رفض الإملاءات الخارجية يطرح بدائل تونس للخروج من الأزمة الاقتصادية

لا يزال حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي لتجاوز أزمتها المالية محل جذب بين الصندوق الذي يفرض إصلاحات والرئيس التونسي قيس سعيد الذي يعتبر شروطه ضربا للسلم الأهلية.
تونس - يطرح رفض الرئيس التونسي قيس سعيد للإملاءات الخارجية من أجل حلّ مشاكل الاقتصاد المحلي المأزوم تساؤلات حول فرص تونس في الاعتماد على الذات للخروج من الأزمة ومدى قدرة البلاد على توفير ما تحتاجه من خطوات الصلح الجزائي مع رجال الأعمال، واعتماد سياسة التقشف، وتقليص الدعم على المحروقات، أم أنها تنتظر وعودا جزائرية وخليجية لحلحلة الأزمة.
وقال الرئيس سعيّد إنه يرفض النصائح الخارجية بشأن الاقتصاد التي قد تتسبب في مزيد من الفقر، مما يثير الشكوك بشأن دعمه لحزمة الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي.
وأضاف سعيّد في خطاب بثّته وسائل إعلام محلية الخميس “في ما يتعلق بصندوق النقد الدولي، نحن نرفض الإملاءات التي تأتي من الخارج وتتسبب في المزيد من الفقر"، وتابع “البديل هو أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا”.
وجاءت تصريحات الرئيس التونسي في الوقت الذي تسعى فيه البلاد للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، لتجاوز أزمتها الاقتصادية.
ويكرّر سعيد من مناسبة إلى أخرى أن “لتونس الكثير من المقدرات ولكن هناك من أفرغ خزائن الدولة، بهدف ضرب الدولة من الداخل”. ويرى مراقبون أن البدائل الذاتية محدودة، وأن أقصى ما تحققه أنها تساعد على إنجاح برنامج الإصلاح الذي يطلبه صندوق النقد الدولي، ولكن لا تكفي لوحدها.
وأفاد فوزي بن عبدالرحمن وزير التشغيل السابق أنه “لا يوجد طرف ضدّ الاعتماد على الذات، ولكن حتى إذا اعتمدت تونس على نفسها في إطار الصلح الجزائي فلن تتمكن من حلّ المشكلة الاقتصادية”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الاعتماد الحقيقي على الذات يتطلب وجود اقتصاد قوي وتنافسي، مع سياسات عمومية وميزان تجاري متماسك، لكن الميزان التجاري اليوم يشهد عجزا كبيرا”.
وأشار بن عبدالرحمن إلى أن “خطوات الاعتماد على الذات مطلوبة لكنها غير كافية، وتونس من أكثر البلدان في أفريقيا دفعا للضرائب، وعندما قرّرت الحكومة التونسية الاقتراض من صندوق النقد الدولي، فهي تدرك جيّدا أنه سيفتح المجال أمام جهات مانحة أخرى في إطار الشراكة والاستثمار الثنائي".
وأوضح أن "الجزائر منحت تونس في فترة سابقة 300 مليون دولار بين هبات وقروض، لكن دول الخليج من بين الجهات المانحة التي تعمل بعد موافقة صندوق النقد الدولي".
ويعوّل قانون الموازنة العامة على القرض الذي تسعى الحكومة التونسية للحصول عليه من صندوق النقد، رغم تعثر المفاوضات بسبب برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
وبحسب قانون موازنة 2023، فإن الحكومة التونسية تعمل على تعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار (7.71 مليارات دولار) متأتية بنسبة 66.2 في المئة من الاقتراض الخارجي دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت "هناك 12 سنة من العطالة الاقتصادية والشجار السياسي، كان لها الأثر السلبي على الاستثمار ومناخ الأعمال في البلاد".
وأضاف لـ"العرب" أن "الرئيس سعيد رفض الإملاءات الخارجية لكن في المقابل تحتاج الدولة إلى أموال بالعملة الصعبة لدعم الخزينة، والصلح الجزائي مع رجال الأعمال واستعادة الأموال يحتاج إلى مسارات تفاوض معقّدة".
وتابع ثابت “الدول الغربية ما زالت لم تقتنع بعد بأن المسألة جزائية وليست سياسية، والصلح الجزائي يحتاج إلى وقت ويبدأ باسترجاع الأموال المودعة في البنوك الخارجية، لكن الأهم من كل هذا إعادة الأجواء المناسبة والداعمة للاستثمار الذي يستدعي بدوره إعادة تحديد دور الدولة وفتح الحدود أمام الاستثمارات الخارجية”.
وأشار إلى أنه “بإمكان تونس الاستغناء عن التمويل الخارجي من صندوق النقد الدولي بإعلان جنة ضريبية، وهذه خطوة تتطلب قرارا سياسيا خطيرا وتحتاج إلى صلابة في الموقف الرسمي”.
وأمام صعوبة الحصول على تمويل عربي سواء من الجزائر أو من دول الخليج، يصبح مسار صندوق النقد الدولي هو الوحيد الممكن أمام البلاد، وهو ما حملته التصريحات الأخيرة للشركاء الغربيين، كما أن الاتفاق صار قضية مصيرية لاستقرار الاقتصاد التونسي.
ويؤكّد ثابت أن وجود وعود جزائرية أو خليجية للوقوف إلى جانب تونس ودعم اقتصادها المأزوم “هي عملية ممكنة نظريا، ولكن هناك إصرار من المؤسسات المانحة على خنق البلاد من الخارج”.
وشكّلت مبادرة الصلح الجزائي للرئيس سعيد أحد أبرز البرامج التي دعا إلى تحقيقها قبل سنوات والتي أكد أنها أولوية قصوى، وذلك في العديد من المناسبات وخاصة خلال الحملة الانتخابية عام 2019.
وسبق أن طالب سعيد أعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي باستعادة 13.5 مليار دينار (حوالي 3 مليارات دولار) من الأموال المنهوبة في غضون 6 أشهر.
والمقصود به المصالحة مع رجال أعمال والذين سبق أن حازوا أموالا من بنوك حكومية ثم تعذر عليهم إرجاعها أو استفادوا من فساد حكومي أو شبكة علاقات سياسية للتهرب من إرجاع تلك الأموال.
وفي ظل الجهود الحكومية المتعثرة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، دعا خبراء إلى ضرورة الاهتمام بالمسائل الاقتصادية الداخلية من بينها التقليص من حجم الواردات ودعم القطاع الزراعي وتشجيعه على الإنتاج.
وأكّد الخبير الاقتصادي جمال العويديدي أنه “لا بدّ من تقليص عملية التوريد، حيث لا زالت الدولة تستورد الزيت النباتي بالعملة الصعبة وبقيمة 550 مليون دينار(180.28 مليون دولار) وتدعمه من الخزينة المحلية، وبات عليها أن تعول على إنتاج زيت الزيتون فضلا عن إنتاج السكر وهو ما يساهم في تنشيط منظومة الإنتاج الزراعي”.
وقال لـ”العرب” إن “التعويل على الذات ضروري، ويبدأ بمراجعة القوانين الاقتصادية من بينها إقراض البنك المركزي للدولة، فضلا عن التفكير في إرساء سياسة نمو وليس سياسة تقشّف”.
كما أوضح العويديدي أنه “لا بد من تفعيل الصلح الجزائي وهناك وثائق رسمية تؤكّد وجود 60 مليار دولار مهربة إلى الخارج”. وتساهم الضرائب بنحو 60 في المئة من الميزانية، ولكن في الواقع تعجز الحكومة وأجهزتها عن تحصيل الأموال من دافعي الضرائب.
وتخطط الحكومة في إطار إصلاح منظومة دعم المحروقات لإلغاء الدعم عن ثلاثة أصناف من المحروقات مع موفى العام الحالي لتبلغ أسعارها الحقيقية. ويعد تعديل أسعار المحروقات من أهم توصيات صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض تونس معه حول خطة إصلاحية متوسطة الأمد.
ويشير المراقبون إلى أن توجهات سعيد منحازة للفئات الفقيرة، ولا يريد أن يتخذ إجراءات تزيد من معاناتها، لكن ذلك لا يعني أن الحكومة لن تسير في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات من بينها الرفع التدريجي للدعم عن المحروقات، أو التوجه بجدية لإصلاح المؤسسات الحكومية التي تعاني من مصاعب بسبب البيروقراطية والفساد.