بوكو حرام وداعش يطويان الخلافات لمواجهة السلطات في نيجيريا

الجيش النيجيري يشن هجوما نوعيا على معسكرات بوكو حرام وداعش في شمال شرقي البلاد.
الثلاثاء 2025/06/10
تحالف الضرورة

القاهرة - كشفت التطورات في نيجيريا عن لجوء الجماعات المتطرفة المتصارعة إلى التنسيق الضِمْني بينها، والتوقف عن تكتيكات الانشقاقات، بهدف مواجهة الحملة الشاملة التي تنظمها الدولة لتحجيم الحالة التكفيرية.

ولم يُفرِق الجيش في رده الانتقامي الأخير بين بوكو حرام وداعش، حيث استهدف هجومُه النوعي معسكرات التنظيمين في قرية بيتا بولاية بورنو في شمال شرقي البلاد، وقتل أمير أبوفاطمة أحد قادة بوكو حرام ببلدة تقع على ضفاف بحيرة تشاد مع نائبه وعنصرين إرهابيين آخرين.

وجاء هذا الهجوم بعد تكبُد الجيش خسائر كبيرة في صفوفه، حيث قُتل العشرات من جنوده إثر هجمات من التنظيمين معًا، إذ هاجما أكثر من اثنتي عشرة قاعدة عسكرية للجيش في نيجيريا خلال شهري مايو وأبريل الماضيين.

واللافت في الهجمات التي شُنت ضد المدنيين مشاركة فرع داعش فيها لأول مرة بعد أن كانت امتيازًا خاصًا لبوكو حرام، حيث قتل التنظيمان أكثرَ من مئة مدني في شهر أبريل الماضي.

ووجد فرع داعش في نيجيريا (داعش في غرب أفريقيا) أن صراعه المُحتدِم مع بوكو حرام ينبغي أن يتوقف، مُكتشفًا أنه لم تعد هناك فائدة من إظهار التمايُز عنه بشأن عدم استهداف المدنيين ومن الترويج لنفسه على أنه أكثر اعتدالًا.

ولم يعد المنشقون من بوكو حرام ينزحون منتقلين إلى فرع داعش، إنما إلى الجيش وهيئات حكومية دشنت برنامجًا لنزع التطرف ودمج الإرهابيين السابقين في المجتمع، فلم يعد يفيد داعش كونه مختلفًا وأكثر اعتدالًا من بوكو حرام من عدمه.

تبنّي فرعَي داعش وبوكو حرام تكتيكات مشتركة يُضعف تمايزهما السابق ويعزز تهديدهما للأمنيْن الداخلي والإقليمي

وانقلبت المعادلة بالنظر إلى متغيرات حدثت لصالح بوكو حرام الذي يتسم بالتشدد واستهداف الجميع (مدنيين وعسكريين) سَيرًا على نهج قائده الذي قتله داعش قبل أربع سنوات أبوبكر شيكاو.

وبعد أن صار كلا التنظيمين في مرمى الهجمات الحكومية المُركزة، وجد داعش أن تكتيك بوكو حرام يَلْقَى جذبًا، حيث يهرب من المواجهة المباشرة مع الجيش إلى تنفيذ عمليات انتحارية في صفوف المدنيين.

وعقب موجة انشقاقات استفاد منها فرع داعش لفترة قصيرة وقف التنظيم حِيال مستجدات ليست في صالحه؛ فالهجمات الانتحارية لبوكو حرام جعلته في موقف أمني أفضل لصعوبة تتبع المُهاجمين الانتحاريين ومنعهم من تنفيذ التفجيرات، كما أن بوكو حرام يَزج بالنساء فيها بما لا يكلفه خسائر في صفوف مقاتليه الرجال.

واعتبر فرع داعش في نيجيريا قصر هجماته على الجيش في غير مصلحته، لأن القوات الحكومية تستهدفه مع بوكو حرام الذي تمدد في بيئة أمنية رَخوة وتوسع في تنفيذ عمليات استقطبت مجندين جددا بعد حصدها عددا أكبر من الأرواح، مُهدِدًا أهدافًا أكثر أهمية بالنسبة إلى الدولة.

كما تراجعت خيارات داعش الذي حقق نفوذًا مُؤثرًا بعد مقتل الزعيم التكفيري أبوبكر شيكاو واتجاه بوكو حرام إلى العمل بشكل منفرد وانفصاله عن داعش؛ ووجد الأخير نفسه محاصرًا بين حملة الحكومة الشاملة التي تجتذب المنشقين من التنظيمين، وتزايد نفوذ بوكو حرام من منطلق عدم وضعه خطوطًا حمراء وعدم تفريقه بين المدنيين والعسكريين.

وقرر عدد من مقاتلي بوكو حرام السابقين ممن انتقلوا لاحقًا إلى داعش قطعَ التعامل مع كليهما (بوكو حرام وداعش)؛ حيث سلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية بأسلحتهم.

ولم يكف ما وجده المنشقون من جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام) في داعش في نسخته المرنة السابقة من بناء علاقات جيدة مع المدنيين ومنع الهجمات ضدهم وضد مصالحهم ومصادر أرزاقهم والتركيز فقط على تنفيذ هجمات ضد قوات الجيش، لدفعهم إلى الاستقرار في كنف جناح داعش بغرب أفريقيا، ووجدوا في الأخير ما جعلهم ينفرون منه ويخططون لتركه.

وبعد أن اعتاشوا على الغنائم التي ظلوا يحوزونها من وراء تنفيذ عمليات النهب المُوسعة ضد المدنيين، فقدوا هذا المصدر الرئيسي من مصادر تمويلهم نتيجة تحريم داعش الاعتداء على المدنيين وعلى ممتلكاتهم.

وتبدلت الأوضاع خلال العامين الأخيرين في مناطق عديدة بشمال شرقي نيجيريا؛ فهناك من المسلحين من انتقل إلى داعش ثم تركه في الأخير مُستفيدًا من برامج الدمج والاحتواء الحكومي الذي يستهدف الآلاف من داعش وبوكو حرام وغيرهما، ومنهم من ظل يقاتل داعش في المنطقة الشمالية لبحيرة تشاد الواقعة على الحدود بين النيجر وتشاد، وواصلوا السير على النهج المتشدد الشامل الذي لا يفرق في الاستهداف بين مدني وعسكري، بهدف الحفاظ على مواقعهم القيادية ومصادر معاشهم من النهب والسلب.

واكتشف داعش أن تكتيكاته تُضعِف موقفَه في سياق مواجهته مع القوات الحكومية والجيش، وحِيَال تنافسه المُحتدم مع بوكو حرام والعصابات الإجرامية على الموارد والثروة والهيمنة على مناطق إستراتيجية.

ودفعت المستجدات داعش إلى مراجعة تكتيكاته، لأن برنامج نزع التطرف الذي تنفذه الحكومة لا يفرق في النقد وتصحيح المفاهيم بين قناعات بوكو حرام وداعش، وكلاهما يمارس الإرهاب ولا معنى للتفريق بين العسكريين والمدنيين في القتل.

وإن لم يُعلن التنظيمان رسميًا طي صفحة الخلافات والصراعات، فإن هناك تطورا مهما على الأرض كشف مدى التقارب بينهما، بعد أن وجد فرع داعش أن برنامج نزع التطرف يناهض منهجه الذي حرص على تلميعه في السابق والترويج له بوصفه أكثر اعتدالًا، وتوقفه عن استهداف المدنيين، وهو ما أفاد جماعة بوكو حرام.

ووضعت القوات الحكومية والجيش تنظيمي داعش وبوكو حرام في سلة واحدة، عقب معاناة طويلة من التشتت في المواجهات الأمنية، ما يحرم التنظيمات المتعددة من ميزات كثيرة سابقة تمتعت بها، منها التمكن من تنفيذ هجمات عنيفة تعجز قوات الحكومة عن التنبؤ بها، وامتلاك فرص أوسع للتجنيد.

الجماعتان تُرَاهِن على بُطء وتيرة برنامج نزع التطرف واحتواء المنشقين وعلى تعقيدات الإجراءات البيروقراطية والقضائية التي تكتنفه، كما تستغلان ضعف الموارد البشرية للجيش والقوات الحكومية

ومن المرجح أن بوكو حرام الذي سيُحرم من ميزة انفراده بتنفيذ العمليات الكبرى على ضوء تفوقه حركيًا بالهجمات الانتحارية في أوساط المدنيين، حيث بدأ داعش استخدام نفس التكتيك، يستفيد من انتقال فرع داعش إلى تكتيك المواجهة الشاملة، وهو ما من شأنه تخفيف الضغط عن بوكو حرام.

وتُرَاهِن الجماعتان على بُطء وتيرة برنامج نزع التطرف واحتواء المنشقين وعلى تعقيدات الإجراءات البيروقراطية والقضائية التي تكتنفه، كما تستغلان ضعف الموارد البشرية للجيش والقوات الحكومية، مقابل بقاء أعداد كبيرة لدى الكيانين الإرهابيين رغم نزيف الانشقاقات خلال الفترة الماضية.

وتكمن المُعضلة في أن التنظيمين يسيطران على مناطق واسعة ولديهما امتياز مالي واقتصادي وخَدَمِي يُبْقِي سكان المناطق الريفية بولاية بورنو أسرى خدماتهما، ولا تستطيع الحكومة توصيلها لأسباب أمنية واقتصادية.

كما يُمْعِن التنظيمان في تعميق التناحر العرقي والديني واللعب بورقة الشعور بالتهميش لدى معتنقي الديانات والمذاهب، عبر تنفيذ هجمات ضد الكنائس والقساوسة، ما يزيد من قدرتهما على التجنيد عبر تحفيز النزاعات الإثنية والطائفية.

وتُتِيح هذه الأنشطة للتنظيمين الحفاظ على الوضع الراهن دون السماح بتحول ميزان القوى لصالح الجيش، على الرغم من الهجمات الانتقامية التي تشنها القوات الحكومية.

ومع أن هناك أعدادًا تُقدر بالمئات أجرت مراجعات وانتقلت من صفوف الجماعات الإرهابية في نيجيريا إلى الحياة الطبيعية، إلا أن التنظيمين لديهما الآلاف من العناصر، وكلما طالت فترة هيمنتهما على الأراضي ظلت لديهما القدرة على التعويض وتجنيد آخرين.

وتظل كل البرامج الأمنية والفكرية في الداخل قاصرة وغير ذات قيمة، ما لم يحصل تعزيز للتعاون الإقليمي بين دول حوض بحيرة تشاد؛ حيث باتت الجماعات الإرهابية الناشطة في نيجيريا تتمدد في عمق دول الجوار وتنفذ عمليات خطيرة داخلها.

6