سوريا وتركيا.. عن خارطة الطريق أتحدث

تصريحات أردوغان حول اللاجئين السوريين في تركيا تبدو كمن يمسك العصا من الوسط حيث قال "سوف نسهل عودة النازحين السوريين إلى بلدهم ومن أراد البقاء في تركيا فأهلا به".
الثلاثاء 2025/01/14
السوريون لم ينسوا لواء الإسكندرون "السليب"

أكدت تركيا أنها ستعمل على إقامة علاقات إستراتيجية مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وسيتم إعداد خارطة طريق لتلبية احتياجات الدفاع والأمن في المرحلة الانتقالية.

على ضوء ذلك، لا بد من الحديث قبل كل شيء عن أقدم القضايا العالقة بين سوريا وتركيا، وهي لواء الإسكندرون الذي ما زال في قبضة تركيا منذ الانتداب الفرنسي على سوريا. وقد انتزعته فرنسا من سوريا ليصبح جزءا من تركيا. في بداية الاحتلال الفرنسي لسوريا، وتحديدا في مطلع عشرينات القرن العشرين، سعت فرنسا لتقسيم وحدة سوريا التاريخية إلى دويلات هي اللاذقية ودمشق وجبل الدروز وحلب، وفصلوا سنجق الإسكندرون وجعلوه اسميا تابعا لدويلة حلب، ولكن مع احتفاظه بحكم ذاتي وفقا لمعاهدة أبرمتها فرنسا سنة 1921 مع الدولة التركية.

تعهد الفرنسيون بمساعدة الجانب التركي في نشر اللغة التركية وجعلها لغة رسمية للواء. هذا هو ديدن الاستعمار، وهو إيجاد مناطق ساخنة بين الدول. فلواء الإسكندرون هو من ضمن المناطق التي كانت تعتبر ساخنة قبل عام 1998، وبعدها قام نظام حافظ الأسد بتثبيت هذا التنازل بموجب اتفاق أضنة عام 1998 ضد الكرد، والذي نص في أحد بنوده على أنه “اعتبارا من الآن يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية وأن ليس لأيّ منهما أيّ مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر.”

◄ من الخطأ الاعتقاد أن السوريين نسوا تاريخ بلدهم وقد لا يبدو الحال جيدا إذا ما استمر الضغط الشعبي المنادي بتحرير لواء الإسكندرون فهذا بحد ذاته عقبة كؤود قد يطول حلها

خلال تصريحات صحفية، قال هاكان فيدان وزير الخارجية التركي إن الخيار المفضل لدى أنقرة أن تعالج الإدارة الجديدة في دمشق المشكلة بما يتماشى مع وحدة الأراضي السورية وسيادتها وسلامتها، مضيفا أنه يتعين حل وحدات حماية الشعب على الفور.

وفي هذا الإطار، وبعيدا عمّا روّج له بعض المحللين حول دور تركيا رجب طيب أردوغان في دعم الشرع والانقضاض على بشار الأسد، إلا أن المؤشرات تدل على أن أردوغان قد تنفس الصعداء بعد سقوط بشار الأسد. فالإدارة السورية الحالية تعمل على لملمة وضعها الداخلي والانطلاق بعدها لترتيب الوضع الخارجي، وعلى سلّم الأولويات تركيا الجار المهم. ولكن طبيعة هذه العلاقات لم تحدد ملامحها بعد، فهناك أكثر من قضية شائكة، بمعنى ثمة أكثر من عقبة أمام إنجاز اتفاق وحسن جوار بين البلدين، منها كما ذكرت آنفا لواء الإسكندرون الذي يعتبره الشعب السوري جزءا أصيلا من أراضي سوريا. فالمتتبع للوضع السوري يجد أن هناك أصوات تذكر بلواء الإسكندرون وضرورة عودته إلى الحضن الأم، وقد اتهمت جهات عديدة آل الأسد بالتفريط به كما فرطت بالجولان.

هذا على صعيد لواء الإسكندرون وجدلية تحريره وعودته إلى سوريا. أما على صعيد الوضع الكردي، فإن تركيا مصرة على تسوية هذا الملف كقاعدة أساسية لإعادة تمتين العلاقات بين الدولتين الجارتين في أقرب وقت ممكن. ولكن قسد المدعومة من الولايات المتحدة وعلى لسان أحد قادتها قال بأنها لا تمانع من عودة سوريا قبل الثورة، ولكن صحة هذه التصريحات لن نعرف مدى مصداقيتها. فالإدارة السورية الجديدة قد تكون في حالة من الإحراج بين الداعم لها، أقصد تركيا، وبين الولايات المتحدة التي أرسلت قبل أيام وفدا رفيع المستوى للاجتماع مع أحمد الشرع. فضبابية المشهد في سوريا ما زالت قائمة.

وسيكون من الخطأ الاعتقاد أن السوريين نسوا تاريخ بلادهم. قد لا يبدو الحال جيدا إذا ما استمر الضغط الشعبي المنادي بتحرير الإسكندرون، فهذا بحد ذاته عقبة كؤود قد يطول حلها. وتبقى الأمور العالقة بين تركيا وسوريا الأخرى سهلة، وهي عودة النازحين الذين هربوا من الحرب ولجأوا إلى تركيا. وتصريحات أردوغان في هذا الشأن تبدو كمن يمسك العصا من الوسط، حيث قال “سوف نسهّل عودة النازحين السوريين إلى بلدهم ومن أراد البقاء في تركيا فأهلا به.”

◄ الإدارة السورية الحالية تعمل على لملمة وضعها الداخلي والانطلاق بعدها لترتيب الوضع الخارجي، وعلى سلّم الأولويات تركيا الجار المهم

يبقى العامل الاقتصادي، فسوريا في حاجة إلى تركيا والعكس صحيح. سوريا تحتاج إلى ملايين الأطنان من الأسمنت ومواد البناء لإعادة الإعمار فضلا عن الأشياء الأخرى، وهذا يعتبر عنصرا مهما لتركيا مما يساهم في إثراء عشرات المليارات من الدولارات لخزينتها. لهذا تحاول تركيا قدر الإمكان إنهاء ملف قسد وتعجيل إبرام الاتفاقيات التجارية والاقتصادية بين البلدين.

محصول الكلام، وإلى جانب التعقيدات الكثيرة التي تحيط بالمشهد السوري، فطبيعة النظام السوري الجديد غير واضحة في غياب تطبيق الدستور وانتظار إعداد دستور جديد والذي يبدو مختلفا عن سابقه. وبناء عليه، تبني سوريا الجديدة علاقتها مع الإقليم ودول العالم. ولكن الظاهر أن قطر هي صاحبة الحظ الأوفر في علاقتها مع سوريا الجديدة وتركيا أيضا التي تأمل في القضاء على الحلم الكردي في دولة مستقلة عن سوريا.

أما إسرائيل التي تحتل الجولان واحتلت بعد سقوط الأسد أجزاء من القنيطرة، لا يزال من السابق لأوانه أن نحكم على توجهات الشرع في ما يخص هذا الملف. وقد لا يقتصر الأمر على جذور الصراع وموجبات الانتقام، ولكن محاولة أحمد الشرع التباحث بالطرق السلمية مع استبعاد خيار الحرب.

9