سيطرة منطق الحسابات بين الشريكين يفسد العلاقات الزوجية

الزواج القائم على المصلحة لا الحب يتحول إلى صفقة خاسرة للطرفين.
الأربعاء 2021/02/10
المنفعة المادية تعجل بنهاية العلاقة الزوجية

يؤكد علماء الاجتماع أن تطور نسق الحياة بصفة سريعة أباح زواج المصلحة الذي يسيطر عليه منطق الحسابات بين الشريكين، مشيرين إلى فشل هذا النوع من الزيجات في أغلب الحالات. ويرى مستشارو العلاقات الأسرية أن البحث عن مكسب يحصل عليه أحد الطرفين في صورة الطلاق أو الوفاة، يحوّل الزواج إلى مجرد صفقة خاسرة تفتقد إلى أهم أسس بناء العلاقات الزوجية الناجحة.

تونس - يجمع مستشارو العلاقات الزوجية على أن سيطرة منطق الحسابات على العلاقة التي ستربط الشريكين تنتهي دائما بالفشل. ويؤكدون أن غياب الحب والألفة بين الشريكين، يجعل من زواجهما زواج مصلحة ينتهي بانتهاء تحققها.

ويعمد بعض الشباب إلى الزواج من فتاة بغاية الحصول على جنسية البلد المقيمة به، أو لأنها تملك المال والثراء والمركز الاجتماعي المرموق، فتكون الزوجة والرصيد البنكي في ذات الوقت.

وتختار بعض الفتيات الزواج من رجل كبير في السن، لتحصل منه في صورة الطلاق أو الوفاة على بيت أو رصيد من المال، يوفر لها حياة الرفاهية بقية عمرها.

وقالت ليلى (اسم مستعار) امرأة تونسية تعمل في مجال الميديا، إنها ربطت علاقة مع رجل يكبرها بحوالي 20 سنة يعمل في نفس المجال، وانتهت هذه العلاقة بالزواج رغم عدم موافقة أهلها الذين عارضوها في البداية، ثم انصاعوا لقرارها.

وأكدت ليلى لـ”العرب”، أنها كانت تنتظر من زوجها أن يوفر لها كل ما تطلبه باعتبار فارق السن الذي بينهما، فهي كانت ترى أنه الرجل الذي سيحقق لها كل أحلامها من المنزل الفخم إلى السيارة الفارهة، لكن تبخرت أحلامها وسقطت كل حساباتها منذ سنوات زواجها الأولى ما أدى إلى طلاقها.

وفي دراسة كتبتها الأخصائية الاجتماعية البرازيلية سيليا جونيور، بينت أن العلاقة الزوجية المبنية على المصلحة إنما هي علاقة فارغة المضمون، لأنه بمجرد انتهاء الوضع المريح للحالة الزوجية، يمكن أن ينفصل الزوجان بسهولة ومن دون أي جهود للحفاظ على الزواج.

وقالت إن من بين الأسباب التي تجعل نساء صغيرات في السن يقبلن الزواج من رجال يكبرونهن كثيرا، هو اعتقاد المرأة بأن مثل هذا الرجل الناضج يمكن أن يؤمن لها حياة مريحة، طالما أنه ذو مستقبل مضمون ومريح من الناحية المادية.

الزواج الذي يلعب العقل فيه دورا أكبر من المشاعر، سيتعرض إلى الانهيار بعد حصول أحد الطرفين على ما خطط له

واستندت الأخصائية في دراستها إلى إحصائية بين صفوف ألفي امرأة من أنحاء العالم، كشفت فيها أن 38 في المئة من النساء يعشن مع أزواج أغنياء، فقط لأنهم أغنياء يوفرون لهن حياة مريحة. وأضافت أن هذه النسبة من النساء أكدن أنه لا مكان للحب في العلاقة مع أزواجهن.

وحسب الدراسة فإن 15 في المئة من النساء اللواتي يتزوجن من أغنياء يخرجن من الزواج في منتصف الطريق، أي أن حالة المهانة التي يضع فيها الزوج الغني زوجته تجعلها تتخلى عن كل شيء في مقابل الحفاظ على كرامتها، حيث إن طبيعة المرأة ترفض الإهانات وتسعى للحفاظ على الشرف والكرامة.

ويبقى الزواج الذي تسيطر عليه الحسابات المادية زواج مصلحة، مبنيّا على الاستغلال والوصول إلى هدف معين، لينتهي بانهتاء المصلحة، حتى ولو بعد سنين.

وأكد استشاري الإرشاد النفسي والأسري الدكتور جاسم محمد المرزوقي، أن الزواج الذي تسيطر عليه الحسابات المادية، محكوم عليه بالفشل ويثير القلق في أوساط المجتمع، مشيرا إلى أن علاقة الرجل والمرأة في الزواج يجب أن تقوم على الاختيار والحب والتفاهم والاحترام المتبادل، أما بناؤها على أساس العقل والمنطق، فيدل على وجود مصالح مادية تُغَيّب تماما المقاييس والمقاصد الأخرى للزواج.

وأضاف أن هذا النوع من الزواج تطغى من خلاله المصلحة الشخصية، ويؤدي إلى بطلان أهداف الزواج بين المرأة والرجل التي ترتكز على قيم نبيلة وأهداف سامية، أهمها المودة والرحمة والتفاهم والتعايش والاحترام.

ولفت المرزوقي إلى أنه مع تنامي الأنانية والحرص على المصلحة الشخصية أصبح أساس زواج المصلحة هو شركة اقتصادية تقوم على أساس توفير رأسمال مادي، وإلغاء كل المبادئ والأسس الخاصة بالزواج.

وحول الأسس الصحيحة التي يقوم عليها الزواج، أوضح أن الزواج الذي يلعب العقل فيه دورا أكبر من المشاعر سيتعرض إلى الانهيار، بعد أن يحصل أحد الأطراف على ما كان يخطط للحصول عليه.

وترى الاستشارية النفسية والأسرية هند البدواوي، أن زواج المصالح تعددت صوره وأشكاله، وأن هناك شريحة اجتماعية كبيرة تلجأ إلى هذا النوع من الزواج، بسبب ضغوط الحياة اليومية، حيث أضحت المصالح المادية المسيطر الأول والأخير على عقول الشبّان.

العلاقة الزوجية المبنية على المصلحة إنما هي علاقة فارغة المضمون، لأنه بمجرد انتهاء الوضع المريح للحالة الزوجية، يمكن أن ينفصل الزوجان بسهولة ومن دون أي جهود للحفاظ على الزواج

وقسمت البدواوي هذه الزيجات إلى قسمين: الأول تكون فيه المصلحة معروفة بين الطرفين، وبالتوافق بينهما ويضمنان لحياتهما الاستمرارية والديمومة. والثاني تنتهي حياتهما بعد زوال المنفعة التي تجمع الطرفين، موضحة أن مثل هذه الزيجات لها عواقب وخيمة.

وأشارت إلى أنه على الفرد أن يتحمّل التصرفات الناتجة عن أفعاله، لأن الزواج المبني على مصلحة هو إحدى صفقات الزواج الاجتماعية والاقتصادية التي فيها نوع من التجارة بالبشر، وأن الآثار النفسية على الفتاة أكثر من الرجل، حيث تعتبر الفتاة ضحيته الأولى والخاسر الأكبر.

وتنصح البدواوي بأن يبتعد الشريكان قدر الإمكان عن المنفعة المادية من زواجهما، مهما كانت تلك الغاية التي سيحققانها، لأن المفاهيم حتما ستتغير بعد الزواج، وسيكون هذا المشروع معرضا للسقوط والانهيار مع أول عقبة يواجهها الطرفان.

بدوره أشار المرزوقي إلى أن الزواج المبني على المصالح يكون مصيره الفشل، لكن الزواج الذي أساسه الأسرة باعتباره اللبنة الأولى في بناء الأمة سيستمر، وعلى قدر ما تكون اللبنات قوية متينة يكون البناء قويا راسخا ومنيعا.

وفي حين يرى البعض أن زواج المصلحة مرحلة عابرة، يرى علماء النفس أنه خطير جدا، وله عواقب سلبية كثيرة أكثر بكثير من منافعه ومصالحه المؤقتة. ومن تلك المخاطر التعامل مع الزواج والحياة الزوجية على أنها صفقة يجب أن يكسبها الشخص ويربح منها قدر المستطاع، ليتركها بعد انتهاء مصلحته وانقضاء حاجاته. ويتم في مثل هذه الزيجات تسليع الأشخاص، ليتم التعامل معهم على أنهم سلع أو بضاعة، يتم شراؤها وبيعها.

21