سوريا تجمع الأسطورة والواقع في حفل موسيقي

سحر الشرق وفن الغرب يلتقيان في ختام مهرجان الثقافة في بيتك من خلال أمسية موسيقية ومعزوفات عالمية.
الخميس 2020/06/11
"حلاق إشبيلية" يحل بقلب دمشق القديمة

كان حفل أوركسترا أورفيوس في قصر العظم بقلب المدينة القديمة بدمشق، مساء الاثنين، ختاما لبرامج مهرجان الثقافة في بيتك الذي أقامته وزارة الثقافة السورية، والذي استمر لعدد من الأيام، وكان أولى خطواتها لتجاوز مرحلة تعطيل الأنشطة الثقافية بسبب وباء كورونا المستجد.

دمشق – قدّم مهرجان الثقافة في بيتك الذي تقيمه وزارة الثقافة السورية، كنوع من استعادة الحياة الفنية في سوريا في ظل الحجر الصحي الذي فرضه تفشي فايروس كوفيد – 19 على العالم، مجموعة من العروض الموسيقية التي كانت دون جمهور واستعاضت عن ذلك بنقل هذه الحفلات الموسيقية من خلال شبكة الإنترنت للعموم.

وتقوم فكرة الحدث على ضرورة أن تبقى الحياة الثقافية والفنية موجودة في وجدان الناس ومتفاعلة معهم، رغم حالة الحجر الطبي العام التي أوجدها تفشي وباء كورونا في العالم وفي سوريا.

وتضمّن المهرجان إقامة عدد من الحفلات التي تنقلت مواقعها بين دار الأوبرا بالعاصمة دمشق التي انطلقت العروض منها من خلال حفل للأوركسترا الوطنية السورية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله.

وكذلك قدّمت فرقة كورال أساتذة المعهد العالي للموسيقى بمشاركة سوزان حداد حفلا في خان أسعد باشا العظم مع حضور موسيقي أوركسترالي بقيادة المايسترو ميساك باغبو دريان، ثم كانت الخاتمة بالحفل الذي قدّمته أوركسترا أورفيوس في قصر العظم في قلب المدينة القديمة بقيادة المايسترو أندريه معلولي. وإضافة لهذه الحفلات أقيم عدد من الأنشطة الموازية التي قدّمت في عدد من المشافي العامة وجهت من خلالها بطاقات شكر للأجهزة الطبية التي تقوم بجهود كبيرة في مقاومة وباء كورونا.

ثلاث خصال

تلاقى سحر البيت الدمشقي مع أنغام أساطين الموسيقى الكلاسيكية
تلاقى سحر البيت الدمشقي مع أنغام أساطين الموسيقى الكلاسيكية

تكمن خصوصية حفل أوركسترا أورفيوس في قصر العظم بقلب المدينة القديمة بدمشق في العديد من السمات، أولاها تقديمه في مكان تاريخي، وهو قصر أسعد باشا العظم الذي يعد أحد أجمل القصور القديمة بدمشق، وهو الآن متحف للتقاليد الشعبية فيها، وقد بناه أسعد باشا العظم أحد الولاة على دمشق أيام الاحتلال التركي لسوريا.

والقصر يتجاور مع الجامع الأموي رمز مدينة دمشق وآية الجمال الكبرى فيها، إضافة لكونه من أقدم الجوامع التي بنيت في التاريخ الإسلامي حيث أمر ببنائه الوليد بن عبدالملك في موقع مقدس قديم للديانة الوثنية، إذ كان معبدا للإله جوبيتر ثم للديانة المسيحية حيث كان كنيسة.

ويستطيع الزائر لدمشق القديمة أن يرى مئذنة الجامع الأموي وقبته ويسمع صوت الأذان منه من باحة قصر العظم بوضوح، حيث لا يبعد عنه سوى عشرات الأمتار.

وفي سمة ثانية، تحضر ميزة تقديم الحفل من خلال أوركسترا سيمفونية خاصة في سوريا هي أورفيوس التي تحمل اسم البطل الأسطوري أورفيوس، وهو أحد الأبطال الخارقين في الميثولوجيا اليونانية القديمة.

بطل أسطوري وهبته الآلهة مواهب موسيقية غير عادية، فكان يعزف على العديد من الآلات الموسيقية خاصة القيثارة التي أهداه إياها الإله أبولو، ليكون أول من يعزف عليها، وكان يمتلك سحرا خاصا في العزف حيث يمكنه تحريك الجماد والحيوان، وفق الأسطورة اليونانية طبعا، فكانت تتحرّك وتلحق به من عذوبة عزفه وغنائه عندما يقوم بذلك.

والسمة الثالثة التي يحملها الحفل هي ربط الحدث الفني الذي يجري في زمن خاص، حيث مخاطر وباء كورونا مع عراقة المكان الحضارية، وهو ما عبر عنه قائد الفرقة ومدير أوبرا دمشق أندريه معلولي، قائلا “الغاية ربط هذه الأحداث التي نعيشها اليوم بأماكن تاريخية تحمل خصوصية في وجداننا وترتبط بها أحداث كبيرة وقديمة، هي رسالة من الماضي العريق إلى غد مشرق نأمل الوصول إليه جميعا. هذه المنطقة تتجاور فيها أزمنة وأحداث تاريخية، والهدف من إقامة الحفلات إحداث حالة من التواصل الإبداعي مع صفحات من تاريخا الحضاري التليد”.

تنويعات عالمية

الرقص حضر مرافقا للمعزوفات من خلال فرقة "آرام"
الرقص حضر مرافقا للمعزوفات من خلال فرقة "آرام"

عبر ما يقارب الساعة من الزمن، قدّمت الأوركسترا برنامجا موسيقيا تضمن عدة معزوفات من روائع الموسيقى الغربية لمؤلفين عالميين، حضروا بإبداعاتهم في هذا المكان الخاص، خان أسعد باشا العظم، وكانت موسيقاهم قد استقرّت في أذهان الناس وعرفوها منذ زمن بعيد.

البداية كانت مع موسيقى “حلاق إشبيلية” للموسيقار الشهير جواكينو روسيني التي وضعها عام 1816، وهي أوبرا هزلية تتحدّث عن تحكّم بعض الناس بمصائر الآخرين. وتقوم على قصة حب تجمع بين الشاب ألمافيفا والشابة روزينا ورغبتهما في الزواج. لكن هذه الرغبة تصطدم بتعنّت الوصي على الشابة الذي يرفض هذا الأمر لنيته الزواج بها طمعا في أموالها.

ثم قدّمت الأوركسترا موسيقى من “السيمفونية الـ40” للمؤلف الموسيقي الشهير فولفغانغ أماديوس موزارت التي وضعها عام 1788، وتعدّ إحدى أهم السميفونيات في تاريخ الموسيقى وهي التي يعرفها الجمهور العربي تماما من خلال ما قدّمه الأخوان رحباني في قسم منها من خلال الأغنية الشهيرة “يا أنا يا أنا” التي غنتها المطربة اللبنانية فيروز وصارت من الأعمال الشهيرة في تراثنا الموسيقي العربي.

معزوفات من روائع الموسيقى الغربية
معزوفات من روائع الموسيقى الغربية

كما تأثّر بها الموسيقار الشهير بيتهوفن في “السيمفونية الخامسة” الخالدة. وبعد موزارت قدّمت الفرقة المعزوفة الشهيرة “الدانوب الأزرق” التي ألفها الموسيقار النمساوي يوهان شتراوس الابن عام 1866، وهي توليفة بديعة في موسيقى الفالس التي كان لها حضور فني كبير في قصور أوروبا في فترة مضت، وبها حقّق شتراوس شهرة عالمية، وما زالت المقطوعة تقدّم في كل أنحاء العالم ويعتبرها البعض النشيد الوطني غير الرسمي للنمسا.

وقدّمت الفرقة للموسيقار جورج بيزيه صاحب الأوبرا الشهيرة “كارمن” متتالية موسيقية تفيض جمالا، وكانت نهاية الحفل بأيقونة الموسيقار بيتر إيليتش تشايكوفسكي الموسيقار الأول في تاريخ الفن الموسيقي الروسي وصاحب الأعمال الخالدة “بحيرة البجع” و”كسارة البندق”، حيث قدّمت الفرقة من أعماله “مارش سلاف” الحافل بالرقة والسحر، وهو الذي تأثر به الموسيقار العربي الراحل محمد عبدالوهاب فاقتبس جزءا منه في بداية أغنية “سجى الليل” في أوبريت “مجنون ليلى” للشاعر أحمد شوقي، والتي أداها بنفسه مع المطربة أسمهان.

وحضر الرقص، أيضا، مرافقا للموسيقى من خلال بعض لوحات فرقة “آرام للمسرح الراقص” التي أوجدت بتناغمها مع الموسيقى الغربية والمكان الشرقي المزيد من التنوّع والجمال.

ومن المخطّط أن تعود الفعاليات الثقافية والفنية إلى الحضور في المشهد الثقافي السوري خلال الأيام القليلة القادمة. ولكن بحضور جماهيري جزئي لا يتجاوز ثلث طاقة استيعاب قاعات العرض المغلقة تماشيا مع خطط عودة الحياة لطبيعتها تدريجيا.

16