شخصيات مغمورة وأخرى خسرت شعبيتها تترشح للانتخابات الرئاسية التونسية

تتطلع شخصيات سياسية تراجعت شعبيتها في الشارع التونسي وتآكل خزانها الانتخابي، للعودة إلى كرسي السلطة من بوابة منصب رئاسة الجمهورية، وهو ما اعتبره مراقبون هدفا صعب المنال، في ظل “غياب” برامج واضحة للمترشحين تقنع الناخبين من جهة، وتمتع الرئيس قيس سعيد بشعبية واسعة قد تمكنه من تقلد ولاية ثانية إذا ما أعلن ترشحه رسميا لخوض الاستحقاق من جهة ثانية.
تونس - قررت شخصيات سياسية “مغمورة” وأخرى فقدت شعبيتها في الشارع، تقديم ترشحها للانتخابات الرئاسية التونسية، المزمع إجراؤها بين شهري سبتمبر وأكتوبر المقبلين.
وطرحت هذه الخطوة، تساؤلات لدى الأوساط الشعبية والحقوقية في البلاد، بشأن ما يمكن أن تقدمه تلك الوجوه السياسية التي نال معظمها مناصب سيادية في حكومات ما بعد ثورة 2011، من إصلاح وتغيير يرنو إليه التونسيون أكثر من أي وقت مضى.
وتعتقد الشخصيات السياسية التي قررت ترشحها – بشكل غير رسمي إلى حد الآن -، أنها ترى في نفسها القدرة على تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي وخصوصا المعيشي للفئات الضعيفة، بقطع النظر عن تبنيها لبرامج واضحة المعالم والأهداف.
ولم يفتح إلى حدّ الآن، باب الترشحات رسميًا للانتخابات الرئاسية المرتقبة في تونس، من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ولكن من المنتظر وفق ما أعلنت عنه الهيئة سابقًا، أن تُجرى الانتخابات الرئاسية بين موفّى سبتمبر وأكتوبر القادمين.
في المقابل، أعربت عدة أسماء معروفة في المشهد العام التونسي، بشكل غير رسمي عن نيتها الترشح لهذه الانتخابات الرئاسية.
وقرر حزب الائتلاف الوطني التونسي ترشيح رئيسه ناجي جلول للانتخابات الرئاسية المقبلة. وتقول مصادر من داخل الحزب، إن القرار يأتي عقب تزكيته من قبل هياكل الحزب خلال أشغال مؤتمره الثاني، مرشحا عنه في السباق الرئاسي المقبل.
وأفاد ناجي جلول، “كل بلد لديه شخصيات سياسية، ولا ديمقراطية دون أحزاب”، قائلا “أملك مشروعا سياسيا، وأعتبر أنني أولى شخص برئاسة الجمهورية من منطلق تجربتي السياسية في الجامعة ثم في حزب حركة نداء تونس ونجاحي في إدارة وزارة التربية منذ سنوات، فضلا عن تكويني المعرفي والأكاديمي”.
وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “أملك حظوظا وافرة في الفوز بالسباق الانتخابي، ولولا ذلك الرصيد من الثقة لما قدمت ترشحي لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
وتابع ناجي جلول “لدينا مئة إجراء، وأتعهد بالزيادة في الأجر الأدنى المضمون، إلى مبلغ ألف دينار تونسي، وإدماج الاقتصاد الموازي ضمن منظومة الاقتصاد الوطني، فضلا عن إلغاء الرخص والزيادة في أجور المدرسين إلى مبلغ ألفي دينار، إلى جانب مراجعة النظام البنكي ومنع تصدير المواد الأولية نحو الخارج”.
ويعتبر متابعون للشأن التونسي، أن الفئات الشعبية لفظت منظومة الأحزاب برموزها وشخصياتها السياسية التي استنفذت رصيدها خلال السنوات الماضية، وأصبحت من الصعب جدا عليها استعادة ثقة الشعب، بعدما تنكرت لوعودها وأهملت مشاغل الفئات، مقابل الانشغال بتحقيق مصالحها الحزبية الضيقة.
ويضيفون أن الدافع الرئيسي لإعلان تلك الوجوه السياسية ترشحها، ليس اقتناعا بإمكانية نجاح برامجها السياسية والتنموية، وإنما لهوس سياسي بالتمكن من السلطة ظلّ يراودها على امتداد العشرية الماضية.
ويرى المحلل السياسي نبيل الرابحي، أن “الفرز أصبح واضحا وبين 3 منظومات، منظومة ما قبل ثورة يناير 2011، ومنظومة ما يعرف بالعشرية السوداء، ومنظومة ما بعد 25 يوليو 2021”.
وقال لـ“العرب”، “منظومتا ما قبل الثورة والإسلام السياسي، لديهما لوبيات، وهناك أنانية سياسية وتضخم الأنا وراء الترشحات الأخيرة، ولولا فترة حكم العشرية السوداء، لما رأينا مرشحين الآن”.
وتابع الرابحي “لا أعتقد أن يعود الشعب التونسي لتلك المنظومات، ويبدو أنه حسم في أمرها، ذلك أن المرشح الذي ستكون له حظوظ كبيرة في الفوز بالانتخابات الرئاسية والأوفر حظا هو الرئيس قيس سعيد”.
وأكدت شخصيات سياسية نيّتها الدخول في غمار تجربة الانتخابات الرئاسية بشكل رسمي.
الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد ألمح إلى أنه سيترشح لولاية رئاسية ثانية، وأكد أنه لن يتراجع قيد أنملة عن مساره
وتعد تلك الشخصيات مألوفة بالنسبة للشعب التونسي، منها من خاض تجربة برلمانية في السنوات الماضية على غرار الكاتب، الصافي سعيد، الذي تقلّد منصب نائب في البرلمان في انتخابات 2019 التشريعية عن القائمة المستقلة “نحن هنا”.
وترشّح لهذه الانتخابات الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، الذي قال إن ترشحه يأتي في سياق “تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتراجع مكانة الوطن وإشعاعه بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الناشط السياسي، نزار الشعري، الذي قال في بيان، إن برنامجه الانتخابي سيرتكز على 3 أهداف وهي تركيز المحكمة الدستورية وتعديل الدستور بما يضمن التوازن والرقابة بين السلطات، وإلغاء المرسوم 54، وإصدار “صلح الحقوق والحريات”.
كما ترشح أيضا الوزير السابق في نظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، المنذر الزنايدي، الذي أعلن من مكان إقامته في فرنسا أنه سيخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنه يثق في قدرته على “تحسين الأوضاع” و”المساهمة في الإنقاذ” رفقة مجموعة من الكفاءات الوطنية.
وقال الزنايدي، الذي واجه سابقا تهما بالفساد، إن رؤيته لإصلاح الدولة والمجتمع ستأخذ بعين الاعتبار التطورات العالمية الجيوسياسية والاقتصادية، وأنه سيُولي الأولوية المطلقة للجانبين الاقتصادي والاجتماعي وردّ الاعتبار للمؤسسة القضائية. ومن بين الأسماء الأخرى المترشحة، رئيسة حزب الجمهورية الثالثة، ألفة الحامدي، التي قد تواجه احتمالية الإقصاء من هذا السباق الانتخابي بسبب سنها الذي يقل عن 40 عاما، وهو ما يتعارض مع السقف الأدنى للعمر الذي حدده دستور 2022.
ويضاف إلى تلك الأسماء، الرئيس الحالي، قيس سعيد، الذي ألمح إلى أنه سيترشح لولاية ثانية، وأكد في تصريحات سابقة أنه “لن يتراجع قيد أنملة عن مساره، ولن يسلّم الوطن لمن قاموا بتخريبه ولمن لا وطنية لهم”.
وأكد الناشط السياسي حاتم المليكي، أن “الانتخابات جعلت للناخبين كل فترة معينة حتى يختارون من يرونه أنسب لتمثيلهم في السلطة، والشعبية في الشارع يعطيها المواطنون، لكن لابد من ضمان ظروف طبيعية لإجراء الانتخابات”.
وأوضح لـ“العرب”، “كل مترشح سيضع نفسه أمام الناخبين وعلينا أن نؤمن بإرادة الشعب بشكل ديمقراطي ونزيه”.
ولفت المليكي إلى أن “المحطات الانتخابية بعد 2011 أكدت أن الكلمة الفصل تعود دائما للشعب”.
وكان الرئيس سعيد انتخب في 13 أكتوبر 2019 لعهدة من 5 سنوات، وفاز بأغلبية واسعة من الأصوات فاقت 70 في المئة ضد منافسه نبيل القروي في الدور الثاني.
وعلى الرغم من عدم إعلان رغبته في الترشح لولاية ثانية، تتصاعد أصوات شعبية تطالب الرئيس الحالي قيس سعيد بالترشح لعهدة رئاسية ثانية في مسعى لاستكمال مشروعه السياسي المدعّم بإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وفي وقت سابق، أثار إعلان هيئة الانتخابات في تونس عن إضافة شروط جديدة لكل من يرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها الخريف المقبل، جدلا سياسيا وحقوقيا في الأوساط المحلية بين رافض ومؤيد للإجراءات.
وأمضت مجموعة من النشطاء والشخصيات السياسية عريضة طالبوا فيها السلطة بعدم المساس بالمسار الانتخابي، من خلال إضافة معايير جديدة تغير شروط الترشح وعدم التضييق على نشاط المترشحين، على غرار تضمين البطاقة عدد 3 وشهادة إقامة في ملف المترشح واشتراط التعريف بالإمضاء لتزكيات المترشح العشرة آلاف.