سيف الإعلانات يسلط على المواقع الإلكترونية في الجزائر

توطين المواقع الإخبارية يحصر نشاطها ويزيد الرقابة على عملها.
الخميس 2020/09/10
المواقع الإلكترونية تتصدر الاهتمام

ينتظر الوسط الصحافي والإعلامي صدورا وشيكا لمرسوم تنفيذي ينظّم الصحافة الإلكترونية، يحوي تغييرات كبيرة في أوضاع القطاع وستعود مسألة توزيع الإعلانات إلى الواجهة مجددا مع قرار الحكومة استفادة المواقع الإلكترونية منها، بينما يقول صحافيون إن هذا الدعم لن يكون بلا مقابل.

الجزائر - تدفع الحكومة الجزائرية باتجاه تحول الصحف الورقية إلى رقمية، وتركز اهتمامها على وضع المواقع الإلكترونية تحت المجهر بموجب مرسوم تنفيذي ينظّم الصحافة الإلكترونية، ويتضمن بنودا مثيرة للجدل كشف عنها وزير الاتصال، الناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر مؤخرا وأبرزها شروط لتوزيع الإعلانات وتوطين المواقع الإخبارية “جزأرتها” وفق تعبيره.

ويشهد قطاع الإعلام الجزائري تطورات تنظيمية في الآونة الأخيرة، ففي حين أن غالبية الدول تعمل على دعم الصحافة المطبوعة أو مساندتها للبقاء على قيد الحياة بالتوازي مع تطورها رقميا، أظهر بلحيمر موقفا مضادا للصحافة الورقية معلنا تشجيعه لوأدها والاستغناء عن الورق بنسخ رقمية، لكن تصريحاته المتتالية بخصوص التغيرات في القطاع تظهر أن هناك ميلا لحصر الرقابة على المواقع الإلكترونية وإخضاعها بنفس الأسلوب الذي كان متبعا مع الصحف أي حصة من كعكة الإعلانات.

وأكد بلحيمر أن انتقال الصحافة المكتوبة إلى الرقمنة أصبح ضرورة “حتمية” بالنظر إلى التطور الذي تشهده الساحة الإعلامية، وهذا في ظل تخلي العديد من الصحف على الطبعة الورقية وتوجهها نحو الطبعة الإلكترونية.

وشجع في تصريحاته الأخيرة على هذا التحول قائلا إن الصحف الإلكترونية ستستفيد من الإعلانات العمومية، وفقا للمرسوم التنفيذي الذي ينظّم الصحافة الإلكترونية، وسيصدر قريبا، حيث شرع في توزيعه على القطاعات المعنية لإبداء رأيها حول شكله ومضمونه، قبل عرضه أمام مجلس الحكومة للمصادقة عليه.

وأضاف بلحيمر أن المرسوم التنفيذي يتضمّن كيفية ممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت ونشر الرد والتصحيح عبر الموقع الإلكتروني.

من جانبهم، يقول أصحاب المواقع الإلكترونية في الجزائر إن مرحلة المشاورات مع وزارة الاتصالات قد “انتهت”، وإن القرار أصبح في يد رئاسة الوزراء، على أمل أن يتم وضع ضوابط لهذا القطاع تنظم عمله.

ويجري الحديث عن توطين المواقع الإخبارية في الجزائر وحصر نشاطها داخل البلاد أسوة بالقنوات الفضائية الخاصة.

وأوضح وزير الاتصال أن مصطلح التوطين يعني “جزأرة” مواقع البث والنشر، مضيفا أن المواقع الإلكترونية “من المفروض أن يكون منطلق نشاطها من الجزائر، طبقا للقوانين المحدّدة لنشاط المؤسّسات الإعلامية في الجزائر الناشطة عبر الإنترنت”.

قرار الحكومة الجزائرية تنظيم الإعلام الإلكتروني جاء بسبب القوة والشعبية اللتين تمتع بهما خلال الحراك الشعبي

ولفت أيضا إلى أن “التوطين” يهدف إلى “ضبط نشاط هذه المواقع طبقا للقانون الجزائري”، الأمر الذي سيمكن الناشرين وأصحاب المواقع من “تفادي اللهث وراء الأموال أو تحويلها بصيغ وطرق غير مشروعة”.

وأثارت هذه النقطة بالتحديد إشارات استفهام من قبل صحافيين أشاروا إلى عودة الحكومة لاستعمال الإعلانات كوسيلة للرقابة والضغط على وسائل الإعلام، فإذا كانت الحكومة تغري مواقع الإنترنت بالتوطين للاستفادة من الإعلانات، فهي ستضع شروطا مقابل المال الذي تدفعه، كما أن التوطين سيجعل المواقع الإخبارية محاصرة تحت سقف حرية يزداد انخفاضا، وفق ما تؤكد المنظمات المعنية بحرية الصحافة داخل البلاد وخارجها، وهو أمر يلمسه الصحافيون كل يوم.

وإلى جانب الضغط والترهيب، استعملت الإعلانات طيلة العقود الماضية وسيلة للترغيب وتلميع صورة النظام السابق، فقد كشف العربي ونوغي الرئيس المدير العام للمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار الجزائرية “أناب”، في تصريحات صحافية في أغسطس الماضي، أن “التحقيقات تُحاصر أناب من كل جانب، وذلك للنظر في حصيلة السنوات الماضية من التلاعبات المالية والفساد الذي أدى إلى إهدار المليارات”.

وقال ونوغي إن مؤسسته تخضع الآن لتحريّات من قبل ثلاث جهات، هي فصيلة الأبحاث التابعة للدرك الوطني والمفتشية العامة للمالية إلى جانب تدقيق للحسابات داخلي تم إطلاقه بالتعاون مع خبراء محاسبين من خارج المؤسسة لتقييم حصيلة السنوات السابقة.

وتابع أن توزيع الإعلانات سيخضع مستقبلا لمقاييس ومعايير يجب أن تتوفر عليها الصحف وذلك لضمان “توزيع عادل” والعمل على “نهج واضح وشفاف في تسيير الإعلانات”.

وبخصوص الآليات التي ستستفيد منها الصحف الإلكترونية من الإعلانات العمومية، قال بلحيمر إنه “بعد صدور النص القانوني للصحافة الإلكترونية، سيتم تحديد المعايير الخاصّة بالإعلانات الإلكترونية، حتى وإن كانت من حيث المرجعية والمبادئ العامة لا تختلف كثيرا عن المعايير التي ضبطت للصحافة المكتوبة الورقية”، وهو الشق الذي سيحدده بصفة “قطعية” قانون الإعلانات الذي يعد “إحدى أبرز ورشات قطاع الاتصال”.

ويبلغ عدد المواقع الإلكترونية في الجزائر نحو 150 موقعا، تعمل حتى الآن دون قانون خاص بنشاطها، وكان قانون الإعلام الصادر عام 2011، قد ذكر لأول مرة مصطلح الصحافة الإلكترونية، لكنه لم يضبطها أو ينظمها قانونيا، في حين أصبحت الأخيرة منافسا قويا لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والورقية، لكنها تعمل خارج سرب السلطة الرابعة.

ويرجع البعض قرار الحكومة تنظيم الإعلام الإلكتروني إلى القوة والشعبية اللتين يتمتع بهما خلال الحراك الشعبي، ففي الوقت الذي كانت فيه قنوات تلفزيونية وصحف ورقية تتعرض للضغوط والضوابط القانونية، كانت المواقع الإلكترونية تعبر عن نفسها بشكل أقوى، كونها كانت تعمل بعيدا عن الأطر القانونية.

18