زيادة معدل التسرب التعليمي تثير انتكاسة أسرية في مصر

حذر خبراء وحقوقيون مصريون من زيادة معدل التسرب التعليمي ما يهدد بانتكاسة أسرية في مصر، ودعوا إلى التخلي عن سياسة الترهيب الموجهة إلى الأسرة التي يتسرب أولادها من التعليم، مؤكدين أن احتواء أمية الأطفال وإنقاذهم من الجهل والظروف الأسرية الصعبة يتطلب تحمل فاتورة تعليمهم، بدلا من حرمان آبائهم من الدعم الحكومي.
القاهرة - أكد تصعيد برلماني ضد الحكومة في مصر بسبب ارتفاع معدل التسرب من التعليم مؤخرا، عمق الأزمة المرتبطة بعزوف شريحة من الأسر عن تعليم أولادها لأسباب اقتصادية واجتماعية، وتراجع قيمة التعلم بشكل ملحوظ، بما يؤدي مستقبلا إلى انتكاسة أسرية، حذر منها أعضاء في مجلس النواب وطالبوا بتدخل عاجل.
وتقدم عدد من نواب مجلس النواب (البرلمان) بطلبات إحاطة إلى وزير التربية والتعليم بعد إحصاءات رسمية صدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، تحدثت عن زيادة معدل التسرب التعليمي وانقطاع شريحة كبيرة من الطلاب عن المدارس، ما يؤسس لأمية متصاعدة ستكون لها تداعيات خطيرة.
واقترح عدد من أعضاء البرلمان ربط التحاق الطلاب وحضورهم بالمدارس بحوافز ومميزات جديدة بمختلف برامج الحماية الاجتماعية، وتقديم مكافآت مالية صغيرة للطلاب الذين يحققون نتائج جيدة في الاختبارات أو يحضرون بانتظام، مع توفير منح دراسية إضافية للطلاب المتفوقين من أبناء الأسر البسيطة.
وحذر برلمانيون من ضياع جهود حكومية لعصرنة الأسرة المصرية، لأن التسرب التعليمي ينعكس سلبا على منسوب الوعي في المجتمع، مع تكريس الجهل الأسري وتوريث أفكار وعادات بالية يجب القضاء عليها، مثل الزواج المبكر وختان الإناث وعمالة الأطفال، وهي سلوكيات يعود معظمها لانتشار الأمية بين أجيال قديمة وجديدة.
وتحركت الحكومة سابقا لتعديل قانون التعليم لمعاقبة ولي الأمر إذا انقطع الابن عن الدراسة مع فرض غرامة مالية على الأب وحرمان أسرته من بعض الخدمات الأساسية إلى حين عودة الطفل إلى المدرسة، لكن البرلمان رفض هذا المقترح حتى عاد مجددا ليطالب بتطبيقه بصيغة أخرى مرتبطة بالحرمان من الدعم.
◙ برلمانيون حذروا من ضياع الجهود لعصرنة الأسرة، لأن التسرب التعليمي ينعكس سلبا على منسوب الوعي في المجتمع
ويسعى مجلس النواب من وراء مقترح ترهيب الأسر التي تستسهل تسريب أولادها من التعليم إلى الضغط على أرباب الأسر، لكن تظل المشكلة في تهاوي قيمة التعلم عند شريحة من العائلات تتعامل مع المدرسة على أنها مضيعة للوقت والجهد والمال، في ظل ظروف معيشية ضاغطة تتطلب توظيف الأبناء من الصغر.
ولدى الحكومة إستراتيجية تسعى لتحقيقها مرتبطة بنسف الجهل الأسري عبر تحضر الأبناء تمهيدا للقضاء على الموروثات والعادات السلبية، لأن المتسربين من المدارس سيكونون في المستقبل القريب مسؤولين عن عائلات وأطفال، والخطر أن يرثوا نفس الأفكار والخرافات أو يقعوا فريسة لمعتقدات أسرهم.
وقد يكون التصعيد البرلماني ضد الحكومة في ملف التسرب التعليمي مقدمة لاتخاذ إجراءات صارمة كانت تحتاج إلى مظلة تشريعية لتنفيذها، وهذا توجه مطلوب على وجه السرعة، لكن تظل العبرة في وضع آلية واقعية تضمن إعادة المتسربين إلى المدارس وتحظر على أي أسرة ضياع حق أولادها في التعليم.
وطالب حقوقيون معنيون بشؤون الطفل في مصر بأن تتدخل الحكومة بشكل إيجابي بعيدا عن سياسة الترهيب والوعيد الموجهة إلى الأسرة التي يتسرب أولادها من التعليم، لأن احتواء أمية الأطفال وإنقاذهم من الجهل والظروف الأسرية الصعبة يتطلب تحمل فاتورة تعليمهم، بدلا من حرمان آبائهم من الدعم الحكومي.
ويعتقد هؤلاء أنه حال تمسكت الحكومة بوجهة نظر البرلمان في حرمان تلك الأسر من المساعدات وبعض الخدمات، فإن ذلك لن يقي المجتمع من أزمات أسرية مستقبلية، وسيظل هؤلاء الصغار عند الكبر يحملون نفس الأفكار الرجعية، بل قد يحرمون أبناءهم أيضا من التعليم، إضافة إلى توريث كل ما هو سلبي، فكرا وسلوكا.
وهناك من يعارض التوجه البرلماني، لأن أسلوب التهديد يعني أن دوائر صناعة القرار لا تمتلك خطة واضحة لإعادة الأطفال المتسربين إلى المدارس، وهؤلاء لا سبيل لدمجهم سوى تحسين البيئة التعليمية، والتعامل برفق مع أبناء الطبقة البسيطة، وتوعية أسرهم ومحو أميتهم والنزول إلى مستواهم الفكري عند تثقيفهم.
وتكمن الخطورة في أن الطفل الذي ينتمي إلى أسرة بسيطة ولم يتعلم ليغير واقعه وحياته ويرسم مستقبله بعيدا عن الفقر والعوز، فإنه قد يكبر فقيرا. ولأنه لم يتعلم من الأساس سيكون من الصعب عليه تأسيس كيان أسري يؤمن بالتعليم كهدف أساسي، وما يترتب على ذلك من تصرفات وسلوكيات هدامة قد يصبح تغييرها مستحيلا.
وتلك المخاوف حذر منها نواب داخل البرلمان، فعندما يكبر الصغير غير المتعلم على أن ختان الإناث عادة يجب تطبيقها والزواج المبكر مباح كوسيلة للهروب من الأزمات المعيشية، ثم يكتسب ثقافته من الشارع وليس البيئة التعليمية، ويفتقر للحد الأدنى من المعرفة بشأن التكوين الأمثل والأنسب للعائلة السوية سيساهم في بناء أسر غير متماسكة ولا تؤمن بالتعليم كأساس للتقدم والرفاه والوعي، ومن ثمة سيتكرس الجهل والإيمان بالخرافات والسلوكات المنحرفة وغير السوية.
ويؤكد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن القضاء على التسرب التعليمي ليس مهمة مستحيلة، المهم أولا البحث في خلفيات قرار كل أسرة لا تعلم أولادها، من خلال إجراء حوار مع الأهالي لمعرفة الأسباب التي دفعتهم إلى هذا المسار، وبعد ذلك يتم وضع حلول واقعية ومرتبطة بمشكلات الأسرة لتكون حلولا ناجزة.
قال علاء الغندور الاستشاري في شؤون الأسرة أن الجزء الأكبر من مشكلة التسرب مرتبط بظروف معيشية، وأخرى نفسية تتعلق ببعض الأبناء نتيجة كراهية التعلم، وثالثة لها جذور مادية بأن تبحث بعض الأسر عن توظيف الابن في مهنة أو حرفة حتى يساعد الأبوين في الإنفاق، وهذا يحتاج إلى إطلاق مشروع قومي لمواجهة التسرب.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن حلول التسرب التعليمي تحتاج إلى حوافز إيجابية لا ترهيب، وعكس ذلك ستكون هناك تداعيات سلبية على عصرنة الأسرة، وما يترتب على ذلك من سلوكيات سيتم توريثها لسنوات مقبلة، ولن يفلح أي قانون في مواجهتها، مثل الختان والأمومة المبكرة، لأن التسرب أخطر شيء على استمرار الزواج المبكر.
ووفق جهاز الإحصاء الحكومي، فإن عدم تعليم الفتيات يتصدر قائمة الأسباب وراء استمرار تزويج القاصرات في المناطق الريفية والشعبية والحدودية، حيث تقتنع بعض الأسر بضرورة زواج الفتاة في سن صغيرة بدلا من تعليمها والإنفاق عليها، لكن الحكومة لا تزال تحارب الزواج المبكر دون علاج السبب الرئيسي للمشكلة.
ويُحمل بعض الأهالي الحكومة المسؤولية وأنها السبب في ارتفاع معدلات التسرب المدرسي بسبب ارتفاع تكلفة الإنفاق على التعليم ورفع المصروفات الدراسية رغم الظروف المعيشية الصعبة، ما دفع بعض الأسر إلى حرمان أولادها من التعليم لعجزها عن توفير متطلبات الأبناء دراسيا، حتى إن كانوا متفوقين وبإمكانهم تغيير حال الأسرة.
وما عقّد الأزمة ودفع البرلمان إلى التدخل أن البيئة التعليمية أصبحت طاردة للطلاب وتفتقد إلى مقومات التحفيز على الالتزام بالحضور للمدرسة، وصار الأهالي محبطين من إدارة المنظومة بقدر من العشوائية، ما كانت له تداعيات مرتبطة بالنظر إلى التعليم على أنه لا يستحق الضغوط النفسية والمادية، ومقاطعته راحة للأبناء والآباء.