شلل إنتاج الطاقة يقود إيرادات تونس إلى التلاشي

تقلص موارد الدولة يقوض القدرة على ضمان سير المرافق العامة وينذر بانفجار اجتماعي.
السبت 2020/08/15
اعتصامات أزّمت الوضع الاقتصادي

عجّل تواصل تعطل إنتاج النفط والفوسفات في تونس في ظل الاعتصامات والإضرابات المستمرة في أماكن الإنتاج باستنزاف الإيرادات وامتصاص السيولة، ما دفع البنك المركزي إلى إطلاق إنذار للسلطات وكافة الفاعلين بدعوتهم إلى ضرورة استئناف الأنشطة وإيقاف الاعتصامات المتواصلة منذ أشهر والتي من وتيرة الديون الخارجية للبلاد.

تونس - وجه محافظ البنك المركزي التونسي إنذارا حول وضعية المالية العامة في البلاد نظرا لتقلص قياسي في الإيرادات نتيجة تعطل أكبر مصادر التمويل المتمثلة في عوائد الطاقة جراء اعتصامات تسببت في تعطل إنتاج النفط والفوسفات، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية نتيجة تبعات الوباء وتقلص إمدادات السياحة.

وسبق أن حذرت وزارة الطاقة والمناجم من تواصل تعطل الإنتاج، حيث أكدت حجم الخطورة بإعلانها عدم قدرتها على سداد مزودي الطاقة نظرا لشح موارد الدولة من العملة الصّعبة، وتعطّل السّياحة، وتوقّف آلة الإنتاج في الفوسفات ونشاط المجمع الكيميائي، وإيقاف الإنتاج من النفط والغاز.

وأكّد محافظ البنك المركزي التونسي مروان العبّاسي أنّ “خطة إنعاش الاقتصاد التونسي لا بد أن تمر أوّلا وقبل أي شيء عبر استئناف نشاط الفوسفات والمحروقات، الذّي تسبب تعطله في نقص ملحوظ في إيرادات البلاد”.

ونسبت وكالة أنباء تونس (وات) للعباسي قوله خلال كلمته الواردة في مفتتح التقرير السنوي للبنك المركزي لعام 2019 “من الضروري معالجة مواطن الضعف الهيكلية للاقتصاد التونسي من خلال تعزيز الإصلاحات، والتي من بينها تغيير منوال التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

ولفت العبّاسي إلى أنّ “الإصلاحات لئن تعد ضروريّة فإنّها تبقى غير كافية بالنظر إلى التحديّات المرتقبة خلال الفترة المقبلة وخاصّة على مستوى شحّ الموارد الماليّة للبلاد”.

وأضاف أنّ “البنك المركزي التونسي سيستمر في السهر على تأمين الاستقرار الكلّي باعتباره محدّدا رئيسيا لمدى صمود الاقتصاد التونسي، وهو ما يتطلب تضافر جهود مختلف الأطراف لرفع التحدي والبرهنة على تماسك الاقتصاد المحلي في مواجهة الصدمات”.

محمد علي المنقعي: شح العملة الصعبة سيضغط على الدينار ويرفع التضخم
محمد علي المنقعي: شح العملة الصعبة سيضغط على الدينار ويرفع التضخم

واعتبر أنّ المنهج الذّي اعتمدته تونس لإدارة أزمة كوفيد – 19، أعطى الأولويّة لخيار الحفاظ على العنصر البشري مع السهر على النسيج الاقتصادي والاجتماعي، إلاّ أنّ الآفاق الاقتصاديّة لسنة 2020 تبدو صعبة وغير مؤكّدة في جميع أنحاء العالم وأنّه لا مناص من اعتماد خطّة شاملة للإنعاش الاقتصادي.

وكتب العبّاسي في سياق تطرقه إلى سنة 2019، التّي يغطّيها التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي، أنه كان من المفترض أن تستمر البلاد في المنحى التصاعدي للنمو، الذّي انطلق منذ سنة 2017، لولا تواتر مجموعة من العوامل الداخليّة والخارجيّة غير الملائمة.

وأوضح أن جهود تحقيق الاستقرار المبذولة خلال السنوات الأخيرة مكّنت من تجنّب المزيد من اختلال التوازنات الجمليّة بما من شأنه تعميق الصعوبات التي تثقل هوامش التصرّف على مستوى الميزانيّة والقطاع المالي.

واعتبر الخبير الاقتصادي محمد علي المنقعي في حديث لـ”العرب” أن “تصريحات محافظ البنك المركزي واقعية”، مشيرا إلى أن تعطل القطاعات سيتسبب في رفع نسبة البطالة وتقليص موارد ميزانية الدولة من الرسوم الضريبية وفي تقليل مداخيل العملة الصعبة.

وشدد على أن المؤشرات الحالية تنذر بإثارة احتقان اجتماعي كبير، وذلك نظرا لأن تقلص موارد الدولة سينعكس بالضرورة على عدم قدرتها على ضمان السير العادي للمرافق العامة وسيحد من قدرتها على مواجهة تداعيات الأزمة اجتماعيا وقد يجبرها ذلك على مزيد من التداين وبالتالي مراكمة الدين الخارجي.

ويتوقع أن تصل ديون تونس بنهاية هذا العام إلى 94 مليار دينار (32.3 مليار دولار)، أي ما يعادل 75.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن البعض يرجح أن تتجاوز ذلك السقف.

وأشار الخبير محمد علي المنقعي إلى أن “تقلص مداخيل العملة الصعبة سينتج عنه ضغط على الدينار وهو ما سيتسبب في تدهور قيمته مما يساهم في عودة التضخم”.

مروان العباسي: لا يمكن إنعاش الاقتصاد دون استئناف نشاط الطاقة
مروان العباسي: لا يمكن إنعاش الاقتصاد دون استئناف نشاط الطاقة

وتتعالى الأصوات داخل الأوساط الاقتصادية في تونس المنادية بتغيير المنوال الاقتصادي وقال الخبير في هذا السياق “يجب منح هذا المطلب حقوقه بتوفير الأرضية المناسبة لتفعيله وذلك بالقطع مع التنافسية التي تسببت في خفض كلفة اليد العاملة لأنها رسخت أنشطة اقتصادية دون قيمة مضافة”.

وشدد على “اعتماد سياسة جديدة على المدى المتوسط لإعادة الأجور إلى حقيقتها وتحسينها وإعادة ضبط الأسعار عبر رفع الدعم، الأمر الذي سيمكن الفاعلين الاقتصاديين من التأقلم وزيادة الاستثمارات على قواعد مستدامة”.

ويشكل بند رفع الدعم الذي كان من بين مطالب الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي من أكثر الملفات الشائكة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل صاحب النفوذ القوي في البلاد (أكبر منظمة عمالية)، حيث يرفض الاتحاد المساس بالدعم ما يجعل هذه المهمة صعبة نظرا لأنها ستصطدم لا محالة برفض شعبي كبير.

ودعا محمد علي المنقي إلى إعادة سلطة الدولة حتى تتمكن من السيطرة على سياساتها، مبينا أن الأفكار والبرامج موجودة، ولكن التنفيذ ضعيف، مثل ملف الاقتصاد الموازي الذي ينخر جسم الاقتصاد وموارد الدولة ولم يتم استيعابه أو تنفيذ الخطط الكفيلة باستقطابه للسوق الرسمية.

وتجمع آراء الخبراء والمتابعين للشأن التونسي على أن عدم الاستقرار السياسي وتداعيات الإغلاق بسبب كورونا يقللان من فرص إنعاش الاقتصاد التونسي ويفاقمان من التحديات، في وقت تظهر المؤشرات حالة من عدم اليقين تسببت في تراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية ما يراكم جبل الخسائر.

وتسعى تونس إلى تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة إلياس الفخفاخ بسبب اتهامات بتضارب المصالح التي وُجهت إلى رئيس الحكومة المستقيل.

وتشهد تونس توقفا في إنتاج النفط والغاز بحقول الجنوب التونسي، بفعل تواصل اعتصام الكامور (محافظة تطاوين جنوب البلاد)، وتعطل إنتاج الفوسفات بمحافظة قفصة ما أزم الوضع الاقتصادي الذي يعاني أصلا إشكاليات لا حصر لها.

ويرى خبراء أنه في حال تواصل تعطل الإنتاج فإن البلد يتجه نحو خطر محدق بنفاد إمدادات الغاز عن محطّات الإنتاج الكهربائي التي تعتمد بشكل شبه كلّي على الغاز الطبيعي لتزويد البلاد بالكهرباء، وذلك بالتزامن مع فترة الصّيف التي يصل فيها الاستهلاك إلى مستويات قصوى.

وحسب أحدث بيان للبنك المركزي التونسي، تقدر احتياطات تونس من العملة الأجنبية بنحو 136 يوم توريد بتاريخ 27 يوليو 2020، والذي توقع أن يشهد النمو خلال السنة الحالية انكماشا حادا بحوالي 6.5 في المئة مدفوعا بتراجع نشاط جل القطاعات لاسيما الصناعات الموجهة للتصدير وكذلك السياحة والنقل وبدرجة أقل الصناعات غير المعملية.

اقرأ أيضاً: الخسائر تهدد قطاع السكك الحديدية في تونس

11