سباق بين تركيا وإيران للاستفادة من "النصر" القطري

الدوحة - انطلق السباق التركي الإيراني في الاستفادة مما اعتبراه “نصرا” قطريا على السعودية ودول المقاطعة بعد أن انتهت القمة دون أن تلزم الدوحة بالحد من علاقاتها مع أنقرة وطهران، وهي أحد الأسباب الرئيسية للخلاف الذي انتهى إلى مقاطعة امتدت لأكثر من ثلاث سنوات.
ويدرك الطرفان أن نافذة الدوحة أبعد من أن تغلق في وجه نفوذهما المتزايد على الأراضي القطرية، وهو ما يحافظ بالنسبة إليهما على فرص اختراق الخليج ومنع موقف موحد لدول مجلس التعاون ضد التهديدات الإيرانية من ناحية، وضد الاختراق التركي من ناحية ثانية.
وأشاد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، بما أسماه المقاومة القطرية، ملمحا إلى أن هذه المقاومة يمكن التعويل عليها لدخول المنطقة، في إشارة إلى عزل الموقف السعودي الساعي إلى بناء توازن إقليمي مع إيران أمنيا وعسكريا ودبلوماسيا.
وقال ظريف في تغريدة على حسابه في تويتر “نبارك لقطر نجاحها في مقاومتها الشجاعة مقابل الضغط والابتزاز”.
وأضاف “يدري جيراننا العرب أن إيران ليست عدوا ولا تهديدا”.
وتابع “كفى إلقاء اللوم على الآخرين، خاصة عندما يترك ذلك المتمرد السلطة (في إشارة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب)”، وأنه “حان الوقت لقبول رؤيتنا الخاصة بتكوين منطقة قوية”.
ويعتقد مراقبون أن طهران تراهن على أن تلعب الدوحة دورا رئيسيا في كسر التحالفات التي تسعى السعودية لبنائها سواء ذات البعد العربي الإسلامي أو في العلاقة مع الأميركيين لتطويق إيران ومنعها من توسيع دائرة التوترات في المنطقة.
وأضاف هؤلاء المراقبون أن إستراتيجية إيران تقوم على خلق أجواء متوترة في المنطقة تساعد في إقناع السعودية والولايات المتحدة بأن التعامل معها له باب في الدوحة تماما مثل الدور الذي تلعبه في احتضان الحوار بين واشنطن وحركة طالبان، أو في العلاقة مع الجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى بما في ذلك الموالية لإيران.
وينظر المراقبون بعين الشك إلى التزام قطر بتغيير علاقتها مع إيران استجابة لمطالب السعودية، وأن الدوحة ستظل تراهن على طهران كورقة ضغط بيدها تجاه أي ضغوط لمطالبتها بتنفيذ الشروط التي سبق أن اشتُرطت عليها في 2017.
وإذا كانت إيران تعمل على استثمار المصالحة لإيجاد موطئ قدم يربك مساعي عزلها، فإن تركيا تنظر إلى نتائج قمة العلا كبوابة لعودة قوية إلى الخليج، خاصة من بوابة الاستثمارات والسياحة وكأن المصالحة ستلعب دور التكفير عن تآمر أنقرة على السعوديين، وليس عن أخطاء الدوحة.
وأعربت وزارة الخارجية التركية عن ترحيبها باتفاق “المصالحة الخليجية”. وقالت إن “إظهار إرادة مشتركة لحل النزاع الخليجي والإعلان عن إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع قطر أمر يبعث على السرور”.
وأضافت “مع إعادة تأسيس الثقة بين الدول الخليجية، تركيا مستعدة لبذل الجهود من أجل الارتقاء بتعاوننا المؤسسي مع مجلس التعاون الخليجي الذي نحن شريك إستراتيجي له”.
ويعتقد الأتراك أن “نصر” قطر في الخروج من قمة العلا دون أي التزامات واضحة هو نصر لهم باعتبارهم الحليف الرئيسي للدوحة في أزمة المقاطعة، حليف عسكري واقتصادي ودبلوماسي، وهو ما يستدعي تقاسم مكاسب هذه المصالحة.
اقرأ أيضاً:
ويراهن الأتراك على حِلم القيادة السعودية وسعة صدرها، وهي تتعامل مع المصالحة كقرار قومي خليجي لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، ويعتقدون أن هذا الحِلم سيقود إلى نسيان الإساءات التركية الواسعة التي رافقت قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ومن ثمة وقف حملات المقاطعة الشعبية، وفتح باب الاستثمارات السعودية الحكومية والخاصة في تركيا لإنقاذ اقتصادها المتهالك بسبب قرارات سياسية غير محسوبة.
لكن محللين يقولون إن الرياض التي تبدي سعة الصدر تجاه الدوحة وترغب في تطويق الخلاف بشأن أدوارها الإقليمية، لم تبد أي إشارات عن انفتاح أو تقارب تجاه أنقرة منذ الاتصال الهاتفي بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان عشية قمة العشرين.
كما أن كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الثلاثاء، في قمة العلا لم تشر إلى تركيا من قريب أو بعيد، وهو ما يعني أن المصالحة خليجية – خليجية، ولا نية لمصالحة مع حلفاء قطر مثل تركيا أو إيران أو الإخوان المسلمين.
وفي ظل غموض تفاصيل المصالحة، وعدم معرفة الجهات المستفيدة منها، يشن أنصار الإخوان المسلمين في مواقع التواصل الاجتماعي حملة تشويه لدول المقاطعة والاستخفاف بالمصالحة وإظهارها في صورة استجابة مجانية لضغوط قطر، وأنهم في موقع قوة ما دامت الدوحة قد حققت هذا “النصر”.
وتهدف الحملة إلى الضغط على السعودية بدرجة أولى لإطلاق سراح العناصر الإخوانية كمؤشر على حسن نواياها في المصالحة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصر.
ويعتقد المحللون أن استمرار حملة الإخوان على دول المقاطعة يظهر خوفهم من اتفاق سري قد يشمل التخفيف من وجودهم في قطر، والتضييق على تحركاتهم وظهورهم الإعلامي، وأن الدوحة قد تبيعهم مقابل سكوت دول المقاطعة عن مسائل أخرى ذات أولوية بالنسبة إليها.
ويشير هؤلاء إلى أن الجماعات الإسلامية التي كانت تشتغل لصالح قطر تعيش حالة من الصدمة لأن المصالحة تعني آليا توقف الدور الوظيفي الذي كانت تلعبه في تشويه الدول الأربع المقاطعة، وهو دور كان يجلب لها الحظوة السياسية والدعم المالي وحرية الحركة في الداخل والخارج.
وباتت هذه المزايا مهددة خاصة أن المسؤولين القطريين يتكتمون إلى حد الآن على ما حوته لقاءات العلا وتعهداتهم فيها، ولاسيما البند المتعلق بـ”تعزيز التعاون في مكافحة الكيانات والتيارات والتنظيمات الإرهابية”.