداث الغزو السوفييتي لدولة المجر. ومن الجدير بالذكر، أنه في يوم 24 أكتوبر 1956 بدأت مناورات الاتحاد السوفييتي العسكرية لغزو المجر وكانت بداية لخطوة حاسمة في تاريخ الشيوعية، تلك الحماقة كانت لها تداعيات في إيطاليا. حدث الانشقاق بين أعضاء الحزب الشيوعي الإيطالي بين معارض بشدة لدكتاتورية ستالين، وبين متردد فيما يجب عليه فعله.
ذكر موريتي أن شخصية المخرج جيوفاني تؤمن إيمانا راسخا بضرورة سرد قصة الحزب الشيوعي الإيطالي في ذلك الوقت، وكيف أضاع فرصة الانفصال عن الاتحاد السوفييتي، لكن اليوم “لا أحد يتذكر هذه الأحداث، لقد تغير العالم وكذلك تغيرت طريقة صناعة الأفلام”. يتحدث المخرج عن اليسار ولكنه بشكل عام، كأنه يتحدث أيضا على لسان جميع التقدميين في العالم ومواقفهم إزاء الأحداث. وهذا فيلم من مخرج مخضرم سئم وتعب من السينما الحديثة والابتذال الرأسمالي الذي يحيط بها.
الفيلم قطعة تاريخية عن تمرد الملايين من المواطنين على الهيمنة السوفييتية ومواقف الشيوعيين الإيطاليين في روما
جيوفاني هو فنان مصمم على التمسك بنموذج للسينما الهادفة والحياة والسياسة التي تتبع مبادئه الفنية والأخلاقية. وفي الوقت نفسه، فإن زوجته وشريكته في الإبداع باولا مرهقة بسبب عناده وعدم رغبته في الاستماع إليها؛ تزور طبيبا نفسيا وتضع خططا لتركه عندما يبدو كل شيء ينهار، دون أمل في الشفاء. ابنته إيما تحب سفيرا بولنديا في عمر والدها، ولا يمكن البدء في تنفيذ فيلمه بسبب التبخر المفاجئ للتمويل. وبعد دعوته لتناول الغداء من قبل السفير البولندي الذي على وشك أن يصبح صهره، يفاجئ جيوفاني عائلته وطاقمه ومنتجيه الكوريين الجنوبيين الجدد بانفتاحه على سينما “أخرى”.
فيلم ناني موريتي الجاد “شمس المستقبل” عودة إلى قوالب وممارسات الأفلام في الخمسينات والسبعينات والأيديولوجيات السياسية، حقيقة أن بطل الرواية يلعبه ناني موريتي لا يترك مجالا للشك في أن المخرج البالغ من العمر 69 عاما أدخل العديد من عناصر السيرة الذاتية الخاصة به هنا. فيلم مصمم على الطراز القديم يبحث المخرج فيه عن معنى الحب وأيضا في المواقف السياسية، حيث يتغير العالم والصناعة بسرعة كبيرة. والفيلم أيضا رسالة حب إلى سينما الأمس. الرسالة واضحة وضوح الشمس: دعونا نأمل جميعا أن تأتي أيام أفضل، يغرس ناني موريتي فيلمه بموسيقى مرحة الأمل بمستقبل مشرق.
ويغازل موريتي الشيوعية، واقفا في وجه الستالينية، في نوع من الرد على سيطرة اليمين المتطرف في بلاده إيطاليا. في نهاية المطاف، يثير الفيلم مسألة الولاء لحزب ما، حتى لو كان يتعارض مع مثلنا العليا، فهل يجب أن نستسلم أم يجب أن نجعل الأشياء تحدث؟
من الموضوعات الرئيسية الأخرى لفيلم موريتي التفكير في أولوية القوة التجارية على الفن، ما مقدار العنف الموجود في السينما المعاصرة؟ يشكك المخرج الإيطالي في هذا السؤال، ليس فقط من وجهة نظر أخلاقية، بل أيضا من وجهة نظر جمالية باستخدام أقوال وأفكار بعض المفكرين والفلاسفة والكتّاب في عصرنا، نجح المخرج في كسر الجدار الرابع، وبينما نشاهد فيلما داخل فيلم، يأخذ السرد منعطفا غير متوقع – ولكنه ممتع – يضع أمام أعيننا أحد شرور عصرنا. هل لا يزال للفن هدف في مجتمع تهيمن عليه الأنانية والعنف؟ هذا هو السؤال الجوهري في فيلم ناني موريتي الذي سرعان ما ندرك أنه يطمح إلى الصدق الفكري في كل مشاهد الفيلم.
من كالفينو إلى بافيس
يمكن العثور على مفتاح فهم “شمس المستقبل” في اقتباس أدلى به موريتي نفسه في المشاهد الأخيرة من الفيلم حين يلف المخرج حبل المشنقة حول رقبته، قبل لحظة من تغيير النهاية، هذه الكلمات بالضبط “قتل بافيس نفسه حتى نتعلم العيش، كتب كالفينو. فكر في الأمر، ولكن بعد ذلك أنساه”. هذا هو المغزى من فيلم ماتريوشكا ناني موريتي “تعلم العيش”.
يتحدث المخرج بلسان كالفينو (إيتالو كالفينو 1923 – 1985) وهو كاتب، وصحافي، وناقد، وروائي إيطالي ولد في كوبا، ونشأ في سان ريمو بإيطاليا. ويقرأ قصائد سيزار بافيس (شاعر وروائي وناقد فني ومترجم إيطالي، ويعتبر من أهم الأدباء الإيطاليين في القرن العشرين). يغير وجهة نظرنا ويدعونا إلى النظر إلى انتحار الكاتب بعيون مختلفة: كان موت بافيس في الواقع احتجاجا على الحياة.
يستخدم موريتي اسمين عظيمين من الأدب الإيطالي في القرن العشرين لشرح وجهة نظره الحميمة بطريقة ليست تعليمية ولكنها فنية. بعد قوله هذا، يزيل حبل المشنقة من رقبته لأنه يفهم أنه لم تكن شخصيته هي التي ماتت، بل أعماق روحه ويختار أصعب حياة ليختبرها: “تعلم العيش”.
يحارب بطل الفيلم جيوفاني التغيير الذي تمر به السينما، والتي أصبحت مجرد أداة ترفيهية، ومنتجا معبأ مسبقا لجمهور غير متفاعل ولم تعد وسيلة للقيم والمفاهيم المهمة. هو يؤمن بقدسية السينما، ويثبت ذلك عندما يحاول بكل طريقة تغيير نهاية الفيلم الذي تنتجه زوجته، والذي يريد فيه المخرج الشاب تصوير مشهد عنيف سبقت مشاهدته ومراجعته. ثم هناك الحب، الذي يمثله من ناحية علاقة جيوفاني بزوجته التي تريد تركه. إنه حب قريب من النهاية ولكنه لا يزال يعطي ومضات من المقاومة، كما في المشهد الذي يغني فيه الزوجان في السيارة.
الحب هو أيضا حب الصبيين اللذين يراهما جيوفاني ويقترح عليهما ما يقوله، إسقاط ما يود أن يكون الحب، نقيا وخاليا من القيم الحديثة التي تسممه. يحاول تعليمنا حرفة العيش لذا يقرر موريتي اتباع طريق الخيال باستخدام سحر القوة المضادة للواقع القادرة على إعادة كتابة التاريخ.
“شمس المستقبل” هو أيضا فيلم استنكار ليس فقط سياسيا ضد تلك الفترة التي كان فيها اليسار الإيطالي لا يزال مرتبطا جدا بالاتحاد السوفييتي ولكن أيضا سينمائيا. في محادثة مرحة بين جيوفاني وباولا والإدارة العليا لمنصة “نتفليكس”، يظهر هذا الازدراء المرير للسينما التي تلجأ بشكل متزايد إلى منصات البث والتي تحتاج إلى إشراك المشاهد من أول دقيقتين من المشاهدة.
لكن جيوفاني الذي يمثل شخصية ناني ينتقد أيضا كل تلك الأفلام العنيفة التي لا تستند إلى حبكة وليس لها مضمون تماما مثل القصة البوليسية التي تنتجها زوجته باولا. لقد تغير جمهور موريتي الذي يعرفه المخرج نفسه بشكل جذري على مر العقود، لم يعد مجرد “رؤوس بيضاء” ومثقفين متأصلين في السينما اليسارية، ولكنهم الآن أيضا من الطلاب الشباب، وعشاق السينما الناشئين والبالغين الذين نشأوا في هذه الأثناء مع روائع المؤلف والمخرج الايطالي، وسيتحول بعد ذلك إلى أمل في نهاية هذا الفيلم الجميل.
نقد واستنكار ذاتيان
في الخاتمة يقلب المخرج ناني موريتي كل صورة نمطية وكليشيهات ويتراجع عن الماضي ويعيد كتابة التاريخ. يكسر قيوده الأيديولوجية ويشعر بتحرره من أفكاره القديمة ويقوم بتمزيق صورة ستالين، قائلا “لا أريده في فيلمي”، ويتخيل أن الحزب الشيوعي الإيطالي يأخذ نفس موقفه من الأحداث في المجر. يكتب نهاية مختلفة ويلوّح بالعلم الأحمر.
يستخدم موريتي الأدب، وزن الكلمات لتحقيق العدالة في بؤس التاريخ. عندها فقط نفهم أن فيلم “شمس المستقبل” ليس فيلما عن الماضي، عن الكآبة وروما الخمسينات، بل عن حاضرنا المفقود، وقبل كل شيء، يتحدث عن المستقبل وبطرق مختلفة لتخيل الأيام القادمة. حتى الحرب في المجر التي ترويها شاشات التلفزيونات بالأبيض والأسود تعكس في الواقع الحرب التي تدور اليوم في قلب أوروبا.
تختلف نهاية فيلم “شمس المستقبل ” من إخراج جيوفاني، اختلافا كبيرا عن النسخة الأصلية من الرواية. بينما في الكتاب يختار بطل الرواية الانتحار، في الفيلم هناك تطور حين يقترح المخرج مواصلة النضال من أجل الخلاص. تمثل هذه النهاية رغبة سينما ناني موريتي في الاستمرار في الوجود لمشاهديها. بهذه الطريقة، يقدم المخرج رسالة أمل ويدعو الجمهور للقتال من أجل أحلامهم بدلا من التخلي عنها في صعوبات الحياة.
النهاية بأغنيات إيطالية مبهجة وسعيدة ورقصات واحتفالية جميلة. المسيرات الكرنفالية، حيث تسير أفيال السيرك بجوار ملصق لتروتسكي الذي يستعرض تحته بالميرو توجلياتي (زعيم شيوعي إيطالي قاوم فاشية موسوليني ثم هرب إلى موسكو، ثم عاد عام 1944. تخليدا لذكراه أطلق الاتحاد السوفييتي اسمه على مدينة حديثة لصناعة السيارات)، جنبا إلى جنب مع بقية أبطال الفيلم، ولافتة مكتوبا عليها “وداعا الاتحاد السوفييتي”، مع العديد من الممثلين الذين لعبوا دور البطولة في أفلام موريتي السابقة.
همّ موريتي في فيلمه هو التأريخ لمواقف الحزب الشيوعي الإيطالي، وفي نفس الوقت، نقد للمخرجين الشباب وسينما اليوم
إنه عرض مشحون بدافع إنساني، لكنه يفعل ذلك دون أن يطغى على الصوت، ودون أن يصبح متعاليا ودون حنين مؤلم من أيّ نوع، والذي ينتهي به الأمر إلى تحويله إلى مصالحة مضيئة مع جمال الحاضر، (عندما نرقص كل شيء من حولنا يهتز، بينما الراقصات البلغاريات يرقصن حافيات الأقدام فوق الجمر المشتعل)على إيقاع هذه الأغنية يكون ختام الفيلم.
في سينما المخرج ناني موريتي بدلا من النظر إلى الماضي الجميل يقوم بالبحث عن شمس المستقبل، وهو ما يتجه نحو المدينة الفاضلة في خضم زمن الديستوبيا. فيلم عن شخص لا يريد أن يستسلم أو يندم.
في الختام إن سينما موريتي وفي هذا الفيلم بالتحديد تجعل المشاهد يفكر باستمرار بصوت عال. بالإضافة إلى الجوانب الأيديولوجية والسياسية، يتعمق المخرج في مخاطر هائلة في الأمور الشخصية والعائلية، ويترك قصته تنمو مع تأملات في مسيرة حياة الزوجين والتعايش وفقدان الأعصاب من قبل الزوجة مارغريتا باي تلك الممثلة المنتظمة في أفلامه.
يجمع موريتي في نفس الوقت بين “اضطرابين” في شخصيته الفنية والأيديولوجية، مخرج مثله، وبالطبع هو نفسه روحه التروتسكية، التحررية التي ترفض القيود الحزبية، وكذلك دوره كفرد وزوج وأب.
“شمس المستقبل” الرحلة التي يأخذها الفيلم مع شخصيته كمخرج، رجل مرهق لديه أفكار واضحة جدا حول ماهية السينما وما هو حال السينما اليوم. وتذكير ببلد يدعى إيطاليا كان فيه ما يقرب من مليوني شخص ينتمون إلى الحزب الشيوعي. أما اليوم، فقد نسيه الشباب، يريد جيوفاني، المخرج الذي يصنع فيلما كل خمس سنوات أن يقدم فيلما عن سنوات الشيوعية. في ذلك الوقت كانت إيطاليا مؤمنة وكانت أسيرة الأيديولوجيات. وكان بالميرو توجلياتي، سكرتير الحزب الشيوعي، غير قادر على انتقاد السياسة الستالينية وظل مناضلو الحزب الشيوعي الإيطالي صامتين، صمتهم كان يخفي إحباطا لأن الأيديولوجيا كانت عقيدة، رغم أن الرغبة في الحرية والنضال الجماعي كانت في قلوب الناس.
تحدث نقطة التحول في الفيلم – ورؤية جيوفاني/ ناني لنفسه وسينماه – في تسلسل طويل يقوم فيه المخرج، الذي يزور موقع تصوير الفيلم الثاني لمخرج شاب أنتجته زوجته (مارغريتا باي)، بمقاطعة تصوير مشهد عنيف ويجبر الطاقم على تحمل درس شاق مدته ثماني ساعات، من المساء إلى صباح اليوم التالي، عن أخلاقيات النظرة التي تمثل الصراع داخل الفيلم، عقدة لم تحل في الوعي التاريخي للحزب الشيوعي الإيطالي، يتفق الجميع على أن مشروع المخرج يمثل موت شيء ما (من الفن والحب والأيديولوجيا). تناول شمس المستقبل السياسة والحب والموت والموسيقى والشعر والحرب والألم وخيبة الأمل من السينما. عمل مرجعي ذاتي، ولكن أيضا نقد ذاتي كما هو استنكار ذاتي.