سؤال جديد على المجتمعات: أيهما أخلص أصدقاء الفيسبوك أم الجيران

جيل شبكات التواصل الاجتماعي قادر على بناء وتكوين علاقات ناجحة خاصة مع تزايد استخدام مواقع التعارف التي تساعد في التعارف واللقاءات العاطفية.
الأربعاء 2019/08/07
تواصل مرغوب فيه لا يفرضه القرب

تحذّر دراسات حديثة من تركيز الناس اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرة أنها باتت أحد مظاهر الإدمان المضرّة بالصحة العقلية والنفسية والعلاقات الاجتماعية المباشرة، وتميل هذه الدراسات إلى اتهام مواقع التواصل الاجتماعي بالتسبّب في العزلة بين أفراد الأسرة والمجتمع، وأنها أهمّ سبب لقطع العلاقات الإنسانية المباشرة، لكنّ بعض الباحثين والمؤرخين يرون أن العلاقات عبر الإنترنت صحية ومتينة ومفيدة مقارنة بالعلاقات المباشرة السائدة لدى الأجيال السابقة.

 لندن – يندد كثيرون اليوم بعلاقات جيل شبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت ويشعرون بالحنين إلى عصر التواصل المباشر، ويؤكد خبراء وباحثون في مجال الاتصال والتواصل أن جيل الألفية يستطيع تكوين صداقات وعلاقات أكثر جدوى من مؤيّدي التواصل المباشر.

ويقول المؤرخ جون لورنس، أستاذ التاريخ بجامعة إكستر البريطانية، إن جيل الفيسبوك قادر على إقامة روابط اجتماعية أكثر قيمة بناءً على الاختيار، وليس القرب، على عكس الأجيال السابقة. وقد كان “العصر الذهبي” للمجتمعات الضيّقة المرتبطة ببعضها البعض في الواقع هو عبارة عن حقبة شهدت مشاحنات بين الجيران، وصراعات داخل الأسر، وعلاقات صداقة صعبة.

وقال لورنس إنّ الجيران في البلدات والمدن الداخلية في بريطانيا ما بعد الحرب غالباً ما كانت لديهم علاقات مشحونة، وإنّ الناس غالباً كانوا يحافظون على خصوصياتهم.

وربطت العديد من الدراسات نمو وسائل التواصل الاجتماعي بمعدلات عالية كنتيجة للشعور بالوحدة وضعف الصحة العقلية، لاسيما بين الشباب، لكن لورنس قال إنه من الخطأ الاعتقاد بأن صعود الفردية قد قوّض المجتمعات وجعل الناس أكثر عزلة.

من الخطأ أن نتشبث بفكرة أن الأمر يتعلق بالعلاقات المباشرة القائمة على القرب وعلى النظرة الخرافية لما كان عليه المجتمع
 

وقال لورنس لصحيفة التايمز “هناك إمكانات هائلة للتواصل الاجتماعي الموجود في هذه التقنيات. لقد تم بالفعل تبنّيها لأن الرغبة في التواصل قوية في ثقافتنا مثل الرغبة في الاستقلالية. نحن بحاجة إلى التفكير بطريقة مشتركة حول كيفية إعادة ضبط وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة تسمح للناس بالاتصال بالطريقة التي يرغبون فيها”.

ودرس لورنس مقابلات مع المئات من الأشخاص في مجتمعات ما بعد الحرب من مدن الطبقة الوسطى إلى المناطق الداخلية ومناجم التعدين لتوثيقها في كتابه “مي، مي، مي؟ ذا سيرش فور كميونيتي إن بوست وور إنغلاند”.

وكان من بين الأمور الشائعة التي وجدها، خاصة في مناطق الطبقة العاملة، هي أن الناس انغلقوا على أنفسهم لتجنّب المتاعب وكانوا حذرين من جيرانهم. كانت علاقاتهم مقصورة على أفراد الأسرة أولاً، لكن “هذه العلاقات أيضا كانت تشوبها المشاحنات، وكانت عاطفية للغاية، بسبب القرب”، كما قال لورنس “كانت هذه العلاقات تتخذ شكلا أفضل عندما تكون هناك مسافة صغيرة تفصل بين الطرفين. لذلك، أرى أنه من الخطأ بالنسبة لنا أن نتشبث بهذه الفكرة المتمثلة في أن الأمر يتعلق بالعلاقات المباشرة القائمة على القرب وعلى النظرة الخرافية لما كان عليه المجتمع”.

وكانت دراسات سابقة قد أجمعت على أنّ الأفراد النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين يقضون معظم أوقاتهم على شبكات الفيسبوك ومثيلاتها يقلّ لديهم التواصل المباشر مع المحيطين بهم، وتزيد نسب التواصل مع الآخرين حتى من معارفهم في العالم الرقمي، وذلك بسبب الانسياق وراء تيار التقنيات الحديثة في العصر الراهن.

العلاقات عبر الإنترنت

ويقول باحثون إن وسائل التواصل الاجتماعي بقدر ما تتيح حرية التفاعل والتواصل عن كثب مع الأحباء متى وأينما رغبنا، إلا أنها في المقابل تجعلنا لا ندرك في كثير من الأحيان، كيف أنها تهدّد وتفسد علاقاتنا الاجتماعية الفعلية في عالمنا الحقيقي.

وتقول خبيرة في علم النفس الإعلامي من جامعة فورتسبورغ الألمانية، استريد كارولوس، “تشير الدراسات إلى أن الاتصالات الرقمية في وقتنا الحاضر تكمل وتوطّد العلاقات الحياتية الحقيقية. فنحن نعيش في عالم قائم على العولمة ويعتمد إلى حد بعيد على الأجهزة المتنقلة، مما أدى إلى حدوث تباعد بين الشركاء وأفراد العائلة”.

وتضيف الخبيرة “تشكّل الاتصالات الرقمية فرصة مواتية لسدّ الثغرات الناشئة عن ظروف حياتنا المعاصرة التي تضطرنا أحيانًا للعيش في مدن أو بلدان مختلفة. ومع ذلك، لا يمكن للاتصالات الرقمية أن تحلّ محلّ العلاقات الشخصية الحقيقية وجها لوجه، على الأقل ليس دائما وليس تماما. فالاتصالات الرقمية لا تفي باحتياجاتنا الحسية والعاطفية تجاه أحبائنا، لأنها في واقع الأمر مجرد قنوات تواصل لا تتأثر بأي شعور، مما يؤدّي إلى انخفاض مستوى التفاعل الحسي مع الآخرين”.

وتهتم العديد من البحوث بالعلاقات العاطفية التي تنجم عنها علاقة حبّ قد تتوّج بالزواج والتي تنطلق وتنشأ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويرجّح كثيرون أن هذه العلاقات التي لم تبدأ بالالتقاء والتعارف المباشرين يكون مآلها في غالبية الحالات الفشل، غير أنّ معارضين لهذا الرأي يؤكدون أنها علاقات قادرة على النجاح، وأنها لا تختلف عن غيرها من العلاقات العاطفية، حتى وإن كان منطلقها وتطوّرها كان عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

تكوين صداقات وعلاقات أكثر جدوى

وكشفت دراسة إحصائية عن استخدام الإنترنت في العلاقات العاطفية، أن ما يقارب ربع المشاركين في البحث أكدوا أنهم وجدوا الحب وبنوا علاقات عاطفية باستخدام التواصل الاجتماعي على الإنترنت. وقام بالدراسة مركز الأبحاث بيو (Pew) في واشنطن، وشارك في الإحصائية 2250 مستخدم إنترنت.

وبحسب نتائج الدراسة فإن 11 بالمئة من البالغين في المجتمع الأميركي يستخدمون مواقع التعارف التي تساعد في التعارف واللقاءات العاطفية. ونسبة 30 بالمئة من مستخدمي الإنترنت يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي ومحرّكات البحث لاستقصاء أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الأشخاص الذين يرغبون في إقامة علاقة معهم.

والملفت للانتباه في نتائج الإحصائية، أن الأرقام تبيّن زيادة متسارعة في نسبة الذين يستخدمون الإنترنت لبناء علاقات عاطفية أو إيجاد شريك الحياة. وتضاعفت نسبة مستخدمي مواقع العلاقات العاطفية في السنوات الأخيرة.

21