شركات البيئة والبستنة: وظائف وهمية تؤرق حكومة بودن

الحكومة التونسية تختار إدماج الموظفين في مشاريع اقتصادية فعلية.
الخميس 2022/08/25
البطالة أبرز المشاكل التي تواجه الشباب التونسي خلال السنوات الماضية

تعمل السلطات التونسية على مواجهة ملف "الوظائف الوهمية" التي تبنتها الحكومات السابقة لامتصاص البطالة ومواجهة الغضب الشعبي بعد الثورة، بما فيها شركات البيئة والبستنة، لكن في المقابل على حكومة بودن إيجاد مشاريع اقتصادية حقيقية لإدماج الشباب.

تونس - باتت شركات البيئة والبستنة التي اعتمدتها الحكومات السابقة كحلول ترقيعية لامتصاص البطالة والغضب الشعبي بعد 2011، حجر عثرة أمام السلطات التي وجدت نفسها أمام حتمية مراجعة ما يسمى بـ"الوظائف الوهمية" ومعالجة هذا الملف الشائك.

ويتساءل متابعون للشأن التونسي عن كيفية تعامل السلطات مع من تم انتدابهم بطرق "عشوائية" لشراء السلم الاجتماعي آنذاك، فضلا عن إمكانية النظر في وضعيتهم الاجتماعية والشغلية التي استنزفت الخزينة العامة للدولة دون نشاط اقتصادي يذكر.

وأعلنت رئاسة الحكومة مساء الاثنين أن وضعية شركات البيئة والغراسة والبستنة والتحديات والصعوبات التي تواجهها في كل الجهات المعنية، كانت محور جلسة عمل وزارية انعقدت بالقصبة برئاسة نجلاء بودن.

وأفادت رئاسة الحكومة في بلاغ صادر عنها نشرته بصفحتها على موقع فيسبوك، بأن الجلسة "تطرقت أيضا إلى سبل تطوير نشاط هذه الشركات عبر وضع برامج وآليات عملية من شأنها خلق الثروة وانصهارها في الدورة الاقتصادية”، مشيرة إلى أنه "تم الاتفاق على رزنامة جلسات لمتابعة مكوّنات هذه البرامج ونشاط هذه الشركات لتحقيق الأهداف المرجوة".

المنذر ثابت: يمكن إدماج المنتفعين في مجالات اقتصاد حقيقي وواقعي

وتأتي الجلسة الوزارية تزامنا مع تنفيذ عدد من عملة شركة البيئة والغراسات والبستنة بمحافظة قبلي (جنوب) وقفة احتجاجية أمام المدخل الرئيسي لمقر الولاية، وإشعال الإطارات المطاطية ورفع شعارات تنادي بالإسراع بتسوية وضعيتهم المهنية وسداد رواتهم، وإثر تعرض المعتصمين بالمدخل الغربي لمدينة قبلي وبمنطقة العرقوب جنوبي مدينة دوز لمحاولتي دهس متتاليتين خلال الأسبوع الماضي من قبل شاحنات نقل محروقات، وفق ما أكد الهادي لحمر الكاتب العام للنقابة الأساسية لكوادر وعمال شركة البستنة.

وأوضح لحمر لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أنه "تمت انطلاقا من اليوم (الثلاثاء) العودة لمنع شاحنات نقل المواد البترولية والمعدات من الوصول إلى حضائر الإنتاج غربي مدينة الفوار، بالموازاة مع التحركات الاحتجاجية أمام مقر الولاية والاعتصامات التي تنفذ بمفترق معهد الدراسات التكنولوجية بقبلي ومنطقة العرقوب جنوبي مدينة دوز".

وأشار إلى أن "التحرك يأتي للضغط على السلطات الجهوية والمركزية من أجل الإسراع بإيجاد تسوية نهائية لملف شركة البيئة والغراسات والبستنة، ولصرف رواتب العملة المتخلدة لدى الشركة منذ أكثر من أربعة أشهر، وتوفير الاعتمادات الكافية التي تمكنها من تنفيذ برنامجها الوظيفي".

وكان الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي قد دعا في الخامس عشر من أغسطس الجاري السلطة المركزية “إلى فتح حوار جدي في القريب العاجل معه، من أجل رواتب العمال كاملة غير منقوصة وتسوية وضعياتهم تسوية نهائية"، مشددا على "استعداده التام للذّود عن منظوريه بكل الوسائل النضالية القانونية، بما في ذلك الإضراب العام الجهوي".

ويقول مراقبون سياسيون إن الدولة غرقت في الانتدابات العشوائية منذ 2011 في إطار الترضيات، بتقديم وظائف كمسكّنات للمحتجين المطالبين بالتشغيل والتنمية، وسط دعوات إلى ضرورة تغيير طبيعة تلك الوظائف وأنشطتها.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأنه "تم اعتماد شكات البيئة والبستنة كحل ترقيعي في إطار الالتزامات التنموية لثروات ما تحت الأرض (النفط والفوسفات)، ووجود هذه الشركات ليس بالجديد، بل تكمن المشكلة في أن هذه الوظائف هل هي منتجة أم وهمية؟".

وقال لـ"العرب"، "ما مورس بعد 2011 كان في إطار مسكّنات للحراك الاجتماعي المطالب بالتنمية، والمفروض يتم تحويل هذه الوظائف إلى وظائف فعلية، وتوجيه المنتفعين إلى مجالات ذات صلة، على غرار البيئة والفلاحة، فضلا عن تهذيب مداخل المدن والمناطق الصناعية".

عزالدين سعيدان: 140 ألف وظيفة وهمية تعتبر ممارسات يعاقب عليها القانون

وتابع ثابت “يمكن حل المشكلة بطريقة مرنة، عبر التشجير للحدّ من الاحتباس الحراري، والأراضي العمومية يمكن أن تتحول إلى مجال لنشاط هؤلاء وتحويل تلك الأراضي القاحلة إلى مصدر للرزق، كما يمكن إدراجهم في إطار تكوين مهني أو تقني أو مجالات يمكن أن تكون منتجة وتكوينهم وفق تلك الأنشطة، ومعالجة هذا العدد من العمال حالة بحالة". واستطرد "يمكن إدماجهم في مجالات اقتصاد حقيقي، وهذا من مشمولات الدولة، والحكومة اليوم مطالبة بوضع برنامج خاص لهؤلاء".

ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الوظائف عمّقت أزمات المالية العمومية وكبّلت الاقتصاد التونسي، لكونها وظائف دون جهد بدني أو فكري. وقال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان "هذه الوظائف جاءت في إطار ما سمي بشراء السلم الاجتماعي، ولكن السلم لا يباع ولا يشترى، بل يبنى بالثقة والصدق والمشاريع التنموية الحقيقية والاهتمام بالمجالات الاقتصادية، خصوصا منها الفلاحة".

وصرّح لـ"العرب" بأن "هناك عدّة مآزق بعد 2011 بسبب تلك الوظائف الوهمية، وأوّلها مأزق المالية العمومية وما تنفقه الدولة سنوات على هؤلاء، وثانيها مأزق ثقافي، لأننا خلقنا في تونس ثقافة جديدة تسمى بمصدر رزق دون نشاط أو جهد". وتابع سعيدان "هذه الوظائف ساهمت في استقطاب اليد العاملة من دول جنوب الصحراء بطريقة غير مباشرة عبر ثقافة التواكل، وفي تونس هناك أكثر من 100 ألف مهاجر من تلك الدول".

وقدّر الخبير الاقتصادي عدد الوظائف الوهمية (البيئة والبستنة) بـ”حوالي 140 ألف وظيفة، وهي في بلدان أخرى ممارسات يعاقب عليها القانون". وسبق أن كشف كاتب عام الجامعة العامة للنفط والمواد الكيمياوية محمد البرني خميلة في تصريح صحافي أن "المجمع الكيميائي يسجل عجزا سنويا يقدر بـ250 مليون دينار (78.48 مليون دولار)، منها 130 مليون دينار (40.81 مليون دولار)، لخلاص الوظائف الوهمية في شركات البيئة".

وقال الخبير في مجال الطاقة ووزير الطاقة الأسبق خالد بن قدور إن "الدولة قامت بخلق ما يزيد عن 20 ألف وظيفة وهمية لوقف التحركات الاجتماعية المطالبة بالعمل في الشركات البترولية والمجمع الكيميائي عبر بعث شركات بستنة".

وأوضح بن قدور أن "العامل في هذه الشركات يتقاضى منحة بـ900 دينار (282.53 دولارا) دون القيام بأي عمل، أي ما يكلف الدولة حوالي 240 ألف دينار (75.34 ألف دولار) سنويا دون خلق الثروة، وهو ما من شأنه أن يقود إلى تقاسم الفقر". وتشير الأرقام الرسمية إلى أن معدلات البطالة بلغت 16.1 في المئة، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد.

4