زواج "الأنتيم" في مصر ظاهرة تكشف مخاطر الانفصال الجسدي

البحث عن الاحتواء خارج مؤسسة الزواج انعكاس للطلاق الصامت.
الثلاثاء 2024/04/30
علاقات مرفوضة

يرفض مستشارو العلاقات الأسرية ما يعرف بزواج "الأنتيم" لأنه حسب رأيهم نتيجة للخرس الزوجي أو الطلاق الصامت، معتبرين أن هذا النوع من الطلاق مدمر للشريكين مهما بلغت تضحياتهما والعيش تحت سقف واحد، مؤكدين أن الأطفال هم أول ضحاياه، ناصحين الزوجين بالطلاق. وبحسب الخبراء يعد زواج "الأنتيم" مؤشرا خطيرا على حالة الكبت والجمود والنفور والكراهية التي صارت تميّز العلاقات الزوجية.

القاهرة- حمل التحذير الذي أطلقته دار الإفتاء المصرية مؤخرا بشأن التماهي مع ما عرّفته بـ”زواج الأنتيم” أو الأصدقاء، مؤشرا على تسلل بعض العلاقات الجديدة داخل الأسر، بالتزامن مع انتشار نوعيات مختلفة من الزواج ضمن ظاهرة ترتبط بتمرد أجيال صاعدة على الزواج التقليدي الذي يحمّل طرفيه مسؤوليات جسام.

وصنّفت دار الإفتاء في مصر زواج “الأنتيم” بأنه ظاهرة أسرية، حيث أكد عمرو الورداني أمين الفتوى ومدير مركز الإرشاد الزوجي بمؤسسة الفتوى في تصريحات إعلامية أن هذه النوعية من العلاقات موجودة لأن كل طرف يبحث عن الاحتواء مع شريكه (الزوجان) وعندما لا يجده يلجأ إلى طرف آخر خارج مؤسسة الزواج.

وبسبب غياب مفهوم الأسرة الحقيقي، وعدم الإدراك بقيمة ومكانة هذه المؤسسة ظهرت أدوار جديدة، كأن يتزوج الرجل من أنتيمته (صديقته)، وهي تتزوج من أنتيمها (صديقها)، لأن الزواج عند كل طرف لم يحقق الغرض المطلوب ولم يوفر لكليهما من يتحدث معه ويسمعه.

يعني زواج “الأنتيم” أن يلجأ أي طرف متزوج إلى شخص آخر ليتعامل معه باعتباره الذي يستحق أن يكون زوجه، ويقضي معه أوقات الفراغ ويتحدث إليه بأريحية وينقل إليه همومه ومخاوفه ويبحث معه عن الاحتواء المفقود داخل الأسرة دون أن يعيش معه تحت سقف واحد، ومن المهم أن يكون بجانبه طوال الوقت وأقرب شخص له.

وأوضح مدير مركز الإرشاد الأسري بدار الإفتاء أن البحث عن الاحتواء البديل تسبب في انتشار زواج الأنتيم، قائلا “كل طرف يحتاج إلى مشاركة، وفضفضة، وهنا يبحث أحد الشريكين عن مشاركة همومه وكلامه وأحلامه وتفاصيل حياته مع الأنتيم، وهذا غالبا ما يحدث مع زملاء العمل أو الدراسة، فتحدث ظاهرة الاحتواء البديل”.

عادل بركات: الارتباط الروحي لأي شريك مع طرف آخر يكرس للخداع
عادل بركات: الارتباط الروحي لأي شريك مع طرف آخر يكرس للخداع

ولدى دار الإفتاء المصرية أدوات ولجان رصد للظواهر الزوجية الغريبة في المجتمع، كونها المؤسسة الدينية الوحيدة التي يلجأ إليها أي طرف في العلاقة الزوجية للحصول على فتوى، بحيث يحدد الشريكان الخطوات اللاحقة لتكون متسقة مع صحيح الدين، أيّ أنها قريبة من رصد الزيجات غير المألوفة مجتمعيا.

لم تتطرق المؤسسة الدينية إلى أن هذا النوع من الزواج يتضمن إقامة علاقات جنسية، لكنه يقتصر على الاحتواء النفسي والعاطفي، ما يعني أن الشريك الذي يلجأ إلى تلك العلاقة يكون جسده مع شريكه (زوجه) ومشاعره وعاطفته مع طرف آخر يمثل بالنسبة له “أنتيم” أو من تربطه به علاقة ربما أقوى من الشريك نفسه.

يرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن هذه النوعية من الزيجات ناتجة عن الخرس الزوجي، أو ما يعرف باسم الطلاق الصامت، أو الانفصال الجسدي، حيث يتمسك كلاهما أو أحدهما، باستمرار العلاقة وتجنب الطلاق بدعوى الحفاظ على قوام العلاقة الأسرية، واستجابة لضغوط عائلية على الرغم من استحالة العشرة.

يعتقد هؤلاء المتخصصون أن تحوُّل البحث عن الاحتواء العاطفي خارج العلاقة الزوجية إلى ظاهرة أسرية، يعزز انتشار الانفصال الجسدي بين الأزواج، مع أن ذلك يشكّل خطورة على الشريكين وأولادهما، ويقتل بداخل الصغار النمو العاطفي وقد يصيبهم بأمراض نفسية تعيش معهم سنوات لأنهم محرومون من العاطفة والاحتواء.

هناك شريحة من الأجيال الجديدة تتعامل مع الزواج كمؤسسة متكاملة يفترض أن توفر لعناصرها كل مشاعر الحب والاحتواء والعاطفة، ودون ذلك بلا قيمة أو يصبح الزواج في نظرهم مشروعا فاشلا يستحق أن يتم الخلاص منه أو البحث عن بديل آخر يسد الفراغ الذي تركه الشريك، ولو كان من خلال طرف ثالث مثل “الأنتيم”.

أمام تشعب التحديات التي باتت تحاصر الكثير من الأسر على مستوى الظروف الاقتصادية الصعبة أو زيادة المسؤوليات عند إنجاب الأبناء وتربيتهم وتعليمهم، تنخفض بالتبعية مشاعر العاطفة والاحتواء لانشغال كل طرف، أو أحدهما، بما يواجه من تحديات، وهذا ما لا يتحمله الطرف الآخر.

عمرو الورداني: البحث عن الاحتواء البديل تسبب في انتشار زواج الأنتيم
عمرو الورداني: البحث عن الاحتواء البديل تسبب في انتشار زواج الأنتيم

أصيبت العديد من العلاقات الزوجية بحالة من الفتور العاطفي، لكن هناك أزواجا يتقبلون ذلك لعدم انهيار العلاقة والحفاظ على الكيان الأسري، مقابل شريحة أخرى من الأزواج (رجالا أو نساء) ترفض الاستسلام لتلك الوضعية، ويعتقد أحدهما أنه اختار الشريك الخطأ، طالما لا يجد الحد الأدنى من الاحتواء والعاطفة والمحبة.

ويستمر الزواج أحيانا، مع أنه صار فاشلا، لكن أحد طرفيه لا يستسلم لجمود العلاقة ويرفض انهيارها بالبحث عن طرف خارجي، وهو ما لا يخدم أي طرف، فإذا كان ملائما لأسرة بعينها فقد لا يصلح لأخرى، حسب البيئة والثقافة ومسار التربية، وغالبا ما يكون الأبناء أول ضحايا العلاقة الميؤوس من إصلاحها.

تتفق شريحة كبيرة من المصريين على أن لجوء الشريك إلى طرف ثالث خارج العلاقة كبديل للزوج يرقى إلى مستوى الخيانة، فالرجل عندما يستريح لامرأة أخرى ويتحصل منها على ما يريده من عاطفة وحب واحتواء سوف يتعامل مع شريكة حياته على أنها بلا قيمة، وتصبح فرصة ترميم العلاقة معها شبه مستحيلة، وهكذا المرأة.

أكد عادل بركات، الباحث والمتخصص في العلاقات العائلية والمحاضر في التنمية البشرية بالقاهرة، أن الارتباط الروحي لأي شريك مع طرف آخر خارج العلاقة الزوجية هو واقع خطير يصعب تبريره، لأنه يكرس للخداع واستمرار علاقة مشوهة لا يمكن ترميمها بسهولة مرة أخرى، والأفضل أن ينفصل الطرفان بهدوء.

وأضاف لـ”العرب” أن مشكلة الكثير من الأزواج أنهم يدخلون العلاقة دون فهم ووعي لطبيعتها ولا يعرفون مبادئها، ويرسمون أحلاما كثيرة حولها، فهناك من يؤجل البوح بمشاعره لأي طرف خلال فترة العزوبية سوى لزوجه المستقبلي، وهناك من يخطط لطموحات كبيرة مع شريك حياته، وعندما لا يجدها يبحث عنها مع طرف ثالث.

ولفت بركات إلى أن زواج الأنتيم مؤشر خطير على حالة الكبت والجمود والنفور والكراهية التي صارت موجودة في العلاقات الزوجية مقابل استسهال الحلول باللجوء إلى شريك آخر، والطرف الثالث يجب أن يتدخل لتقريب المسافات وإزالة الجفاء وترميم العلاقة عندما تصل إلى مرحلة معقدة، لا أن يكون بديلا ليوفر لأحد الشريكين ما يحتاجه من احتواء لا يتناسب مع قدسية مؤسسة الزواج.

ويرفض متخصصون في العلاقات الزوجية مبدأ الاستمرار في علاقة منتهية الصلاحية وميؤوس منها لأن أحد الطرفين وجد ضالته بالاحتواء العاطفي خارج العلاقة، وهذه الزيجات مدمرة للشريكين مهما بلغت تضحياتهما والعيش تحت سقف واحد في غياب ارتباط عاطفي حقيقي لا يوفر الحد الأدنى من العلاقة السوية.

ويصعب على الزوجين أن يعيشا علاقة صورية، بلا تفاهم أو مودة وعاطفة وتشارك، وينجحا في استكمال الحياة بشكل صحي، أو يكون لديهما أبناء أسوياء، لأن الشريك الذي يعيش حياة تعيسة ويفتقد الحب والعاطفة سوف يعجز عن توصيل تلك المشاعر إلى أبنائه، طالما أنه محروم منها، لذلك قد يكون الطلاق خيارا إيجابيا.

◄ كل طرف يحتاج إلى مشاركة وفضفضة، وهنا يبحث أحد الشريكين عن مشاركة همومه وكلامه وأحلامه وتفاصيل حياته مع الأنتيم
كل طرف يحتاج إلى مشاركة وفضفضة، وهنا يبحث أحد الشريكين عن مشاركة همومه وكلامه وأحلامه وتفاصيل حياته مع الأنتيم

 

15