رفع حالة الطوارئ في مصر رسالة إلى الخارج أكثر منها إلى الداخل

حمل إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن رفع حالة الطوارئ في البلاد رسالة إلى الغرب أكثر منها إلى الداخل المصري مفادها أن البلاد مقبلة على تغيّرات على صعيد الحريات والحياة السياسية، إلا أن الخطوة أتت بعدما أُنهكت المعارضة المصرية ولم تعد قادرة على مقارعة السلطة.
القاهرة - أثار قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رفع حالة الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ سنوات تساؤلات عما إذا كانت هذه الخطوة موجهة إلى الخارج أم أنها تتضمن انفراجة سياسية في الداخل.
وأصبحت المعارضة المصرية غير قادرة على التفاعل مع الشارع في السنوات الأخيرة التي تزايدت فيها عملية التضييق على التظاهر والحريات، ومنهكة بسبب اتساع رقعة الخلافات داخلها وخفوت صوتها السياسي بطريقة غير مسبوقة.
وازدادت السلطة الحاكمة قوة وسيطرة على مقاليد الأمور وتتصرف بحرية كاملة في غياب واضح من قبل رموز المعارضة التي استفادت سابقا من هامش الحرية الذي تمتعت به بعض وسائل الإعلام، ولم تعد المعارضة حاليا تمثل إزعاجا للنظام المصري من أي نوع بعد أن جرى تقويض دور بعضها وتدجين البعض الآخر.
وفقدت المعارضة الإسلامية، ممثلة في جماعة الإخوان وقوى محسوبة على التيار السلفي، الزخم الذي توافر لها في الشارع المصري بعد انخراط عناصر محسوبة عليها في أعمال عنف، وتم تطبيق حالة الطوارئ على قوى وأشخاص تورطوا في عمليات إرهاب واجهتها أجهزة الأمن بحزم.

نجاد البرعي: إلغاء الطوارئ مع استمرار التضييق لن يكون مجديا
وقال السيسي عن القرار الذي أعلنه فجأة على صفحته الخاصة في فيسبوك مساء الاثنين “باتت مصر واحة للأمن والاستقرار في المنطقة”، في إشارة إلى أن حالة الطوارئ جرى العمل بها لهذا السبب وعندما انتفت المبررات تم رفعها تماما.
وفرضت هذه الحالة منذ أربع سنوات، وكان يتم تمديدها بموافقة البرلمان كل ثلاثة أشهر لتطبيقها في جميع ربوع البلاد، وهو ما اعتاد التعامل معه الكثير من المواطنين، ولم تعلن المعارضة تذمرها منه بعد اختفاء دورها السياسي تقريبا.
وأكد المحامي نجاد البرعي أن إلغاء الطوارئ “سيظل خطوة منقوصة إذا لم تتبعها خطوات أكثر جدية على الأرض، مثل إطلاق سراح المحتجزين دون إحالة إلى المحاكمة ومن حوكموا عبر محاكم أمن الدولة، وحرية عمل المواقع الإلكترونية المحجوبة، ورفع سقف الحريات والسماح بالتعددية الحزبية”.
وأوضح لـ”العرب” أن “إلغاء حالة الطوارئ بالتزامن مع استمرار التضييق لن يكون مجديا، والمشكلة أن الحكومة مازالت تسير بخطوات بطيئة للغاية في طريق وضع مصر على طريق الديمقراطية، وتتعامل مع كل خطوة على أنها إنجاز كبير، مع أنه يمكن بسهولة أن تحقق تقدما أسرع دون أن يؤثر ذلك على الأمن والاستقرار”.
ومنحت حالة الطوارئ سلطات استثنائية وصلاحيات واسعة للرئيس السيسي ومكنت من اتخاذ إجراءات صارمة ضد معارضين وكل من يمثل تهديدا للأمن القومي.
وخاضت قوات الجيش والشرطة حملات أمنية ضارية ضد متطرفين في منطقة شمال ووسط سيناء، ومناطق أخرى شهدت عنفا وإرهابا واسعين من جانب متشددين.
وتمكنت قوات الأمن من قتل واعتقال الكثير من العناصر الخطرة، ما وفر قدرا لافتا من الأمن والاستقرار في مصر دفع الرئيس السيسي إلى الإعلان عن خطوته التي توحي بأن الفترة المقبلة سوف يتراجع فيها توظيف القوانين الاستثنائية.

وتنحصر أهمية الخطوة في مردودها المعنوي أكثر من نظيره المادي؛ فالسلطة أحكمت قبضتها على المنافذ الحيوية ولم تترك بابا يدخل منه معارضوها بسهولة ولم تعد هناك أحزاب سياسية أو عناصر مسلحة تقف في وجهها بقوة، ربما يوجد أشخاص يعبرون عن مواقفهم الرافضة لبعض سياسات النظام الحاكم، لكنهم يظلون غير مؤثرين.
وتأتي القيمة المعنوية من الجوانب التي يمثلها رفع حالة الطوارئ للمجتمع الدولي الذي نددت بعض دوائره السياسية ومنظماته الحقوقية بالتضييق العام على الحريات بمصر، وكان هؤلاء يرجعون غالبا الانسداد إلى الضوابط التي تفرضها حالة الطوارئ.
وقال المحلل السياسي جهاد عودة إن الخطوة جيدة وشجاعة وتمهد لنقلة سياسية مغايرة لما كانت عليه مصر، وستكون لها انعكاسات إيجابية على علاقة مصر مع الغرب.
وأضاف لـ”العرب” أن “القاهرة سوف تواجه معضلة مع حكومات أجنبية في ما يرتبط بمرحلة ما بعد إلغاء حالة الطوارئ، لأن هذه الحكومات ستفكر بمنطق ما هي الخطوة المقبلة؟ إذ يفترض أن يتم فتح المجال العام ورفع سقف الحريات”.

جهاد عودة: الخطوة ستكون لها انعكاسات إيجابية على العلاقة مع الغرب
ويواجه النظام الحاكم معضلة كبرى، حيث كان رفع حالة الطوارئ خلال حكم الرئيس أنور السادات مقدمة لاغتياله، وعندما تم إلغاؤها في أواخر حكم حسني مبارك انتهى الأمر بثورة أسقطت النظام برمته، وبالتالي سيكون من المطلوب التفكير في بديل أكثر أمانا للنظام الحالي ليتحاشى معنويا على الأقل النتائج الخطيرة.
ويؤدي رفع حالة الطوارئ إلى تجميد قانون الطوارئ الشهير في مصر والمعمول به منذ عقود طويلة، ويحوي بنودا عديدة تمنح جهات الأمن صلاحيات واسعة.
وهناك حزمة من القوانين التي تمكن أجهزة الأمن من التعامل مع أي خروج عن المألوف بالنسبة إليها، لذلك يُنظر إلى حالة الطوارئ على أنها أداة للردع السياسي، وثمة جهات في الدولة المصرية رأت أن أضرارها أصبحت أكثر من فوائدها العملية.
ويوقف رفع حالة الطوارئ عمل محكمة أمن الدولة العليا التي أصبحت ساحة لمحاكمة عدد كبير من السياسيين وأحكامها نهائية لا يجوز نقضها، ولا يبطل زوال الطوارئ من تم الحكم عليه أمامها بالفعل أو حولت النيابة أوراقه إليها، وهو ما يعني أن الاستفادة محدودة لبعض المعتقلين السياسيين حاليا.
وذكر عودة أنه لا بديل أمام النظام المصري عن وجود بنية سياسية قوية تحمي الاستقرار والتنمية، فالبرلمان الحالي لا يصلح لأداء هذا الدور، كذلك الحكومة والإعلام لا يستطيعان التعامل مع هذا التحدي الصعب، “ومطلوب تشكيل حكومة بفكر سياسي تقوم بعملية هيكلة المجتمع والدولة لإنتاج استقرار بعيد المدى”.
وحذر متابعون من لجوء المعارضة إلى العمل السري لتعويض الفراغ السياسي، ما يتطلب أن يكون لدى الرئيس فهمٌ لأبعاد اللعبة السياسية ويستعين بوزير دولة للشؤون السياسية يقوم ببناء الثقة مع الأحزاب بلا خلفية أمنية كي لا يتحول إلى رقيب.