شكوك تحاصر خطط القاهرة لمنع "الأوفر برايس" على أسعار السيارات

زيادة الطلب على "الأوفر برايس" وانخفاض العرض وتقلص الإنتاج عالميا تقوض معالجة الأزمة.
الاثنين 2021/11/15
نحن محاصرون الآن ولا مفر لنا

شكك خبراء في قدرة السلطات المصرية على تطبيق خطط منع "الأوفر برايس" بعد أن ألزمت معارض وشركات السيارات بالإعلان عن أسعارها بدءا من الاثنين لضبط السوق والقضاء على ظاهرة تفشّت بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

القاهرة- بدأت الحكومة المصرية معركة التصدي لارتفاع أسعار السيارات بسبب “الأوفر برايس” وألزمت معارض السيارات بتثبيت ملصق على الزجاج الأمامي للمركبة يتضمن سعرها شاملا الضريبة ومواصفاتها ومدونا عليه أيضا الطراز وبلد المنشأ والفئة والكماليات.

ويُعرف “الأوفر برايس” بأنه قيمة الأموال التي يضيفها الموزع أو المعرض على السعر الرسمي مقابل البيع الفوري، ويلجأ المشتري إلى دفع الأموال هربا من الانتظار لمدة قد تصل إلى 6 أشهر لاقتناء السيارة مع احتمال ارتفاع سعرها.

وحذر جهاز حماية المستهلك من توقيع غرامة على الكيانات التي تخالف الضوابط الجديدة تناهز 128 ألف دولار أو مِثلَي قيمة المنتج محل المخالفة فضلا عن تثبيت الملصق على كل السيارات المعروضة للبيع سواء الجديدة أو المستعملة.

علي توفيق: المعارض تتلاعب بقرارات الحكومة وتتفنن في خداع المستهلكين

وتأتي الخطوة ضمن سياق اقتصادي عام باعتبار الظاهرة تهربا ضريبيا، إذ يتم تحصيل أموالها في الخفاء بعيدا عن أعين الحكومة، ومن ثم تدخل ضمن دائرة اقتصاد الظل، ما يتنافى مع سياسات السلطات الرامية إلى ضم القطاع غير الرسمي لمواجهة التهرب الضريبي وزيادة حصيلة الضرائب.

ويهدف القرار إلى منع الاستغلال الذي يتعرض له المستهلك عند شراء سيارة جديدة من قبل المعارض، لكنه لا يتمكن من تقديم شكوى لعدم قدرته على إثبات ما يدين التاجر، إذ يتم التفاوض على تحصيل قيمة “الأوفر برايس” بطريقة ودية، ولا يزال ذلك عقبة تعرقل نجاح الخطة المستحدثة.

وخلّفت أزمة نقص الرقائق الإلكترونية في دول كثيرة ضغوطا على الإنتاج، ما دفع المصنعين العالميين إلى منح أولوية التوريد للأسواق الكبيرة لضمان تحقيق الأرباح، فتراجعت حصة السوق المصرية باعتبارها محدودة في استيراد السيارات.

ووفقا لموقع وورلد توب إكسبورت المختص برصد حركة الاستيراد والتصدير للسيارات حول العالم، تحتل مصر المرتبة السادسة في المنطقة العربية الأكثر استيرادا للسيارات بقيمة 2.2 مليار دولار سنويا قبل الجائحة بعد كل من السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان والمغرب.

وترتب على الأزمة هبوط حصة العلامات الأوروبية والأميركية في السوق خلال النصف الأول من 2021 بنحو 22.6 و6.1 في المئة تواليا، بينما ارتفعت الحصة الصينية بنحو 22 والمجمعة محليا 61 في المئة وفق بيانات مجلس معلومات سوق السيارات (أميك).

وبلغت مبيعات المركبات بمصر شاملة المركبات الصغيرة والشاحنات خلال النصف الأول من هذا العام 138 ألف وحدة، مقابل 90 ألف وحدة على أساس سنوي.

وتصاعدت الظاهرة بقوة في البلاد منذ يونيو الماضي، لكن جهاز حماية المستهلك أكد أنها ستختفي العام المقبل، ويوجد نحو 41 ألف معرضا للسيارات، وسيتم إلزامها بلا استثناء بالإجراءات الجديدة التي تضمن حقوق المستهلك.

وتراوحت قيمة “الأوفر برايس” على أسعار السيارات بالبلاد بين 960 دولارا و64 ألف دولار حسب ماركة وموديل المركبة، إذ تصدرت سيارة بي.أم.دبليو إكس 6 القيمة الأعلى ثم فولكسفاغن تيغوان بـ7.6 ألف دولار، ونحو 4 آلاف دولار على كيا سبورتاج وغيرهما، بينما القيمة الأدنى كانت من نصيب رينو كادجار الجديدة.

أسامة أبوالمجد: الموزعون هم سبب تفشي ظاهرة زيادة الأسعار وأرباح التجار ضئيلة

وأكد علي توفيق رئيس رابطة مصنعي السيارات في مصر أن القرار الجديد لن يحد آثار من الظاهرة على أسعار السيارات، وأنه غير واقعي ولن تلتزم به الشركات والمعارض بل تتلاعب بخطط الحكومة وتتحايل عليها عبر أساليب تُجبر المشتري على الشراء بـ“الأوفر برايس”.

وقال لـ“العرب” إن “المعارض تنفذ القرار بشكل صوري فقط، حيث تقوم بتثبيت ملصق وهمي خوفا من التعرض للعقوبة التي فرضتها الحكومة على المخالفين، وتتفنن في خداع المستهلك الذي يقرر شراء السيارة”.

ودلل توفيق على ذلك بأن المعارض ستقوم بإزالة الملصق ووضع آخر مدونا عليه سعر أعلى بداعي أن أسعار اليوم شهدت ارتفاعات جديدة.

وتخضع سوق السيارات لآليات العرض والطلب، خاصة في ظل قلة الإمدادات بالمركبات الجديدة من الخارج بسبب تراجع معدلات الإنتاج العالمية نتيجة الجائحة وأزمة الرقائق الإلكترونية، وزيادة تكاليف النقل بشكل غير مسبوق، وتزامن ذلك مع ارتفاع الطلب مقارنة بالعرض في السوق المحلية، ما يعد أحد أسباب الزيادة في الأسعار.

ويلعب تريث المستهلك وعدم الاندفاع نحو شراء السيارات حاليًا واللجوء إلى سلاح المقاطعة والعودة مجددًا إلى حملة “خليها تصدي” التي انطلقت قبل ثلاثة أعوام كإشارة إلى رفض الشراء، دورًا حاسمًا في كبح جماح الزيادة في أسعار السيارات في السوق المصرية.

وأوضح البعض من الخبراء أنه لن يترتب على قرار جهاز حماية المستهلك في مصر خفض أسعار السيارات قريبا بسبب غياب المنافسة وتراجع المعروض، ومن ثم تظل أسعار السيارات آخذة في الازدياد خلال الفترة المقبلة.

ومن التوقع أن تستمر ظاهرة “الأوفر برايس” لأن التجار والموزعين يرفضون الإقدام على بيع السيارات بالأسعار القديمة خشية التعرض للخسائر، ومن أجل استمرار نشاطهم في السوق بحجة أنهم يشترون الفئات الجديدة بأسعار مرتفعة.

وأشار أسامة أبوالمجد رئيس رابطة تجار السيارات في مصر إلى أن التجار ملتزمون بقرار الحكومة، وأن موزعي السيارات هم سبب انتشار الظاهرة بالاتفاق مع الوكلاء.

وقال لـ”العرب” إن “الأيام المقبلة ستكشف اللاعب الرئيسي في تفشي الظاهرة، فالتاجر يقوم بشراء السيارة من الموزع ويقوم ببيعها بهامش ربح بسيط”.

أزمة نقص الرقائق الإلكترونية خلفت في دول كثيرة ضغوطا على الإنتاج، ما دفع المصنعين العالميين إلى منح أولوية التوريد للأسواق الكبيرة لضمان تحقيق الأرباح، فتراجعت حصة السوق المصرية

ولا تعبر الفواتير الرسمية لدى التجار عن الأسعار الحقيقية للسيارات بسبب الأموال التي يتم تحصيلها سرًا ولا تُثبت في الفواتير عبر حلقات البيع المتعددة والتي تشمل الوكلاء والموزعين والتجار، إذ يدفع الموزع للوكيل أموالاً إضافية لسرعة الحصول على حصص من الموديلات المختلفة، ويدفع التاجر للموزع ثم تنتهي بدفع المستهلك للتاجر أيضًا للشراء الفوري.

وذكر أبوالمجد أن القرار الجديد يحد من الظاهرة قليلا لكنه غير ناجع في مواجهتها بسبب تعدد أسباب انتشارها في مصر بين المتغيرات الدولية التي تشهدها صناعة السيارات وزيادة الطلب المحلي، لافتًا إلى أن “الأوفر برايس” ينتشر في دول عديدة مع اختلاف المسميات مثل السوق السوداء أو الموازية لبيع المركبات.

10