سقف انتظارات التونسيين يرتفع بعد الاستفتاء على الدستور

سيكون الرئيس التونسي قيس سعيد أمام امتحان صعب بعد انتهاء استحقاق الاستفتاء على الدستور حيث سيواجه استحقاقا أكثر إلحاحا يتمثل في مواجهة المطالب الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين وخاصة الفئات التي دعمته.
تونس - تتصاعد وتيرة التساؤلات في الشارع التونسي بشأن حزمة الانتظارات المرجوّة من مرحلة ما بعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، وفيما سيغيّر هذا الحدث السياسي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، ما يضع الرئيس قيس سعيّد أمام رهان الإيفاء بوعوده للتونسيين وفق نص الدستور.
ويرتفع سقف الانتظارات الشعبية من المرحلة القادمة وسط إجماع سياسي وحقوقي على كونها ستطوي صفحة سيطرة المنظومة السابقة على الحكم وتفسح المجال أمام مشهد جديد يساعد على تحقيق ما طالب به التونسيون منذ سنوات.
ويقول مراقبون إنّ المطالب الاقتصادية والاجتماعية تتصدّر تطلعات التونسيين وانتظاراتهم، خصوصا بعد “الخيبات” المتكررة في الماضي بسبب الوعود الزائفة التي قدمتها أحزاب الحكم وضاعت بين أروقة البرلمان الذي كان مسرحا للتجاذبات والخلافات.

بسام الطريفي: على الرئيس أن يجد حلولا للأزمات مثل التداين والبطالة
وأفاد بسام الطريفي نائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان “التونسيون ينتظرون مطالب اقتصادية واجتماعية لم تتحقق من 2011، ولا بدّ من تعزيز الحقوق المدنية والسياسية”.
وأضاف لـ”العرب” “على الرئيس سعيّد أن يجد حلولا للأزمات الاقتصادية والاجتماعية على غرار التداين والبطالة وغياب الاستثمار والأمن الغذائي وغيرها، وعليه أن يتحمّل المسؤولية أمام التونسيين”.
وتعتبر أوساط حقوقية أن الدستور الجديد من شأنه أن يهيّئ أرضية جديدة لتوحيد القرار السياسي بعد تشتّته في السابق بسبب توزيع السلطات، علاوة عن كونه سيحقق نتائج أكثر نجاعة ممّا سبق، كما أن المرحلة القادمة ستضع وعود سعيّد في الميزان الشعبي.
وقال أستاذ القانون الدستوري والنيابي رابح الخرايفي “ما بعد الاستفتاء هو إنهاء المرحلة الدستورية، وانتقلنا من تنظيم دستوري معيّن إلى آخر جديد يوحّد القرار السياسي ويعطي نجاعة مؤسسات الدولة”.
وصرّح لـ”العرب” “الرئيس سعيّد سيجد نفسه أمام امتحان من قبل الناخبين والناخبات، وقد تخلّص من كل المعطلين للقرارات والإجراءات، كما سيصبح أمام التزام أخلاقي ودستوري لتحقيق جزء ممّا وعد به التونسيين على الأقل، مثل توفير الجانب الأمني وتنقية مؤسسات الدولة وضمان الخدمات الأساسية المتعلقة بالتعليم والصحة والنقل”.
وتابع الخرايفي “أعتقد أن سعيّد قادر على كسب الرهان شريطة توفير جهاز تنفيذي قوي وصارم بدءا بحسن اختيار الوزراء والولاة (المحافظين)، والمديرين العامين، فضلا عن استرجاع جزء من الأموال المهدورة في ممارسات الفساد والامتيازات والمقدرة بـ17 مليار دينار (5.53 مليار دولار)”.
رابح الخرايفي: لا بد من رؤية جديدة في التعامل مع المال العام
واستطرد “لا بدّ من رؤية جديدة في التعامل مع المال العام والاهتمام بالجانب التنموي”.
وتمرّ تونس بوضع اقتصادي واجتماعي مأزوم، ما يعسّر مهمة الرئيس في الإصلاح والتغيير وإيجاد حلول مناسبة لها، خصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب تداعيات الجائحة الصحية وانعكاسات الأزمة الروسية – الأوكرانية على الأسعار في العالم.
واعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان أن “سعيّد تعوّد على أن يكون صادقا في كل ما يقوله، وهذه نقطة تميّزه عن بقية السياسيين، ولا خيار أمامه الآن إلا الإيفاء بوعوده تجاه الفئات الشعبية”.
وأضاف لـ”العرب” “هذا المشروع سيعيد الثقة في الرئيس والمؤسسات ستعود للعمل، وسعيّد مطالب بتسريع عودة النشاط الاقتصادي وكسب الرهان الاجتماعي، علاوة عن محاربة الفساد وكشف الفاسدين وتقديم كل من تورّط في قضايا الإرهاب للعدالة”.
وأردف ترجمان “لا بدّ من إعطاء ثقة للاقتصاد المحلي وفق منوال تنموي جديد يتماشى مع الواقع، وإنهاء ظواهر الهجرة غير المنظمة (أكثر من 3 ملايين تونسي غادروا أراضيهم نحو مناطق أخرى للعمل)”.
وسبق أن أعلن صندوق النقد الدولي أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار مفاوضات تجريها المؤسسة المالية الدولية مع تونس لمنحها برنامج مساعدات، لافتا إلى أن “المحادثات بين الجانبين حقّقت تقدما جيّدا”.
وتدور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن، ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات موجعة تتعلق بالمؤسسات العمومية وتغيير منظومة الدعم.

ووصل سعيّد (64 عاما) أستاذ القانون الدستوري القادم من خارج دائرة الأحزاب السياسية، إلى الحكم في 2019 بعد فوزه في انتخابات رئاسية مبكرة بنسبة 72.71 في المئة، ليصبح ثاني رئيس لتونس ينتخب بالاقتراع المباشر منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي.
وفي الخامس والعشرين من يوليو 2021 قرر سعيّد إثر أزمة سياسية حادة في البلاد اتخاذ إجراءات استثنائية، وإقالة رئيس الحكومة وتجميد أعمال البرلمان قبل حلّه في مارس الماضي.
كما أعلن في الثالث عشر من ديسمبر 2021 عن خارطة طريق تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية في السابع عشر من ديسمبر 2022، بعد مسار ينطلق باستشارة إلكترونية ويختتم بالمصادقة على دستور جديد للبلاد. ونشر سعيد في التاسع من يوليو الجاري نسخة معدلة من الدستور الجديد بعد أن نشر نسخة أولى في الثلاثين من يونيو الماضي.
وأعلنت قوى سياسية تأييدها لمشروع الدستور الجديد في إطار استكمال المسار السياسي للرئيس، مؤكّدة أنه تضمن مكاسب عديدة مقارنة بدستور 2014، ومعتبرة أنه يمثّل مع بقية الإجراءات الاستثنائية تصحيحا لمسار ثورة يناير 2011، وسط انتقادات لاذعة من المعارضة التي اعتبرت ما قام به “انقلابا”.