شباب الإخوان في مصر جبهة ثالثة تنافس لندن وإسطنبول

شباب الإخوان يناشدون شيخ الأزهر التوسط في تسوية شاملة مع النظام المصري ويتعهدون بتقديم كافة الضمانات.
الجمعة 2021/10/29
مطالبكم وصلت

القاهرة – تشكلت على وقع تطورات أزمة جماعة الإخوان المصرية وصراعات قادتها في الخارج ملامح جبهة ثالثة تُضاف إلى جبهتي إبراهيم منير في لندن ومحمود حسين في أسطنبول، ممثلة في شباب الجماعة الحانقين والساعين لحلول خارج حسابات التنظيم التقليدية.

وللمرة الثانية خلال عامين استغاث شباب جماعة الإخوان بشيخ الأزهر أحمد الطيب كي يتدخل لإنهاء معاناتهم والتوصل إلى صيغة مصالحة تخرجهم من السجون وتنقذ مستقبلهم بعيدًا عن صراعات قادتهم وعزلتهم عن الواقع الفعلي الذي بات غير قابل للجدل بشأنه ولا بديل للتعامل معه بواقعية وبالمزيد من المكاشفة والاعتراف بالأخطاء ومراجعة الأفكار والمواقف.

ودعا شباب الإخوان، في رسالتهم إلى شيخ الأزهر المؤرخة في الثاني من أكتوبر الجاري وتم الكشف عنها قبل أيام، حكماء مصر ورموزها إلى التوسط لهم لدى الدولة للعفو عنهم و”فتح صفحة جديدة متعهدين بتقديم كافة الضمانات اللازمة”.

ومناشدة شباب الجماعة شيخ الأزهر، والتي نقلتها منصات تابعة للجماعة وهي مكتوبة بخط اليد، بغرض التوسط للعفو عنهم والمصالحة ليست الأولى؛ فقد طالبوا بالأمر نفسه قبل عامين ودعوا إلى تشكيل لجنة من النخب السياسية والفكرية وممثلي الأحزاب على رأسها شيخ الأزهر ورئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وقادة الدعوة السلفية للتوسط لدى الدولة.

وللتأكيد على استعدادهم الكامل لمراجعة قناعاتهم طالب شباب الإخوان بإنشاء مؤسسة يشرف عليها الأزهر مهمتها إعادة تأهيلهم فكريًا تمهيدًا لدمجهم في المجتمع.

وقد نفت مصادر أمنية مصرية القبول بأي مصالحة مع الإخوان في الوقت الراهن، أو التجاوب مع أي رسائل من هذا النوع، والدولة غير معنية بما يتردد من اجتهادات حول رغبة الجماعة في فتح صفحة جديدة.

ونشر القيادي الإخواني هيثم أبوخليل على صفحته في فيسبوك مبادرات شبيهة من قبل هاربين في تركيا إلى قوى وشخصيات من خارج الإخوان بعد يأسهم من قادتهم، ما يعني أنهم صاروا يحجمون عن مطالبة القادة كالسابق بالتراجع خطوات إلى الوراء وإنقاذ الجماعة ومستقبل شبابها، وأصبحوا يتوجهون بمناشداتهم إلى الدولة المصرية أو إلى شخصيات معروفة ومؤثرة للتوسط.

وكشفت رسائل المناشدة الأخيرة طبيعة موقف الشباب من قادة الجماعة حيث ذكروا فيها أنهم كرروا الإلحاح عليهم في إسطنبول ولندن للتصرف بأي طريقة من أجل إنهاء معاناتهم ومعاناة أسرهم دون جدوى، وأنهم شعروا بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم عنهم وتركهم فريسة للآلام والمصاعب التي يواجهونها وأسرهم داخل السجون وخارجها، بسبب دفاعهم عن معتقدات وأفكار جماعة ثبت أنها بعيدة عن الواقع الذي يعيشه قادتها.

وعلى ضوء الانفصال والذهاب صوب الاستقلالية في القرارات والمواقف صار هناك ما يمكن اعتباره جبهة ثالثة في جماعة الإخوان ممثلة في شبابها الغاضبين والحانقين الذين يسيطر عليهم شعور بأنهم وقعوا ضحية قادة خدعوهم، وهم بين مستمر في حالة الإنكار للواقع ومستجداته وما فرضته من معطيات جديدة ومتشبث بمواقف متصلبة ورافض لتقديم تنازلات أو مراجعات شاملة بهدف حماية ما حققه من سلطة ومكاسب مادية، وهذا ينطبق على حال محمود حسين ومجموعته المعروفة بجبهة إسطنبول.

وفي المقابل يبحث آخرون عن طريقة لاستعادة الهيمنة الكاملة على الجماعة بعد تفككها وغياب بعض قادتها، مستندين إلى ما تبقى من دعم من جانب قوى خارجية، ومتنصلين من الشباب المتذمرين الشاكين بحجة قلة تحملهم وضعف همتهم وعدم استحقاقهم السير في طريق نصرة الإسلام المليء بالأشواك والصعاب، وهو ما صرح به إبراهيم منير أثناء مداخلة شهيرة له في قناة الجزيرة القطرية مؤخرا.

وتستقي جبهة الشباب قوتها -رغم عدم إعلانها في إطار واضح- من ضعف موقف جبهتي لندن وإسطنبول اللتين تتصارعان حاليا على أنقاض تنظيم مهترئ وشبه منهار، مقابل واقعية ومنطقية طروحات الشباب وإن كانوا يبادرون بها لتحقيق مصالح متعلقة بأزمتهم سواء في السجون أو في الخارج.

وترجح هذه المسألة اكتساب هذه الجبهة تدريجيًا زخمًا ونفوذًا إذا وجدت من يبلور رؤاها ويترجمها إلى مواقف عملية على الأرض ومن يقودها نحو المزيد من الاستقلال بمعزل عن صراعات الحرس القديم التي من المتوقع أن تضعفهما معًا وتحرمهما من شرعية القيادة داخل الجماعة حتى لو تمكن أحدهما من حسم الصراع لصالحه.

وعلى الرغم من محدودية مطالب شباب الإخوان وارتباطها برغبتهم في حلحلة أزمتهم الداخلية والبحث عن طريقة ناجعة لإعادة دمجهم في المجتمع وتأهيلهم نفسيًا وفكريًا وحل مشكلة المسجونين والهاربين منهم دون شروط مسبقة ووفق ما تراه الحكومة المصرية، إلا أنها تعكس إطارًا لاستراتيجية منافسة لما يتمسك به إبراهيم منير ومحمود حسين وأتباعهما.

وتكمن وراء مطالب الشباب الخاصة أفكار جوهرية مقوضة لما تتمسك به جبهتا الجماعة المتصارعتان، إذ أن الشباب رافضون لسياسات التصعيد مع الدولة ولا يطالبون بتهدئة أو هدنة فحسب إنما بتسوية شاملة وحلول نهائية لأزمة الجماعة مع النظام المصري، ما يقضي في النهاية بالاعتراف بشرعية نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي وتفكيك ما تبقى من التنظيم ودمج الخارجين منه في المجتمع.

مصادر أمنية مصرية نفت القبول بأي مصالحة مع الإخوان في الوقت الراهن، أو التجاوب مع أي رسائل من هذا النوع

ولا تمتلك قيادة جماعة الإخوان الحالية في لندن أو إسطنبول رفاهية تبني مواقف بتلك المرونة أو تقديم مثل تلك التنازلات، حيث تحرمها من دعم الرعاة في الخارج وإذا أعلنت جبهة عن تلك التنازلات اتخذت الثانية من ذلك وسيلة للطعن في شرعية الأولى وتشويه صورتها، علاوة على أن كلتيهما تفتقران لآليات الانتقال مجددًا إلى المشهد المصري والعودة إلى ما قبل 2011 ككيانات معارضة من داخل المنظومة السياسية وكخطوة في طريق الترميم وإعادة البناء التدريجي للتنظيم واستعادة بعض المفقود من الحاضنة الشعبية.

وفي حين يمتلك الشباب فرص طرح المبادرات وتقديم التنازلات وربما تنجح مناشدات الوساطة وصولًا إلى تكريس حلول لأزمتهم بعيدًا عن التنظيم وأزمته المتصاعدة وصراعات قادته، فإن هؤلاء القادة لا يستطيعون إبداء شيء من المرونة ولا يُسمح لهم من قبل الحكومة المصرية بعقد صفقات للعودة مجددًا إلى المشهد حتى ولو بزخم أقل مما كانت عليه الجماعة في أواخر حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وعبر الصيغة التي يطرحونها من خلال إمكانية قبول توبتهم وإعادة تأهيلهم فكريًا ودمجهم مجتمعيًا يستطيع شباب الإخوان الحضور بالداخل المصري حيث الثقل الشعبي والزخم الاجتماعي والثقافي والحاضنة السخية، وهي ورقة قوة يفتقر إليها قادة الإخوان من الحرس القديم في ظل عدم وجود مؤشرات من النظام المصري على قبول دعوات المصالحة مع التنظيم ما يمهد لاحتوائه ليبدأ مرحلة جديدة من إعادة البناء.

ولم يعد بوسع قادة الحرس القديم للإخوان سوى التموضع في الخارج خاصة في دول أوروبا الغربية، وهو مخطط محفوف بالتحديات بالنظر إلى صحوة الدول الغربية ضد أنشطة الإخوان، علاوة على تقلص مساحات الدعم التركي والقطري للجماعة مقارنة بالسابق، إلى جانب فقدان التعاطف الشعبي في كل الدول العربية تقريبًا، ما يقيد خيارات الحرس القديم ويجعل جبهتي إسطنبول ولندن شبه معزولتين، فيما هناك أفق وخيارات متاحة أمام شباب الجماعة انطلاقًا من المرونة التي ينتهجونها.

وفي حال تمكن إبراهيم منير من حسم الصراع على قيادة الجماعة لصالحه، وهو الأقرب لذلك بحسب توقعات المراقبين، لن تعود الجماعة إلى ما كانت عليه في السابق من قوة وحضور، حيث فشل التنظيم من خلال انتهاج كل السبل المتاحة في استعادة ما كان للجماعة من ثقل على المستوى المحلي والعربي والإقليمي، فضلًا عن أن الفائز في الصراع لن يتمتع سوى بسلطة رمزية في ضوء وجود جبهة تشكك في شرعيته وترفض قيادته، وفي ظل وجود شباب الجماعة الذين يرفضون الجبهتين معًا.

وفي متناول شباب الإخوان العديد من الأوراق المُضَافة إذا بلوروا رؤيتهم وصاغوا مبادراتهم في سياق حالة سياسية تنافس الحرس القديم، مثل امتلاك الإدانات الكافية لقادة التنظيم من اتهامات بالخيانة وتضييع الجماعة ومستقبل شبابها والمسؤولية عن الكوارث التي حاقت بهم وبأسرهم، وملفات الفساد والإثراء من أموال التبرعات والدعم الخارجي.

وسوف تلقى رواية شباب الإخوان الكثير من الدعم من القواعد ومن المترددين الذين لم يتخذوا موقفًا من الأحداث، حيث يشعر أغلب عناصر الإخوان في الداخل والخارج بأنهم ضحية قرارات قادة متهورين تسببوا في نشوب معارك لا مبرر لها مع الشعب المصري ومع مؤسسات الدولة، وزجت بهم في السجون وشردتهم خارج البلاد، ثم تنصلوا من مسؤولياتهم منشغلين بصراعات على الأموال والامتيازات.

وإذا واصل شباب الإخوان المسار المستقل الذي بدأوه متجاوزين الخروقات والتخبط الإداري والتنظيمي والصراعات على القيادة للتحكم في ملفات المال والدعم بمقدورهم إثبات أنفسهم كقوة مؤثرة حتى لو جرى حل إشكالياتهم الأمنية بصورة منفردة، أي كل حالة على حدة، عبر كشف مجموعتي منير وحسين كحالة تمثل قلة عددية تبحث عن امتيازات ونفوذ دون شرعية حقيقية ودون تمثيل حقيقي لأفراد الجماعة، إنما بما تحدثه من جلبة وفرقعات إعلامية لتبدو هي المؤثرة والفاعلة داخل الجماعة.

ويظل عامل الحسم الأهم والأقوى في هذا السياق هو موقف الدولة المصرية من جبهات الجماعة الثلاث على اعتبار شباب الجماعة جبهة ذات ثقل وتأثير، وإن لم تتبلور رؤاها السياسية بصورة نهائية، حيث فشل رهان جبهتي منير وحسين على قوى خارجية قامتا بحثّها على ممارسة ضغوط على الحكومة المصرية، وفشل الرهان على حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن أملًا في تنازل النظام بعض الشيء على وقع مطالبته بإصلاحات سياسية وإشراك مختلف القوى تحت مظلة منظومة ديمقراطية.

وعمد النظام المصري إلى الاهتمام بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ومشاريع التنمية، بجانب التركيز على الشق الحقوقي وهو ما تُوج مؤخرًا برفع حالة الطوارئ، وهذا يمكنه من التعاطي من موقع قوة وثبات على الأرض مع دعوات الخارج الخجولة غير المعلنة بشأن الإصلاحات السياسية أو قبول الإخوان مجددًا في المشهد.

وهناك فرص في هذا السياق أمام شباب الجماعة، وصدرت على مراحل العديد من قرارات العفو الرئاسي عن تائبين من شباب التنظيم، وهو ما عكس حرص الدولة المصرية على جملة من المحددات التي تأسست عليها استراتيجيتها في هذا الملف، منها التعامل مع أفراد تائبين وليس مع جماعات فلا مصالحة مع تنظيمات مارست العنف وتورطت في الإرهاب.

ويُلبي التصور الأخير الكثير من مطالب شباب الإخوان ويحقق منتهى أملهم بحل أزمتهم المستعصية مقابل الاعتراف بهزيمة الجماعة والاستسلام الكامل للأمر الواقع، ما يعني عبر نظرة أشمل سقوط فكرة الإسلام السياسي ومشروع الخلافة الأممية الذي هزته المراجعات الذاتية في وجدان الكثيرين بعد تجربة مريرة.

2