سطوة النقابات تعطل إصلاح قطاع النقل في تونس

تونس - يستفز الاضطراب الطارئ والمتكرر في حركة سير القطارات التونسيين الذين لا يجدون أي تفسيرات من الأطراف المسؤولة، في حين يحمل خبراء النقابات مسؤولية ما تواجهه الشركة التونسية للسكك الحديد من مطلبية مستمرة ورفض خطط الحكومات المتعاقبة للإصلاح.
وسادت الاثنين حالة من الاحتقان في صفوف عدد من مستعملي القطار الرابط بين مدينة القلعة الكبرى وتونس العاصمة الذين عمدوا إلى تعطيل سير قطار قادم من قابس ومتوجه نحو العاصمة لمدة ساعتين بعد أن فوجئوا بحذف جميع القطارات الصباحية المنطلقة من القلعة الكبرى وسوسة نحو العاصمة.
وقال أحد الركاب الذين يستعملون يوميا القطار للتنقل من مدينة القلعة الكبرى إلى تونس العاصمة في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، إن "المسافرين على مستوى محطة القلعة الكبرى اضطروا إلى الاحتجاج بهذه الطريقة للتعبير عن امتعاضهم من هذا الإجراء غير المعلن من طرف الشركة التونسية للسكك الحديد التي تعمدت في أكثر من مناسبة حذف هذا القطار بصفة فجئية ودون سابق إعلان".
وأضاف أن "حذف الخط المذكور زاد في درجة الغضب والاحتقان اليومي في صفوف الركاب الذين يعانون من تردي الخدمات والتنقل يوميا بين سوسة وتونس في ظروف غير إنسانية، حيث إنهم يضطرون إلى قطع مسافات طويلة وقوفا وبين العربات في غياب أدنى درجات الأمان والسلامة والراحة".
ودعا السلطات إلى التدخل العاجل من أجل إعادة خطوط السكك الحديد الرابطة بين محطات سوسة وتونس العاصمة. وتواجه شركة السكك الحديد مشاكل اقتصادية خانقة بسبب سوء الإدارة المالية، ما يهدد ديمومة القطاع وسط تحركات احتجاجية ومطالب متعددة تهم الموارد المالية والبشرية والبنية التحتية لهذا القطاع.
وتشير آخر الأرقام الرسمية إلى ارتفاع مديونية الشركة، حيث بلغت ديونها تجاه مختلف الهياكل والمزودين في نهاية أبريل الماضي ما قيمته 423 مليون دينار (136.79 مليون دولار). ومن المنتظر أن تبلغ خدمة الدّين خلال الفترة 2022 - 2026 ما قيمته 397.8 مليون دينار (128.64 مليون دولار).
وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي إن "حجم المديونية بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية يبلغ 12 مليار دولار (3.88 مليار دولار)، 50 في المئة منها تخص المؤسسات التابعة للنقل ومنها شركة السكك الحديد". وأضاف لـ"العرب" أن "شركة السكك الحديد من أتعس المؤسسات الحكومية على المواطن الذي يدفع ضرائب ليتمتع بخدمات النقل الجيّد، لكنه يتحمل تكاليف أخرى إلى جانب تردي الخدمات".
وتابع الشكندالي "الدولة لم تقم بواجبها تجاه هذه المؤسسات من ناحية الحوكمة، في المقابل الرواتب المدفوعة للعاملين في الشركة تضاعفت بعد 2011، فضلا عن التمتع بامتيازات، قابلتها رداءة في الخدمات". وأوضح أنه "لا توجد خطوط نقل قطارات جديدة، وهذا يعكس غياب برامج وخطط الدولة، وعلى السلطات أن تطور هذا القطاع الإستراتيجي، أو تلتجئ إلى الخوصصة". واستطرد قائلا "هناك تغوّل نقابي لهذه المؤسسات يفوق إمكانيات الدولة".
ولم تنجح محاولات الإصلاح وإعادة الهيكلة في السابق، حيث سبق أن عرضت الحكومات المتعاقبة ثلاثة مخططات إصلاح على مجالس وزارية منذ 2012، لكنها لم تنفذ وظلت رهينة رفوف المكاتب.
وتضم شبكة السكك الحديد في تونس 23 خطا، يقدر طولها الإجمالي بـ2165 كيلومترا، منها 471 كيلومترا سكك عادية، و1686 كيلومترا سكك مترية من بينها 90 كيلومترا سكك مكهربة، فضلا عن السكك المزدوجة (عادية ومترية) التي يبلغ طولها 8 كيلومترات، كما تضم الشبكة 267 محطة ونقطة توقف.
وتبلغ السرعة القصوى 130 كيلومترا في الساعة على السكك المترية و140 كيلومترا على السكك العادية وتتراوح الحمولة بين 16 طنا و20 طنا، وفق ما ذكره موقع الشركة الوطنية للسكك الحديد.
وأفاد الخبير الاقتصادي جمال العويديدي بأن "مشكلة الشركة ليست بمعزل عن باقي الأزمات التي ضربت المؤسسات العمومية على غرار الصحة والنقل والتعليم، وهذا نتيجة لسياسات ممنهجة تسعى لتفكيك مقومات الدولة المدنية خصوصا بعد 2011".
وقال في تصريح لـ"العرب"، "الخوصصة ليست حلاّ مناسبا، لأن الدولة ألحقت في السابق 240 مؤسسة بالقطاع الخاص ولم تقم بأي تقييم، كما أن السكك الحديد موجودة في تونس قبل فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد". وذكر العويديدي أن "الأزمة عامة، ولا بد من إعادة النظر في المنوال التنموي والتخطيط على المدى المتوسط والبعيد".
وخصّصت السلطات التونسية في 2020 اعتمادات دفع في حدود 203 ملايين دينار (73.64 مليون دولار) تهم مواصلة إنجاز القسط الأول من الشبكة الحديدية السريعة ومشاريع الشركة الوطنية للسكك الحديد وشركة النقل.
ويبدو أن ميزانية الدولة لوزارة النقل لا تغطي تمويل المشاريع في العديد من المجالات، خاصة برامج تجديد أسطول الحافلات ومعدات النقل الحديدي للمسافرين ونقل الفوسفات ومشاريع تهيئة مراكز الفحص الفني ومحطات النقل البري والبنية التحتية للمطارات والموانئ وتجديد أسطول النقل الجوي والبحري.
ويوجه مختصون في الشأن الاقتصادي أصابع الاتهام نحو حكومة الترويكا (بين 2011 و2014)، محملين إياها مسؤولية الانتدابات العشوائية وإغراق المؤسسات الحكومية بعدد كبير من الموظفين لا ينسجم مع طاقة استيعابها المالية. ويغذي عدد الموظفين والعمال حدّة ارتباك التوازنات المالية بفعل ارتفاع هذا العدد مقارنة بحاجة أغلب المؤسسات.
وارتفعت نسبة حوادث القطارات خلال السنوات الأخيرة في ظل تداخل المسؤوليات وتعدد الأسباب، أبرزها اهتراء البنية التحتية وعدم تجديد القطارات منذ سنوات طويلة، إضافة إلى ضعف الموارد البشرية والمالية. ورغم كثافة التحركات الاحتجاجية المطالبة بضرورة النهوض بقطاع السكك الحديد لم تعتمد الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2011 إلى اليوم إستراتيجية واضحة وحلولا جدية لضمان عدم تكرر مثل هذه الحوادث المهددة لحياة المسافرين.
ويجمع الخبراء على أن بنية القطاع التحتية المهترئة وعدم تجديد الوسائل منذ سنوات ساهما في وقوع العديد من الحوادث المتمثلة في خروج قطارات عن سككها وانقلابها أو تصادمها مع وسائل نقل أخرى، ما أسفر عن سقوط العشرات من الضحايا والمصابين، ولعلّ أكثر هذه الحوادث سوءا الحادث الذي جدّ في مدينة الفحص من محافظة زغوان في يونيو 2015 وأودى بحياة 18 شخصا وجرح حوالي مئة آخرين.