زواج المسيار يبيح للسعوديين تعدد الزيجات دون ضغوط إعالة أسرة ثانية

إضفاء شرعية على المسيار بفتوى دينية رسمية أكسبه رواجا رغم معارضيه.
الاثنين 2021/07/05
المسيار طريق وسطي بين الزواج التقليدي وحياة العزوبية

ساهمت مسألة إضفاء شرعية على زواج المسيار بفتوى دينية رسمية أصدرها مفتي السعودية في أواسط التسعينات في رواجه بشكل لافت، وسانده في ذلك بعض أعضاء هيئة كبار العلماء في البلاد. ويقبل البعض من النساء على زواج المسيار هروبا من العنوسة وتعتبره أخريات فرصة لبداية جديدة إذا كن مطلقات أو أرامل، بينما يجد فيه الرجال فرصة لتعدد الزيجات دون ضغوط إعالة أسرة ثانية.

الرياض  – ينتشر المسيار وهو زواج بلا قيود تقليدية ويتم غالبا في السر بوتيرة متسارعة في المجتمع السعودي رغم معارضة البعض، وخصوصا لدى الرجال غير القادرين على تحمل التكاليف الباهظة لحفلات الزفاف.

وهذه الممارسة، التي تكون عادة علاقة مؤقتة تتنازل فيها الزوجة عن بعض الحقوق التقليدية في الزواج مثل السكن مع الزوج وتحمّله للمصاريف، مسموح بها قانونيا منذ عقود في المملكة المحافظة.

ووفرت مقابلات مع نحو 12 من وسطاء الزواج وأزواج مسيار، من بينهم عرسان مرتبطون في زيجات تقليدية بالفعل، نافذة على ظاهرة لا تزال مغلفة بالسرية والخجل رغم انتشارها ورواجها في السعودية.

وتُظهر الشهادات أنّ زواج المسيار يُنظر إليه على أنهّ “طريق وسطي” بين الزواج التقليدي وحياة العزوبية، ما يبيح للرجال تعدد الزيجات دون ضغوط إعالة أسرة ثانية.

ورغم احتمال تعرضهن للإساءة يروق المسيار للبعض من النساء الساعيات إلى تفادي التوقعات الذكورية من الزواج التقليدي، وكذلك الرجال غير المتزوجين الذين يسعون للحصول على غطاء ديني لعلاقاتهم الجنسية التي يحظرها الإسلام خارج إطار الزواج.

وقال موظف حكومي سعودي أربعيني في علاقة مسيار مع أرملة سعودية ثلاثينية منذ أكثر من سنتين إنّ “زواج المسيار يقدّم لي الراحة والحرية والرفقة وهو أيضا حلال”.

رغم احتمال تعرضهن إلى الإساءة يروق زواج المسيار للبعض من النساء الساعيات إلى تفادي التوقعات الذكورية من الزواج التقليدي

وأفاد وكالة فرانس برس أن لديه ثلاثة أبناء من زواج تقليدي آخر وأنه يزور زوجته المسيار في منزلها في العاصمة الرياض “حينما” يريد. وأضاف “لي صديق (سعودي) تزوج مسيار 11 مرة، يطلّق ويتزوّج أخرى، ثم يطلّق ويتزوّج أخرى”.

ويبحث سعوديون وكذلك وافدون من الأجانب في المملكة الذين يشكلّون نحو ثلث سكان البلاد، على تطبيقات المواعدة والمواقع المرتبطة بالزواج عن شريكات يقبلن بزواج المسيار. وصرّح صيدلي مصري في الرياض لفرانس برس أنّ زواج “المسيار أرخص. ليس هناك مهر أو التزامات”.

وبدأ الصيدلي المصري، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، البحث بعد إعادة زوجته وابنه البالغ خمس سنوات إلى القاهرة مع بداية انتشار جائحة كوفيد – 19 العام الماضي، ويُرجع قراره أساسا إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وفرض السلطات السعودية رسوما باهظة على مرافقي الوافدين خلال السنوات الأخيرة.

واقرّ بأنّ “الابتعاد عن زوجتي أمر صعب”، مضيفًا أنّه كان يبحث عن زواج مسيار من خلال وسطاء الزواج “الخطبة” على تطبيق إنستغرام وهم يتقاضون ما يصل إلى 5000 ريال (1333 دولارا)

وأوضح “أعطيتهم تفضيلاتي: الوزن والحجم ولون البشرة (…) لكن لم أجد ضالتي حتى الآن”.

مثل هذه الزيجات غالبا ما تكون قصيرة الأجل وينتهي معظمها بالطلاق خلال فترة تتراوح ما بين 14 و60 يوما، حسب ما ذكرت صحيفة الوطن السعودية في العام 2018 نقلا عن مصادر في وزارة العدل.

عبد الله المنيع: زواج المسيار صحيح إذا اشتمل على شروط الزواج وأركانه
عبد الله المنيع: زواج المسيار صحيح إذا اشتمل على شروط الزواج وأركانه

وتعتبر بعض النساء زواج المسيار هروبا سريعا من العنوسة أو فرصة لبداية جديدة للمطلقات والأرامل، اللواتي يكافحن من أجل الزواج مرة أخرى.

وأفاد صديق مقرّب لامرأة سورية في الرياض فرانس برس أنّها دخلت في علاقة زواج مسيار سرا لأنّها تخشى أن يسعى طليقها، وهو سعودي الجنسية، قانونيا للحصول على حضانة ابنيها إذا اكتشف أنّها تزوجت. ومن الصعب للغاية تقدير عدد هذه الزيجات إذ أنّ الكثير منها لا يتم توثيقه.

وقال رجال دين سعوديون إنّ زواج المسيار انتشر أكثر منذ 1996 حين قام مفتي البلاد آنذاك، والذي يمثل أعلى سلطة دينية في المملكة، بإضفاء شرعية عليه بفتوى دينية رسمية.

لكنّ كثيرين يشكّكون في شرعية زيجات سرية من هذا النوع لتعارضها في نظرهم مع المبادئ الأساسية للزواج في الإسلام، والذي يتطلب إشهارا بين الناس.

وفي العام 2019  شدد عضو هيئة كبار العلماء في السعودية عبدالله المنيع على أن زواج المسيار صحيح إذا اشتمل على شروط الزواج وأركانه وعلى انتفاء موانعه.

واعتبر المنيع أن اللجوء إلى هذا الزواج أو الإعراض عنه “لا علاقة له بالجبن أو الخوف”. وأكد أن زواج المسيار “تصرف شخصي راجع للمتصرف نفسه”، موضحا أن أحكام الزواج كلها ثابتة في المسيار.

وأشار المنيع إلى أن للمرأة الحق في أن تتنازل عن حقها في قسم أو نوم ليل أو نفقة أو غير ذلك، مشددا أن لها الحق في العودة إليه، وأن الزوج مخيّر بعد عودتها لحقها بين طلاقها أو إمساكها، “لكن الزواج صحيح”.

وأضاف “ما يتعلق بأحكام الزواج كلها ثابتة في زواج المسيار، فإن مات ورثته، ولها الحق في مهرها، وعليها عدة الوفاة، وأولادهما من هذا الزواج شرعيون”. وأثارت فتوى عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية عبدالله المنيع حول زواج المسيار هذا جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعزا رجل دين بارز في الرياض انتشار زواج المسيار أخيرا إلى عدم رغبة الرجال في تحمل المسؤولية الكاملة عن تعدد الزوجات، وهو أمر يسمح به الإسلام بشرط معاملة الزوجات على قدم المساواة.

وفي مقال منشور في 2019 في صحيفة “سعودي جازيت” اليومية الصادرة بالإنجليزية، وصف الكاتب طارق المعينة زواج المسيار بأنّه “رخصة للحصول على عدة شركاء دون (تحمل) كثير من المسؤولية أو المصروفات”.

وأشار إلى “تقارير في الصحافة السعودية تناولت مخاوف متزايدة حيال عدد الأطفال المولودين من رجال سعوديين أثناء رحلاتهم في الخارج والذين يتم هجرهم على خلفية العديد من الأسباب العملية وتجبَر بعض النساء على مقاضاة رجال سعوديين رفضوا الاعتراف بأطفال ولدوا خلال زواج مسيار.

بعض النساء يعتبرن زواج المسيار هروبا سريعا من العنوسة أو فرصة لبداية جديدة للمطلقات والأرامل، اللواتي يكافحن من أجل الزواج مرة أخرى

وقال رجل الدين الذي التقته فرانس برس في الرياض “اتصلت بي امرأة وقالت لي: أنا زوجة مسيار وزوجي لا يريد أن يعترف بطفلي؟”. وأضاف نقلا عنها “زوجي يقول إن الطفل ليس مشكلتي. نصحتها بالذهاب إلي المحكمة والقتال للحصول علي حقوقها”.

ورغم هذه المشكلات الناتجة عنه يتم تشجيع النساء اجتماعياً على غض الطرف عن مغامرات أزواجهن. وقال وسيط الزواج فهد المويس إن معظم زبائنه من “متعددي الزواج”، مشيرا إلى موظف حكومي سعودي أخفى علاقته المسيار عن زوجته الأولى.

وعندما بدأ يختفي بشكل روتيني في عطلة نهاية كل أسبوع نصحت إحدى جارات الزوجة المتشككة بـ”التزام الصمت”. وقال المويس نقلا عن جارة الزوجة “تزوج المسيار حتى لا يحوّل (حياتك) جحيما”. وأوضح أن الجارة نصحت الزوجة بأن تتحلّى بالصبر قائلة لها “دعي زوجك يذهب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع وباقي الأيام سيكون لك”.

وساهم تصاعد وتيرة العنوسة في صفوف النساء بسبب انصراف الشباب عن الزواج لغلاء المهور وتكاليف الزواج ، أو بسبب كثرة الطلاق ، في انتشار زواج المسيار بعدد من الدول العربية فلمثل هذه الأحوال ترضى المرأة بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة وتتنازل عن بعض حقوقها .

كما أن احتياج بعض النساء للبقاء في بيوت أهاليهن إما لكون المرأة الراعية الوحيدة لبعض أهلها، أو لكونها مصابة بإعاقة ولا يرغب أهلها بتحميل زوجها ما لا يطيق، ويبقى على اتصال معها دون ملل أو تكلف، أو لكونها عندها أولاد ولا تستطيع الانتقال بهم إلى بيت زوجها ونحو ذلك من الأسباب ساعد على  ذلك .

ويرجع انتشار زواج المسيار أيضا إلى رغبة بعض الرجال من المتزوجين في إعفاف بعض النساء لحاجتهن لذلك أو لرغبتهم في عدم إظهار زواجهم الثاني أمام الزوجة الأولى لخشيتهم مما يترتّب على ذلك من فساد العشرة مع الزوجة الأولى أو لكثرة سفر الرجل إلى بلد معين ومكثه فيه لمدد متطاولة.

21