شارع الحبيب بورقيبة بتونس يتحرر من الحواجز الحديدية لأول مرة منذ 2011

شارع يكتسي رمزية سياسية واجتماعية لدى التونسيين ظل محكوما بالحواجز لسنوات طويلة.
الخميس 2024/03/21
شريان اقتصادي وتجاري مهم وسط العاصمة

استرجع شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس (أكبر الشوارع التونسية) الأربعاء كامل طابعه الحيوي والحركي، ليفتح مجددا ذراعيه كاملتين لزواره بعد أن كبلته الحواجز الحديدية والأمنية لسنوات عدة، وعبثت بجمالية الشارع الذي يحظى برمزية سياسية واجتماعية كبيرة.

تونس - أزالت السلطات التونسية الحواجز المنتشرة بكثافة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة، والتي أعاقت على مدار سنوات طويلة الحياة الاقتصادية في الشارع الرمز بعد أحداث ثورة 14 يناير 2011. وظل شارع الحبيب بورقيبة محاصرا بالحواجز الأمنية والحديدية التي أفقدته رونقه الخاص وضربت طابعه الجمالي، فضلا عن خنق الحركة فيه.

ووصف مراقبون القرار بـ”الجريء”، لما له من أبعاد سياسية واجتماعية كبيرة، باعتبار رمزية شارع الحبيب بورقيبة بالنسبة إلى عموم التونسيين، كشريان اقتصادي وتجاري للعاصمة، فضلا عن رمزيته التاريخية والسياسية.

 ويكتسي الشارع دلالات عميقة لتاريخ تونس المعاصر، لأنه كان شاهدا على أبرز محطات النضال لدى التونسيين، بدءا بمرحلة الاستعمار الفرنسي ووصولا إلى النضال ضد سلطة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في يناير 2011 حين دفعت الاحتجاجات الشعبية إلى سقوط النظام.

خليفة الشيباني: الحواجز الحديدية لا علاقة لها بتوفير الأمن
خليفة الشيباني: الحواجز الحديدية لا علاقة لها بتوفير الأمن

وبدأت مساء الثلاثاء إزالة الحواجز المتشابكة، وحواجز أخرى إسمنتية، بالكامل من محيط الجادة الوسطى في الشارع ومن أمام مقر وزارة الداخلية، مباشرة بعد زيارة الرئيس قيس سعيد إلى الوزارة ولقائه بوزير الداخلية، وفق منشورات الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية على موقع فيسبوك. وتم فسح المجال لعبور السيارات والمارة بسلاسة لأول مرة منذ العام 2011. وتأتي الخطوة في إطار الاحتفاء بذكرى الاستقلال التي وافقت الأربعاء.

ولطالما تسببت الحواجز الكثيرة في خنق الأنشطة الاقتصادية والسياحية في الشارع الحيوي، وتقدم التجار الموجودون على جانبيه وفي الأنهج المتفرعة عنه بعدة شكاوى إلى السلطات في السابق من أجل إزالتها. 

وقال وزير الداخلية التونسي كمال الفقي “من باب الجدية فتح شارع الحبيب بورقيبة لكل التونسيين ضمانا لحقوقهم في التمتع بحرية التنقل". وأضاف في تصريحه لوسائل إعلام محلية “عانى الشعب التونسي كثيرا وتحمل ظروفا صعبة وكان في حاجة إلى إيجاد صيغة لإيقاف حالة الفوضى".

وقال أحد المواطنين "كأن العلم المفدى الذي يوشح وزارة الداخلية يعاود اليوم إشراقته وهو يرفرف عاليا في سماء الشارع بحلته الحمراء والبيضاء، ويدعو للفرح معلنا أن شبح الإرهاب قد ولى". وأضاف “الشارع اليوم استقبل وتر الحياة بعيدا عن الوتيرة الكئيبة ومشهدية الأسلاك والحديد، التي لم تنجح الأشجار المترامية ذات اليمين وذات الشمال في الشارع الرمز، وما يحيط بها من الأزهار الناصعة والفاقعة والقانية، في طمس مظهرها الخانق الحزين”.

وشهد شارع الحبيب بورقيبة في عام 2018 تفجيرا إرهابيا نفذته انتحارية موالية لتنظيم داعش المتطرف، خلف 15 جريحا، ما دفع إلى تعزيز القيود والإجراءات الأمنية بمحيطه. ويعبر الشارع، الذي يقع على مقربة من المعالم السياحية لأسواق المدينة العتيقة، أكثر من مليون سائح سنويا.

كما يستقطب تظاهرات ثقافية والمسيرات السياسية للأحزاب والمنظمات، وتعد الاحتجاجات الضخمة التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 14 يناير عام 2011 الأشهر. وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “رفع الحواجز يأتي بعد مرور 13 سنة في الشارع الرمز الذي يمثل الشريان الرئيسي للحياة الاجتماعية والتجارية، وكان يجب أن ترفع تلك الحواجز في الشارع الذي كان يعج بالحياة وأصبح بعد 2011 مصدرا للكآبة”.

نبيل الرابحي: هذه خطوة إيجابية تعني أن تونس كسبت المعركة ضد الإرهاب
نبيل الرابحي: هذه خطوة إيجابية تعني أن تونس كسبت المعركة ضد الإرهاب

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك شجاعة في اتخاذ القرار والملف أثير كثيرا من قبل، خصوصا من قبل اتحاد الصناعة والتجارة، كما أنه أثر أيضا حتى على البعد السياحي للعاصمة تونس”.

وأكد خليفة الشيباني أن “الحواجز الأمنية والحديدية لا علاقة لها بتوفير الأمن، وبالتالي استتباب الأمن يتطلب توفير الجانب الاستخباراتي، والهدف من وضع تلك الحواجز كان الوقوف في وجه الاحتجاجات التي تزايدت بعد 2011 والابتعاد على مقر وزارة الداخلية”. ويضم الشارع تمثالي ابن خلدون والزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال وبرج نزل “أفريقيا مريديان” وفنادق وشركات ومحلات تجارية ومقاهي.

كما يضم المسرح البلدي ومقر السفارة الفرنسية البناية الأقدم في الشارع، وكاتدرائية فانسونت دو بول التي شيدت في أواخر القرن 19 وكان البابا الراحل يوحنا بولس الثاني أحيا بها قداسا خلال زيارته إلى تونس في عام 1996. وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “قرار رفع الحواجز يأتي مع ذكرى الاحتفاء بعيد الاستقلال، وقد أخذ الشارع استقلاله رسميا”.

وأكد لـ”العرب” أن “هذه خطوة إيجابية فيها عدة رسائل، أولاها القضاء على ما تبقى من الإرهاب، وأن تونس كسبت المعركة، فضلا عن رسائل سياسية موجهة إلى خصوم الرئيس الذين لم يستطيعوا منذ 2011 توفير الأمان للشعب التونسي، إلى جانب رسائل اجتماعية واقتصادية وثقافية في علاقة برمزية الشارع”.

وعلى وقع شهر رمضان احتفى المرتادون بخلاص شارع الحبيب بورقيبة من قيود الأسلاك والحواجز والتعزيزات الأمنية المكثفة، واستعادته مكانته كشريان حيوي وفضاء مفتوح لكل المارين والعربات والدراجات، ولأصحاب المحلات المصطفة على واجهتي الشارع.

4