شاهين رفوول يحتفي بالمرأة والخصوبة في معرض جديد

يستعدّ النحات اللبناني شاهين رفوول لتقديم أعماله التي لاقت رواجا داخل لبنان وخارجه في معرض جديد، ولكن يبقى هذا المشروع رهن الظروف الصحية وملاءمتها للعرض الفني على الساحة اللبنانية التي بدأت تنهض من سباتها بحذر إثر انفجار مرفأ بيروت في الصائفة الماضية.
شاهين رفوول، مثل كل فنان لبناني عايش الحرب اللبنانية، اعتاد ألاّ توقف الأزمات مسار عمله الفني وألا تؤدّي النكسات الأمنية وغيرها إلى جعله يتوقّف عن التخطيط والحلم بالآتي.
لا، بل تبقى هذه الخاصية من أهم ما تمرّس الفنان اللبناني ببلورتها على مدى سنين الحرب كي يستمر في الحياة، الحياة من خلال فنه.
ويستعدّ النحات اللبناني لتقديم أعماله النحتية الجديدة في معرض قال عنه، في حديث خاص لـ”العرب”، “ثيمته المرأة والخصوبة”.
تجريد شامل

النحات اللبناني خصّ "العرب" بصور لأعمال نحتية لم يعرضها بعد، والتي ستحضر في معرضه الجديد المحتفي بالمرأة والخصوبة
لا شك في أن هذا العنوان العريض لشُغل فني مُكثّف كان من أكثر العناوين تداولا في الماضـي، وقد يرى البعض أنه “استهلك” من قبل عدد لا يحصى من الفنانين وفيه استعادة لما شكّل أهمية قصوى على الساحة الفنية، المحلية والعالمية على حد السواء.
غير أن ما يقدّمه الفنان يزيل وهج هذه الفكرة إذا ما اطلع المرء على أعماله الجديدة. وقد خصّ النحات اللبناني “العرب” بصورتين عن عملين نحتيين لم يعرضهما بعد، وسيحضران في معرضه الجديد.
ومن المعروف أن رفوول لديه سيرة فنية طويلة اكتست أهمية بالغة بداية من فترة التسعينات من القرن الماضي. سيرة لم يترك فيها الفنان من أسلوب نحتي إلاّ واستخدمه تماشيا مع الأفكار والمشاعر التي أراد التعبير عنها.
انتقل الفنان وبكل براعة، ودون أن يخرج عن منطق أسلوبه الفني الذي يحمل بصماته، من الكلاسيكية إلى الرومنطيقية والتعبيرية والرمزية و”المينيماليزم” أو “التبسيطية” وصولا إلى جمع مؤثرات من التيارات الفنية المُكرّسة عالميا في عمل واحد.
ولعل ذلك، أي جمع -وأحيانا صهر- أساليب مختلفة في العمل الواحد، ساهم في نقل أعماله الأخيرة إلى مرحلة جديدة يطغى فيها تجريد أبى أن يكون كاملا.
بدت تلك الأعمال التي عرضها علينا، وهي تفوق الأربعين عملا، تجريدية/ غرافيكية مشغولة بتأن، ولكن “تجريديتها” غير كاملة، إذ برزت فيها شخوصه خارجة حينا من “العدم”، أو ناهضة من خلفية مُبسّطة تدعم جمالية المنحوتة. ولكن ليس على حساب الإنسان، ولاسيما المرأة حين تجاورها عناصر مادية أخرى طبيعية وغير طبيعية.
لست من المتحمسين لمقولة “الفن الأنثوي”، كعدم تحمسي لـ”الفن الذكوري”، إلاّ من ناحية واحدة؛ أنه غالبا ما يكشف وجه النظر إلى أمور الحياة وموجوداتها في الأعمال الفنية عن جنس الفنان. والحال هو كذلك مع الفنان/ النحات شاهين رفوول، فالمرأة في أعماله الجديدة والسابقة شكلتها نظرة ذكورية بامتياز. فهي إما محط رغبة أو هي مسكونة برغباتها الدفينة ويسعى الفنان في أعماله الفنية لسبر أغوار هذا الكائن الذي هو في قراراته ليس لغزا بقدر ما هو الآخر/ المُختلف.
أما ثيمة “الخصوبة” فقد وسّع الفنان أبعادها لتتخطّى فكرة “القدرة على الإنجاب”، لذلك حملت العديد من أعماله الجديدة معاني “خصوبة” مُعاصرة جدا لا تقف فقط عند القدرة على الإنجاب التي تتشارك فيها المرأة مع كل المخلوقات الثدية.
تفاصيل دقيقة
تتراوح أعمال رفوول الفنية السابقة كما الجديدة بين أحجام كبيرة وأخرى صغيرة. فمنها ما لا يتعدّى طولها خمسة وعشرين سنتيمترا علوًّا. ومنها ما هو أكبر بكثير، ولكنها كلها تمتاز باشتغال دؤوب من الفنان على التفاصيل الأكثر دقة. وكيف لا وكلية العمل وهيئته تعتمدان على ذلك؟
وحول مرحلته الفنية الجديدة التي بدأ بالعمل عليها منذ حوالي 15 عاما أخبرنا الفنان بأنه بات يرتكز بالأساس على موضوعة المرأة. وهو يقوم بترجمة أفكاره على الورق والكرتون بالدراسات التي تنفّذ بموضوعات نحتية ولوحات نافرة أو “مُقعرة” قبل أن ينطلق في تجسيدها كمجسّم حجري.
ويضيف رفوول أن “كل عمل أقوم به تأتي معه شهادة للتأكيد على أنه عمل فني أصلي يحمل اسمي. كما تبيّن هذه الشهادة نوع المادة المستخدمة وحجم العمل وعنوانه والسنة التي تم في فيها إنجازه”.

أعمال شاهين رفوول تبرز فيها شخوصه خارجة حينا من “العدم”، أو ناهضة من خلفية مُبسّطة تدعم جمالية المنحوتة
ويجيب الفنان على سؤالنا عن ماهية اللون بالنسبة إليه كفنان/ نحات قائلا “للون أهمية قصوى، إن كان ذلك بالنسبة إلى اللوحة النحتية أو بالنسبة إلى المجسمات التي اشتغلت على معظمها بالحديد والبرونز والحجر. فلعبة الخيالات والظلال والنور على المنحوتة هي من الأمور التي أفكّر فيها دوما عند إنجاز أي عمل”.
ونكاد نقول هنا إن تلك الظلال والأنوار التي من الممكن أن تتشكّل على أي منحوتة أو تنصّب عليها هي بمثابة صيغ لونية خاصة تنتمي إلى عالم النحت وبقوة، وذلك في تفاعل المادة المستخدمة (سطحها ولمعانها أو خشونتها) مع الضوء الذي يحيط بها أو الذي يسلّط عليها.
ومن يعرف الفنان على المستوى الشخصي يُدرك فيه روحا رحبة معطاءة لا تتوانى عن تقديم النصائح الفنية، وصولا إلى إتاحة مرسمه الخاص لأصدقائه من الفنانين في اختبار تقني فني يتيح لهم مُشاهدة أعماله وربما كيفية إنجازها بشكل حي.
يُذكر أن لشاهين رفوول مشاركات فنية كثيرة في لبنان كما في الخارج وتقتني أعماله شخصيات عالمية ملمة بالفن.
ومن المعارض التي شارك فيها ما برز له منذ عدة سنوات في صالة “آرت سبيس” التي شكل إقفالها خسارة كبيرة للساحة الفنية اللبنانية.
وعمد الفنان من خلال مشاركته في المعارض الذي نظمتها تلك الصالة إلى إقامة حوار “حجري” ما بين الخشونة والنعومة اللتين يمكن تحسّسهما بأطراف الأصابع.