زينب البحراني: الكتابات "النسوية" كتابة "حريمية" مملة

كتبت زينب البحراني مجموعتها القصصية الأولى “فتاة البسكويت” عام 2008 محاولة من خلالها أن تتلمس هموم المرأة وأسئلتها الخاصة في المجتمع الخليجي بشكل عام، والسعودي على وجه الخصوص. ثم بعد عامين أصدرت كتابها الثاني تحت عنوان “مذكرات أديبة فاشلة”، وفيه تناولت على شكل سيرة ذاتية فصولا قصيرة من هموم الكتابة وارتباكاتها لدى المبدعة العربية الشرقية. ثم في عام 2011 أصدرت استطلاعا ثقافيا حمل عنوان “على صليب الإبداع/ عندما يفصح المبدعون عن أوجاعهم”، وفي هذا الكتاب سبرت البحراني هموم وطقوس الكتابة لدى المبدعين العرب من الخليج إلى المحيط عبر استطلاع ثقافي تناول تجاربهم وأحلامهم وهمومهم الشخصية والجماعية على الصعيد الحياتي والسياسي.
مؤخرا اقتحمت البحراني عالم السرد الروائي عبر رواية “هل تسمح لي أن أحبك؟” الصادرة العام الماضي ضمن مطبوعات دار الدوسري البحرينية. وتشتغل الآن على رواية جديدة قيد النشر ستحمل عنوان “لأني أحبها”. ورغم ما تقدّمه من أدب وكتابات جادة إلا أن البحراني تميل إلى كونها تقليدية في اشتغالاتها. تقول لـ”العرب”: أعترف أنني “تقليدية” إلى حد كبير في كل ما قدمته من نصوص حتى اليوم، حاولت في بداياتي طرق أبواب الحداثة فاكتشفت أن أذواق عامّة الناس لا تصافح هذا النوع من الكتابات بكثير من الترحيب، وأنا أكتب كي يقرأ لي أكبر كم من البشر دون أن يهمني تقديم جديد تتجاهله الثقافة الشعبية مهما بدا للنقاد وللباحثين في شؤون الأدب استثنائيا وفريدا.
حول التجربة
تذهب البحراني إلى أن الكتابة هي جزء من رحلة استكشاف الذات للكاتب، وأن تراكم التجارب كفيل بكشف مناطق جديدة لديه. تقول: بمرور الأيام والأعوام نتوغل في التجربة التي تجيب عن تساؤلات سابقة تتقازم أمام ضخامة الأفراح والأتراح والصدمات والخيبات، وتتناسل متمخضة عن جيل جديد من التساؤلات الأكبر حجما، وأكثر عمقا، وأبعد مدى، إنها لعبة التبادل بين جوع الروح وشبعها مرة بعد مرة، جوع لا ينتهي، وظمأ لا يرتوي، وشبع لا يكتفي.
الأدب الذي لا يسمع به أحد، ولا يعلم بوجوده أحد، ولا يقرأه أحد، يكون وجوده مثل عدمه لعجزه الفعلي
وعن تحوّلها من القصة القصيرة إلى الرواية تقول البحراني: لست ممن يعقّدون أنفسهم ويحبسونها بين قضبان نقدية نارية أثناء الكتابة، لقد وصلت إلى مرفأ من مرافئ التصالح مع الذات إلى حد الكتابة للاستمتاع بالكتابة فقد، أنا أكتب كل فكرة أستمتع بكتابتها تاركة لها حرية ارتداء النص الذي تعتقد أنه يليق بمضمونها.
لا جديد في دور المرأة
في مجتمع محافظ مثل السعودية تذهب بعض الكاتبات مدفوعات بالخوف إلى منطقة آمنة من خلال الالتجاء للمجاز أو الترميز حتى يستطعن أن يمررن أفكارهن برشاقة لا يمكن محاصرتها أو الوقوف عندها، فلا يكنّ بذلك “اللقمة السائغة” في فم الرقيب الاجتماعي والسياسي والديني. تقول البحراني عن هذا الشأن: الشجاعة بصراحة تتعلق بعوامل شخصية أكثر من تعلقها بعوامل أدبية، أو هكذا هي بالنسبة إلي. في البدايات تكون خائفا من ظروف كثيرة، لكن في ما بعد، بمرور الأعوام والأفراح والأحزان يغدو الخوف مسألة عبثية، وتكتشف أن معظم ما كنت تخاف منه لا يستحق الخوف.
|
وفي سؤال لـ“العرب” عن رأيها في تحولات أدب المرأة المعاصر في الثقافة العربية، بفعل الانتفاضات والتحولات العاصفة التي شهدتها المنطقة ولا سيما بعد الربيع العربي تجيب البحراني: الأدب الذي لا يسمع به أحد، ولا يعلم بوجوده أحد، ولا يقرأه أحد، يكون وجوده مثل عدمه لعجزه الفعلي عن خدمة القضيّة التي يفترض أنه ولد ووجد للدفاع عنها، لذلك أرى أن دور المرأة العربية خلال هذه المرحلة مازال بلا جديد باستثناء ما تقدمه بسالة بعض المثقفات من نشاط على صعيد الحراك الثقافي النسوي، ويجب أن نعترف أن الكاتبة “نوال السعداوي” هي السر الخفي الأعظم وراء معظم الحملات والشعارات التي اعتنقتها أجيال جديدة من المثقفات والكاتبات المصريات اللواتي يعتبرنها الملهمة الرئيسية لهن ويعترفن بذلك دائما. أي أن المسألة ليست مسألة “انفعال جديدة” بما يسمى “انتفاضات وتحولات عاصفة تشهدها البلاد العربية”، بل انبعاث لفكر وجد فرصته للإطلال على العالم من نافذة أكثر اتساعا.
وتضيف على مستوى الشأن المحلي السعودي عن دور الأدب النسوي حيال المرأة المعتدى عليها بالنكران والتهميش والتسلّط قائلة: هناك من استطعن فعلا تقديم سخافات بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولا أدنى بصيص تمرد على الأوضاع الخانقة للمرأة ظنا منهن أنهن يقدّمن خدمة جليلة للأدب السعودي.
حول موقع المثقفة السعودية في المشهد الثقافي المحلي والعربي تقول البحراني: هذا السؤال مؤلم جدا إلى درجة أن تنهيدة حزينة واحدة تعجز عن تضميد جرحه. المثقفة السعودية صوت غائب بين مئات الأصوات، لا يسمعه القارئ المحلي والعربي بوضوح إلا إذا أفصح عن هذا الصوت خارج السعودية. المثقفة السعودية تعيش رحلة كفاح تتقاسمها الحاجة لتأكيد ذاتها كإنسانة، والرغبة في تأكيد وجوده على الصعيد الثقافي بصعوبة شديدة، وفي ظروف كهذه يصعب تحديد مكانها في مشهد كهذا.