"زقفونة" سبيل الوصول إلى البرلمان والقصبة في تونس

الرسائل التي يبثها الرئيس التونسي “الفصيح” قيس سعيّد تثير جدلا بين أوساط التونسيين، آخرها رسالة “زقفونة”، المستعارة من رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، التي أصبحت ترندا على فيسبوك.
تونس- انشغل التونسيون على موقع فيسبوك بالبحث عن معنى كلمة #زقفونة، التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن استعار الرئيس التونسي قيس سعيّد عبارة “ست إن أعياك أمري فاحميليني زقفونة” من رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، في حديثه عن مسألة أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد.
وتحدث الرئيس التونسي خلال لقاء جمعه بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي عمّن “يبحثون عن الحلول الفقهية وما هم بفقهاء حتى بالقانون الإداري فما بالك بالدستوري”، قائلا “إذا كانوا يعتبرون أداء اليمين مجرّد إجراء.. فحتى المرور على الصراط يوم القيامة يمكن اعتباره مجرّد إجراء، وأيضا حتى النطق بالشهادتين مجرّد إجراء”.
وأضاف “ذكرني موقفهم بموقف ابن القارح في رسالة الغفران للمعري: ست إن أعياك أمري فاحمليني زقفونة.. فقال ما زقفونة، قال أن يحمله وراء ظهره، فضربه ضربة دخل بها الجنة… هذه المرة يريدون أن يضربوا ضربة ليدخلوا بها إلى باردو أو القصبة”.وقد أثار تصريح الرئيس تساؤل عدد كبير من التونسيين عن معنى لفظ #زقفونة التي وردت في رسالة الغفران التي اعتمد فيها السخرية والتخييل لبلورة جملة من الرسائل والمقاصد.
ووردت “زقفونة” ضمن قصة دخول بطل الرسالة ابن القارح إلى الجنة بعد أن أضاع صكّ التوبة، حيث طلب ابن القارح من جارية حمله زقفونة، أي فوق ظهرها (تمسكه من كلتا يديه وظهره فوق ظهرها كلعب الأطفال) حتى تعبر به الصراط نحو الجنة، في أسلوب هزلي ساخر.
واعتبر مستخدمو فيسبوك “زقفونة” هي الرد على رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي اعتبر في تصريح سابق أن “قيس سعيّد له دور رمزي”، وهو رد أيضا على من اعتبر أداء اليمين للوزراء الجدد إجراء شكليا.
وشبه الأستاذ الجامعي عبدالوهاب الشتيوي ابن القارح بالوزراء الجدد والصراط بالبرلمان والجنة بالحكومة والعمل الصالح وفتح باب الجنة بأداء اليمين الدستورية، مشيرا إلى أنه يقصد أن منح الثقة للوزراء الجدد في البرلمان لا يُمكّنهم من الدخول إلى الحكومة والانطلاق في أداء مهامهم في ظل عدم أداء اليمين الدستورية.
وأفاد بأن قيس سعيّد أراد أن يقول إن الوزراء الجدد لن يدخلوا القصبة ولو تم حملهم زقفونة ”أي ولو منحهم البرلمان الثقة” باعتبار أن أداء اليمين ليس مجرّد إجراء شكلي وهو ضروري لدخول القصبة مثل ابن القارح الذي عبر الصراط على ظهر الجارية ”زقفونة” وتجاوز أزمة الصراط لكنه لم يدخل الجنة بعد أن منعه الملكان ”رضوان وزفر” باعتبار أنه لا يملك الأعمال الصالحة.
ويشار إلى أنه استنادا إلى أساتذة القانون الدستوري، فإن إجراء أداء اليمين يعدّ إجراء جوهريا وليس شكليا في القانون الدستوري. وقال الباحث التونسي في الإعلام محمد شلبي:
وقالت إعلامية:
Naziha Rjiba
بصفتي أستاذة سابقة كادت تتخصص في التدريس لقسم الباكالوريا آداب… ألاحظ بشيء من الارتياح أن هذا البرنامج يترك في التلاميذ بصمة لا تمحى بمرور الوقت الطويل.. #زقفونة..
تدرس رسالة الغفران في تونس ضمن المقرر الدراسي لتلاميذ الباكالوريا في تونس. واعتبرت ناشطة:
Mouna Kraïem Dridi
#زقفونة.. المنافق لا يدخل الجنة؟
ابن القارح ليس الوحيد الذي تسلل إلى الجنة متطفّلا، إنما تسابق العديد من المنافقين في هذا الوطن العزيز ليدمروه.
من جانب آخر اشتعل فيسبوك سخرية وصمم عدد من المعلقين صورا لرئيس الحكومة هشام المشيشي يحمل راشد الغنوشي زقفونة. وسخر باحث تونسي:
وصمم معلقون صورة للغنوشي يحاول نطق كلمة “زقفونة”، فيقولها مرة “زقلمونة” وأخرى “زقلفونة” وثالثة “زلقفونة”. وسبق أن تعثر الغنوشي في نطق لفظة الكورونا، فعوض أن يقول “الحرب على الكورونا”، قال الحرب على “الكورينا” ثم “الكورنا”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها عبارات قيس سعيّد المستمدة من التراث، الجدل، إذ سبق أن تصدر هاشتاغ #الإخشيدي الترند على مواقع التواصل الاجتماعي، حين سأله الصحافي عن وعوده الانتخابية، فقال “لا أقدم وعودا كالتي يقدمها كافور الإخشيدي للمتنبي”.
كما سبق أن استحضر قيس سعيّد، وهو يشارك الأمن الرئاسي في إعداد عبوات كرتونية من المساعدات، سيرة عمر بن الخطاب. وقال “عندما كان عمر بن الخطاب بالليل يتفقد أحوال الرعية واستمع إلى امرأة تشتكي إلى ربّها وتقول: تولّى أمرنا وأهملنا، فعاد (عمر) إلى بيت مال المسلمين وأخذ جزءا من القمح وكان يصحبه أحد الأعوان”.
بات الرئيس التونسي ظاهرة، إذ حصل على دعم كبير من عدد من المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويساهم مؤيدوه، وهم في أغلبهم من الشباب، في توسيع دائرة الدعم الخاصة به
وأضاف سعيّد “قال له من كان معه: أحملها عنك يا أمير المؤمنين، قال له (عمر): ويحك أستحملها عنّي يوم القيامة؟”. وفجر كلام سعيّد سخرية لاذعة. ووصفه متهكمون بخامس الخلفاء الراشدين.
ورغم ذلك تثير الرسائل التي يرسلها قيس سعيّد جدلا في أوساط التونسيين ويشبه معلقون “إعلام القصر بالرسول من الله”، منتقدين خلط الرئيس للمدني بالديني ويقولون “كما أحالنا الرئيس إلى ابن القارح فإحالته أيضا يمكن أن تحيلنا إلى ثقافة الحكم في إيران والخميني الذي يرى نفسه آية الله فهل يلعب الرئيس نفس الدور؟”
وينتقد معلقون تكريس “سلطة الخطاب الفوقي الإلهي الرباني الذي لا تمكن مقاطعته وإنما العمل به وتطبيقه”. ويعتقد البعض أن “رسالة الرئيس كما يراها هو، رسالة ربانية وهو يعمل على جمع من يؤمنون به ويتجلى ذلك خاصة من خلال مقاطع الفيديو التي تسجل حضوره وسط الجمهور”.
والمتأمل في السياسة الاتصالية لقصر قرطاج يرى أن الصوت الوحيد الذي يسمع في ما عدا صوت الرئيس هو صوت الجمهور، أما باقي المسؤولين وضيوف القصر لا صوت لهم وإنما يجلسون دائما في وضعية المتلقي أمام الرئيس.
وكان قيس سعيد قد فاز في الانتخابات الرئاسية بنتيجة 76.9 في المئة من أصوات الناخبين، على الرغم من أنه لم يقم بحملة انتخابية مكلفة، وهو ما عده مراقبون إجماعا شعبيا حول شخصه.
وبات الرئيس التونسي ظاهرة، إذ حصل على دعم كبير من عدد من المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويساهم مؤيدوه، وهم في أغلبهم من الشباب، في توسيع دائرة الدعم الخاصة به. وتضم شبكة أنصار الرئيس عددا كبيرا من الطلبة الجامعيين، إذ أشارت النتائج التقديرية حسب المستوى التعليمي إلى أنه يحظى بتأييد 86.1 في المئة من حملة الشهادات الجامعية.
سبق أن استحضر قيس سعيّد، وهو يشارك الأمن الرئاسي في إعداد عبوات كرتونية من المساعدات، سيرة عمر بن الخطاب
ويمارس هؤلاء الشباب المواطنة الرقمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مع التعويل على الذات دون حاجة إلى وصاية تنظيمية أو حزبية ودون أدلجة. ويستخدم فيسبوك في تونس أكثر من 7 ملايين من أصل 11 مليون تونسي.
ويمثل الشباب الذين أعمارهم أقل من 35 سنة، 59 في المئة من مستعملي الإنترنت. من جانب آخر، يتعرض الرئيس التونسي قيس سعيّد لهجوم واسع من الجيش الإلكتروني لحركة النهضة.
وكشف مستخدمو فيسبوك في تونس آلة إعلامية جديدة تعمل على موقع فيسبوك قوامها عشرات الآلاف من الحسابات الوهمية. وسبق أن عززت ترسانة من الذباب شرق آسياوي الجيش الإلكتروني لحركة النهضة، والذي يطلق عليه اسم “الذباب الأزرق”. ويؤدي فيسبوك دورا كبيرا في صناعة الرأي العام التونسي، فضلا عن دوره في تحريك الشارع.