رقمنة الإدارة أبرز حلول مكافحة الفساد في تونس

رئيس الحكومة: تحويل الإدارة إلى نموذج رقمي متكامل أبرز أولوياتنا.
السبت 2024/12/07
تعقيدات بيروقراطية ساهمت في استشراء الفساد

تسارع السلطات التونسية إلى إقرار الرقمنة في التعامل الإداري مع المواطن، بالموازاة مع توجهات السلطة نحو مكافحة الفساد في البلاد، وهو ما يتطلب تبسيط الإجراءات البيروقراطية وفق نموذج رقمي متكامل.

تونس - تراهن الحكومة التونسية على رقمنة الإدارة والمؤسسات، بعد تعثر مسار الرقمنة البيروقراطية لسنوات طويلة، في مسعى للحدّ من ممارسات الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد بعد 2011.

ويرى متابعون للشأن التونسي، أن الرقمنة ظلّ مطلبا شعبيا لسنوات طويلة، خصوصا في ظلّ التعقيدات البيروقراطية المتعلقة بالشؤون اليومية للمواطنين في التعامل مع الإدارة، أو بالنسبة للمستثمرين في عدة قطاعات والذين يصطدمون في كل مرة بإجراءات معقدة دون تقديم تسهيلات.

ويضيف المتابعون، أنه يمكن للرقمنة أن تساهم في جهود مكافحة الفساد الإداري والمالي عبر ما توفره من شفافية ودقة في البيانات وتسهيل عمل آليات الرقابة على المال العام والموظفين العموميين كما تقـدم الإدارة الالكترونية أدوات وتطبيقات جديدة لمكافحة الفساد الإداري.

المنذر ثابت: إجراء رقمنة الإدارة سيطمئن المستثمر الأجنبي
المنذر ثابت: إجراء رقمنة الإدارة سيطمئن المستثمر الأجنبي

وأكّد رئيس الحكومة كمال المدّوري أنّ “تحويل الإدارة إلى نموذج رقمي متكامل وإرساء حوكمة موحّدة لجميع المشاريع القطاعية الرقمية الكبرى، هي من أبرز أولويات الدولة التونسية،” لافتا إلى أن “الرقمنة ستساهم في دفع الاستثمار والتوقي من الفساد ومكافحته وضمان بناء رقمنة متمحورة حول الإنسان.”

ووفق رئيس الحكومة، “يتنزّل في هذا الإطار تبسيط الإجراءات وتيسير نفاذ المواطنين والمستثمرين بمختلف المرافق العمومية ضمن الحرص على تسهيل المعاملات وكسب ثقة المواطن وتيسير الخدمات الموجّهة للمؤسسات.”

وأشار المدّوري إلى “إقرار الدولة لجملة من الإجراءات تستهدف المواطن والمؤسسة على حد السواء”، مذكّرا “بضبط قائمة أوليّة موسّعة في الوثائق التي لا يمكن مطالبة المواطن والمتعامل الاقتصادي بها طالما كانت تتحوّز عليها الإدارة، فضلا عن المراجعة الشاملة لخدمة التعريف بالإمضاء والتخلّص تدريجيّا من آلية المصادقة على المطابقة للأصل إلى جانب توحيد النفاذ إلى بوّابات الخدمات الإدارية القطاعية من خلال إطلاق استغلال بوّابة وطنية موحّدة للخدمات الإدارية ورقمنة إجراءات الخلاص للمتعاملين مع الإدارة”.

وترى أوساط سياسية أن غياب المراهنة الجدية على الرقمنة، حال دون تطور خدمات الإدارة التونسية، التي ظلت رهينة أساليب تقليدية في التعامل مع المواطنين، كما يبدو أن التحول الرقمي للإدارة العمومية حل واعد لمحاربة الفساد الذي يقوض التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “الرقمنة هي حلّ كوني، وكل البلدان المعروفة بالشفافية بادرت برقمنة الإدارة، وهذه خطوة هامة شريطة أن تكون مصحوبة بثقافة أن الإدارة في خدمة المواطن”.

وأكد في تصريح لـ”العرب”، “الإدارة التونسية عليها أن تكون جاهزة أيضا لمواكبة هذا التطور التكنولوجي في خدماتها فضلا عن تحسين البنية التحتية.”

نبيل الرابحي: الدولة العميقة في تونس تستفيد من غياب الرقمنة
نبيل الرابحي: الدولة العميقة في تونس تستفيد من غياب الرقمنة

وتابع ثابت، “هنالك اقتصاد مواز وغير رسمي، سيكون خارج مجال المعاملات الرسمية، وهذا الإجراء أيضا سيطمئن المستثمر الأجنبي، مع رفض المعاملة بالنقد والبيروقراطية، كما ستجرّ الرقمنة الإدارة التونسية نحو التقليص من حجمها.”

وأظهرت معطيات دراسة حديثة أجرتها المنظمة الوطنية لرواد الأعمال شملت أكثر من 5 آلاف شركة صغيرة ومتوسطة تونسية، أن واقع الرقمنة في الإدارة العمومية مرضي نسبيا.

وكشفت الدراسة أن 56 في المئة من الخدمات الرقمية تقتصر على ثلاث خدمات فقط هي التصريح الضريبي والإدلاء بتصاريح الضمان الاجتماعي والتعامل مع منصة السجل الوطني للمؤسسات وتسلط هذه الوضعية الضوء على المسار الذي لا يزال يتعين اتباعه لتحقيق الرقمنة الكاملة والفعالة للإدارة. كما يكشف الاستطلاع أن أكثر من 30 في المئة من أرباب المؤسسات يشكون من أوجه القصور في البنية التحتية الرقمية ومشاكل أمن تكنولوجيا المعلومات ونقص التنسيق بين الإدارات.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي، إن “البيروقراطية في تونس هي إرث قديم، ولاحظنا كيف أن الدولة تطالب باستخراج وثائق من الدولة، والرقمنة اليوم في العالم هي الركيزة الأساسية في العمل الإداري.”

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “رفعنا سابقا شعار رقمنة الإدارة، وكل منظومة جديدة يتم تفعيلها تتطلب مجهودات كبيرة في مجال التكوين، وكل ما هو جديد في هيكلة الإدارة والمؤسسات يقابله الرفض خصوصا من الدولة العميقة التي تستفيد من غياب الرقمنة.”

وتأتي رقمنة الخدمات الإدارية كأداة قوية في مكافحة الفساد في تونس. ومن خلال تعزيز الشفافية، فإنه يوفر رؤية مستحدثة للعمليات الحكومية. كما أن إدخال معرف وحيد لكل مواطن يسهل التنسيق بين الإدارات المختلفة، مما يجعل المعاملات أكثر قابلية للتتبع وأقل عرضة للتلاعب.

وتعتبر مقاومة الفساد من أهم الملفات المطروحة على مكتب الرئيس قيس سعيد وحكومته، بعد أن أضحت مطلبا شعبيا من أجل تعقب أثر الفاسدين ومحاسبتهم وفق القانون وبقضاء عادل.

ويرى مراقبون أن الحكومات السابقة استغلت الفساد كورقة في المعارك الدائرة بين مكونات النخبة الحاكمة في البلاد، وتم استخدام هذا الملف بشكل انتقائي لإضعاف نفوذ الخصوم على الساحة السياسية، كما تم توظيف الإدارة خدمة للمصالح السياسية الضيقة.

4