شبح الاغتيالات السياسية يثير المخاوف في تونس

فاقم خطاب الكراهية والتحريض المستشري في البرلمان التونسي منسوب المخاوف من عودة البلاد إلى مربع الاغتيالات السياسية التي عرفتها زمن حكم الترويكا، فيما يحذر مراقبون من مغبة الاستخفاف بمثل هذا الخطاب الذي يضع التونسيين في مفترق طرق لا يمكن التكهن بعواقبه.
تونس – عاد شبح الاغتيالات السياسية ليخيم على الشارع التونسي بعد تعرض رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر بالبرلمان عبير موسي إلى تهديدات بالتصفية الجسدية قالت إنها نابعة من خصومها السياسيين، ما دفع بوزارة الداخلية التونسية إلى تمكينها من حماية أمنية درءا لسيناريو الاغتيالات التي عصفت بالبلاد سنة 2013 وراح ضحيتها السياسيان المعارضان شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
ويتقاسم من تعرضوا للتهديد بالقتل صفة نائب بالبرلمان التونسي، فقبل موسي كان النائبان عن حركة الشعب زهير المغزاوي وسالم الأبيض والنائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو في مرمى التهديدات، بحسب ما كشفت وزارة الداخلية.
واعتبر المغزاوي في تصريح لـ”العرب” أن “الإرهاب يستهدف كل شخص أو طرف يشكل خطرا عليه”، مشددا على أن “التهديدات التي يتعرض لها سياسيون من مختلف التوجهات دليل على أن المعركة ضد الإرهاب لا تزال متواصلة”. وأوضح أن “المعلومات عن وجود تهديدات بالاغتيال كانت مصدرها السلطات الأمنية التي استقت المعلومات بعد إلقاء القبض على مجموعات أو أفراد أو من خلال المعطيات التي تم تجميعها خلال عملها”.
وحذر أمين عام حركة الشعب من “خطورة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لحركة النهضة أو الداعمة لها والتي تحرض على تكفير الخصوم”، معتبرا أن هذا الأمر يوفر للإرهاب الأرضية الخصبة التي يحتاجها ليستعيد نشاطه.
وتمت دعوة رئيسة الحزب الدستوري الحر للمثول أمام فرق التحقيقات المختصة التي أعلمتها، بحسب ما قالت في مقطع فيديو نشرته الصفحة الرسمية لحزبها على موقع فيسبوك، بوجود “ترسانة من الوثائق” التي تثبت وجود تهديدات بتصفيتها. وتتزامن هذه التهديدات مع ارتفاع منسوب حدة الانتقادات لحركة النهضة الإسلامية خاصة زعيمها راشد الغنوشي الذي يشغل أيضا منصب رئيس البرلمان.
وقال كريم كريفة، عضو البرلمان عن الحزب الدستوري الحر، إن “التهديدات تزايدت وتسارع نسقها في الفترة الأخيرة لأنه أصبحت هناك حاضنة سياسية لها من داخل البرلمان بسبب العنف والتهديد والتشويه الذي يتعرض له الحزب وقياداته”.
وأكد كريفة في تصريح لـ”العرب” أن “هذه التهديدات ليست جديدة بل بدأت منذ أن أعلن الحزب رفضه وضع يده في ما يسميه “منظومة ربيع الخراب”، مشيرا إلى أن “تسارع التهديدات في الفترة الأخيرة سببه دكتاتورية رئيس البرلمان راشد الغنوشي”. ويعتبر الحزب الدستوري الحر من أشد المنتقدين لكيفية تسيير الغنوشي لجلسات البرلمان وأجنداته، حيث طالبت زعيمته مؤخرا بمساءلته عقب الاتصالات التي أجراها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، وهو ما وصفته بـ”الاتصالات المشبوهة مع جهات أجنبية” إلى جانب حديثها عن وجود اتفاقيات سياسية بين تونس وتركيا وقطر يراد تمريرها ملتحفة بغطاء التعاون الاقتصادي.
وكشفت موسي أن الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب قد أعلمتها بوجود “ترسانة تهديدات باغتيالها وتصفيتها الجسدية”، من داخل تونس وخارجها، تدعو إلى “ضرورة اندثارها من المشهد السياسي ومن الوجود”.
وأكدت “هذا لن يغير من المعركة الوطنية التي ترمي إلى تحرير تونس من هذه المنظومة التي في خفاياها وفي الواقع الملموس كلها عنف وإقصاء وتشكيك وتشويه وتصفية جسدية وهذا أسلوبهم لخنق الخصوم وإخراس الأصوات”.
وتدرك الأوساط السياسية والشعبية في تونس خطورة تنامي خطاب الترهيب والتخويف للشخصيات السياسية وتوجيه التهديدات بالتصفية الجسدية لها، إذ اكتوت تونس سابقا بنار هذا النوع من العنف عندما عاشت عاما دمويا في 2013 كانت حصيلته اغتيالين سياسيين راح ضحيتهما المعارض البارز شكري بلعيد والنائب في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي.
وأبدى المرصد التونسي للدفاع عن مدنيّة الدولة تخوفه من موجة التهديدات بالقتل والعودة القوية إلى خطاب العنف الذي يتربص بوجوه المعارضة والتي قال إنها “أصبحت في الفترة الأخيرة متواترة بشكل مفزع”.
واستنكر حزب قلب تونس بشدة التهديدات التي تلقتها رئيسة الحزب الدستوري الحر وقال في بيان له “من شأن هذه التهديدات أن تعود بالساحة السياسية إلى مربّع التكفير والإرهاب وتهدّد السلم والأمن العام”. وأعرب الحزب عن أسفه “لما آل إليه التمايز السياسي على الساحة من احتقان وحقد وعنف بين الفرقاء”، محذرا من “خطورة تواصل هذا الوضع على إنجاح المسار الديمقراطي”.
ودعا “الجميع إلى التعقل والهدوء والابتعاد عن أجواء التوتر والمناكفات ونبذ الانقسامات والتحلي بروح المسؤولية”. واستغرب حسين جنيح، عضو البرلمان عن حركة تحيا تونس، صمت نواب البرلمان عن التهديد الذي تتعرض له موسي وعدم قيامهم بأي ردة فعل، متسائلا عن النتيجة التي يمكن أن يولّدها الصمت على هذا النوع من التهديدات.
وأعرب محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، عن تضامن حركته “مع كل من يكون هدفا للعنف السياسي حتى وإن تناقضنا معه”. وقال مرزوق إن “هذه التهديدات تبدأ عادة بالتحريض العلني والتكفير وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي”، مؤكدا أن “الاختلاف هو روح الديمقراطية ولكن الديمقراطية لا تقوم إلا في غياب الاختلاف حول تجريم العنف”.