شعار "ارحل" يتوّج مسار التصعيد النيابي ضد الحكومة الكويتية

الوضع السياسي في الكويت يسير نحو مزيد من الانسداد في ظل إصرار المعارضة على التصعيد ضدّ حكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح وصولا إلى مطالبتها بالرحيل، بينما تبدو خيارات الحلّ محدودة بما في ذلك الخيار التقليدي المتمثّل في إبطال البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، حيث لن تفضي أي انتخابات قد تجرى في أمد منظور سوى لمزيد من هيمنة المعارضة على البرلمان.
الكويت – قطعت المعارضة البرلمانية الكويتية خطوة جديدة نحو التصعيد ضدّ حكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح بإعلان رغبتها في إسقاطها من خلال رفعها شعار “ارحل” في وجه الحكومة خلال جلسة برلمانية جديدة تمّ تعطيلها.
وتحوّلت الخلافات التي نشبت بين السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ أول جلسة للبرلمان ذي الأغلبية المعارضة والذي تمخضت عنه انتخابات شهر ديسمبر الماضي، إلى هوةّ عميقة يصعب ردمها جرّت وراءها أزمة سياسية مستعصية عن الحلّ.
فالاستمرار في حالة الانسداد وتعطيل جلسات البرلمان وبالتالي سنّ التشريعات واتّخاذ القرارات غير ممكن في ظل الظرف الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا والتعقيدات المالية والاقتصادية المترتبة عليها والناتجة أيضا عن تذبذب أسعار النفط، وقطع المسار بإبطال البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرّة قد لا تزيد المشكلة إلا تعقيدا في ظل توقّعات شبه مؤكّدة بفوز المعارضة مجدّدا في الانتخابات.
وجاءت جلسة الثلاثاء بعد أول انتخابات جزئية أجريت لسدّ الشغور الناتج عن إبطال المحكمة الدستورية عضوية النائب المعارض بدر الداهوم، وأسفرت عن نتيجة هي بمثابة إنذار شديد للحكومة بشأن قوة المعارضة وذلك بتحقيق النائب المعارض عبيد الوسمي لفوز ساحق حيث حصل على حوالي ثلاثة وتسعين في المئة من الأصوات الانتخابية، بينما تقاسم منافسوه الـ14، السبعة في المئة المتبقية.
وقال النائب المعارض صالح المطيري الذي رفع الثلاثاء تحت قبّة البرلمان الكويتي لافتة كتب عليها “ارحل” إنّ “ما قمنا به ليس غوغائية بل رسالة مفادها ارحل. والاحتجاج السلمي يختصر بكلمة ارحل يا رئيس الوزراء”، مضيفا “عدم حضور الحكومة رسالة ويرد عليها برسالة وهي أن الكويت تستحق الأفضل”.
وعرقل نواب من المعارضة الكويتية عازمون على استجواب رئيس الوزراء أعمال جلسة البرلمان التي كانت مقررة الثلاثاء باحتلالهم مقاعد الحكومة في مجلس الأمّة، في جولة جديدة من التصعيد بين الحكومة المعينة والبرلمان المنتخب.
وأعلن رئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم رفع الجلسة بعدما أبلغته الحكومة برفض الحضور بسبب تواجد النواب على مقاعدها، وهي الحادثة الثانية من نوعها على التوالي في نحو شهر ما تسبب في توقف الجلسات.
ولجأ النواب المعارضون إلى هذه الطريقة لإجبار رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد على الصعود إلى منصة الاستجواب، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء. وأعلن 26 نائبا الاثنين على حساباتهم على تويتر أنه “لا جلسة إلا بصعود رئيس مجلس الوزراء منصة الاستجواب”.
وكان البرلمان قرر في مارس الماضي تأجيل الاستجوابات الحالية والمستقبلية لرئيس الحكومة حتى نهاية 2022 في جلسة قاطعها عدد من النواب، وهو ما أشعل السجال بين الطرفين.
وقدم ستة نواب حتى الآن أربعة استجوابات لرئيس الوزراء تتعلق بما يقولون إنها انتقائية في تطبيق القانون وعدم احترام للدستور لاسيما في المواد المتعلقة بالاستجوابات بالإضافة إلى طريقة تعامل الحكومة مع تفشي جائحة كورونا وسياستها في مواجهة الفساد وغيرها من الموضوعات الأخرى.
وعلق أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي تولى زمام الأمور العام الماضي جلسات البرلمان في فبراير الماضي في خطوة اعتبرها المحللون محاولة لتخفيف الاحتقان بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ومنح رئيس الحكومة فرصة لتشكيل حكومته بعيدا عن الضغوط.
ويؤدي الخلاف شبه الدائم بين الحكومات المتتالية والبرلمانات في الكويت إلى حل البرلمان أو تغيير الحكومة، وهو ما أعاق فرصا كبيرة للتنمية وعطل مشاريع الاستثمار في البلد الغني بموارد النفط.
وقال المحلل السياسي ساجد العبدلي إن الوضع العام مشلول والبلد متوقف على كل المستويات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، معتبرا أن حل البرلمان سيأتي بنواب “أشد شراسة” في الانتخابات القادمة وسيكون “بمثابة إذكاء للنار وصب البنزين عليها”.
وقال رئيس البرلمان في تصريح عقب رفع جلسة الثلاثاء إنه سيدعو إلى جلسة خاصة لمناقشة بعض القضايا الملحة التي طلب النواب مناقشتها. ويجب أن يقر البرلمان ميزانيات الجهات الحكومية قبل انتهاء دور الانعقاد الحالي الذي يختتم أعماله عادة في شهر يوليو.
وتساءلت صحيفة الرأي الكويتية في تقرير لها حول الأزمة السياسية القائمة في البلاد عن سرّ “الصبر الغريب الذي يصبره رئيس الوزراء على ما يجري”، و”هل هو دلالة عن عجز الحكومة وانعدام حيلتها، أم هو مؤشر على شيء ما لا يزال يطبخ خلف الأبواب المغلقة وسيؤدي إلى تغيير في المشهد، وهل هناك قرار بالاستسلام إلى رغبة كثير من النواب بحل مجلس الأمّة وخوض انتخابات جديدة، أم هو خيار قادم لا محالة ولكن توقيت هذا الخيار سيكون بعلم وإرادة الحكومة أولا وليس في الوقت الذي يفرضه النواب؟”.
كما كشفت الصحيفة عن وجود “لجنة رباعية رفيعة (عبارة عن خلية أزمة) تدرس الاحتمالات وتتخذ القرارات”، موضحة أن هذه اللجنة الحكومية غير الرسمية مشكّلة من رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ووزير العدل رئيس ديوان رئيس الوزراء، وأنّها وراء قرار عدم حضور الحكومة لجلستي البرلمان الأخيرتين.
وقال الخبير الدستوري الكويتي محمد الفيلي إن الجلسات الخاصة قد تمثل مخرجا للسلطتين التشريعية والتنفيذية “لكن التعويل عليها لن يحل الاحتقان السياسي”، معتبرا أنّه “بدون إحساس الطرفين أنهما خاسران لن يكون هناك تحرك لنقطة الوسط”.
ورغم أن أمير الكويت له الكلمة النهائية في شؤون البلاد داخليا وخارجيا إلا أنّ دستور البلاد يمنح البرلمان سلطات واسعة أهمها إقرار القوانين أو عرقلتها كما يمكن لأي نائب في البرلمان استجواب رئيس الحكومة أو أي من الوزراء.
وقال الأكاديمي الكويتي سعد بن طفلة إن الوضع السياسي الكويتي كله وصل إلى طريق مسدود وليس فقط العلاقة بين الحكومة والبرلمان. وطالب “بمراجعة شاملة للمسيرة الديمقراطية الدستورية في الكويت”.
وقال “إن الحالة السياسية في الكويت كي تسير بلا انسداد تتطلب توافقات، وهذه التوافقات غائبة عن المشهد الآن، ولا مخرج إلا بتدخل سمو الأمير بأن يكون هناك حوار عام لمصالحة وطنية عامة تخرجنا من هذه الانسدادات”.