رسم مسار العلاقة قبل الزواج ثقافة مرفوضة داخل الأسرة المصرية

هل تحديد ضوابط للعلاقة يقود إلى زواج راسخ يصعب تصدعه مستقبلا.
الجمعة 2022/06/10
توثيق الشروط يسهل على الزوجين التفاهم

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن الضوابط التي يضعها الزوجان قبل بداية حياتهما الزوجية من شأنها أن تحدد مسار العلاقة وتؤسس لحياة أسرية مستقرة، ورغم ذلك ما تزال العديد من الأسر المصرية تنظر إلى أن هذا السلوك لو بدر عن المرأة يعتبر إهانة لكرامة الرجل. وينصح المستشارون بعدم التلويح بمخالفة الضوابط طوال الوقت حتى لا تتحول العلاقة إلى سجن.

القاهرة - حين كان المأذون يقوم بعقد قران الفتاة المصرية أمنية طارق على خطيبها، فوجئ الحضور بأنها توقف إجراءات الزواج وتوجه حديثها إلى الشاب قائلة له “لم أندم يوما على اختيارك زوجا لي، لكن أهلي أهم ما في حياتي، إياك أن تعاملهم بطريقة سيئة، ومثل ما أحمل أهلك فوق رأسي، افعل المثل، فأمي، ثم أمي، ثم أمي”.

كانت العروس تتحدث إلى خطيبها في وجود جمع من الأهل والأقارب وتشير إليه بإصبعها، ما اعتبره البعض إهانة لرجولة العريس، وفي غضون ساعات قليلة تحول مقطع الفيديو المصوّر للفتاة إلى قضية رأي عام في مصر بعدما صارت حديث الرأي العام وتعرضت على إثر ذلك لانتقادات لاذعة لكونها وضعت شروطا على زوجها، ولو كانت بنودها مرتبطة بأن يعامل أسرتها بالحُسنى.

وانهالت التعليقات الساخرة على العروس، ورصدت “العرب” ردود فعل كثيرة تنتقدها بعبارات وتوصيفات قاسية بدعوى أنها بشروطها أهانت كرامة زوجها بعدما وضعت له مجموعة شروط تخص علاقته بأسرتها، بينما كانت هناك آراء أخرى تتحدث عن ضعف شخصية العريس، وكيف سمح لنفسه بأنه تُملى عليه الشروط من زوجته.

وانتشرت أنباء عن تعرض العروس للطلاق ليلة زفافها، لكن أسرتها سارعت بنفي هذه الشائعات وطالبت عبر العديد من وسائل الإعلام بالكف عن إهانة العروس وزوجها عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتعامل مع الواقعة بهدوء ورصانة، لأن الفتاة لم ترتكب جريمة عندما أرادت رسم علاقتها مع شريكها قبل إتمام عقد الزواج بأن يرعى أهلها.

رحاب العوضي: الضوابط تحدد مسار العلاقة وتؤسس لحياة أسرية مستقرة

وعكست الواقعة أن نسبة كبيرة من الأسر في مصر لا تمتلك ثقافة رسم العلاقة قبل إتمام الزيجة وتتمسك بأن تكون الزوجة مجرد تابعة لزوجها وليس من حقها تحت أي ظرف أن تُملي عليه بعضا من الشروط ولو كانت بسيطة، لكنها ستكون مريحة بالنسبة إليها، على الرغم من أن مثل هذه الشروط قد تكون سببا رئيسيا في متانة العلاقة بين الشريكين مستقبلا.

وحظيت الفتاة بدعم العديد من مقدمي البرامج التلفزيونية لكونها جريئة وشجاعة في التحدث إلى زوجها المستقبلي مشترطة عليه أن يكون رجلا مع أسرتها، وهذا يدل على أصالتها وحُسن تربيتها، لكن الدعم الأكبر كان من أسرتها حيث انتقدت الأصوات التي تحدثت عن ابنتها بشكل سلبي مع أنها وضعت ضوابط لعلاقة زوجية راسخة.

وسبق أن طالب بعض نواب البرلمان بإجراء تعديلات على قوانين الزواج بشكل يسمح لكل طرف (العريس أو العروس) بأن يضع بعض الشروط على الشريك، بحيث تكون العلاقة الزوجية مؤسسة على المصارحة والمكاشفة مبكرا ويتم الاستناد إلى هذه الضوابط مستقبلا إذا وقعت خلافات بين الطرفين لإدانة الطرف المتنصل منها.

ولم تجد تلك المطالبات دعما من الأزهر أو دار الإفتاء، وأعلنتا رفضهما لوضع شروط في عقد الزواج، ويمكن تحديدها بشكل شفهي (كما فعلت العروس)، أما الزواج المشروط فهو باطل وفق رؤى وقناعات رجال الدين بدعوى أنه يمكن وضع اشتراطات تتعارض مع الإسلام كأن تشترط الزوجة على شريكها عدم الزواج مجددا.

وتعتقد ولاء محمد، وهي زوجة وأم لطلفين، أن وضع ضوابط للعلاقة الزوجية بين الطرفين قبل العقد لا يتعارض مع الدين، بل مع الأعراف والتقاليد والثقافة الأسرية التي اعتادت التعامل مع المرأة بطريقة دونية، مضيفة “العروس التي أصبحت حديث الرأي العام لم تُخطئ، لكن خالفت العرف العائلي الذي يمتعض من أي مناكفة نسائية”.

وأضافت لـ”العرب” أن موقف أسرة العروس يحمل قدرا كبيرا من الشجاعة، وهذه رسالة لكل عائلة بأن تدعم الفتاة في تحديد الضوابط التي تجعلها مستريحة في بيت زوجها، طالما أن ذلك من شأنه أن يؤسس لأسرة مستقرة، فلا يحق للرجل الذي تزوج فتاة تعمل بوظيفة ما أن يساومها مستقبلا بين استمرار العلاقة وبين ترك العمل.

التفاهم أس العلاقة الزوجية الناجحة
التفاهم أس العلاقة الزوجية الناجحة 

ولا تزال ولاء نادمة على أنها لم تضع شروطا محددة على زوجها، الذي أجبرها على ترك الوظيفة بدعوى تربية الأبناء ورعايته كزوج، مع أنها لم تقصر في واجباتها كأم وزوجة، وتمسك بموقفه واستجابت له أسرتها خشية أن تحمل لقب مطلقة، مع أنها لو كانت وضعت هذا الشرط لما وصل بها الحال لأن تتحول إلى ربة منزل.

وهناك شريحة من الفئات المنفتحة ثقافيا تؤمن بأن الحيلولة دون نشوب خلافات زوجية ولو كانت بسيطة تكون بوضع النقاط فوق الحروف مبكرا، ليس من خلال إضافة بنود وشروط للعقد بل عبر ضوابط يتفق عليها الطرفان في وجود العائلتين والشهود والمأذون ليعرف كلاهما حدوده وحقوقه وواجباته ويلتزم بها طيلة حياته الزوجية.

وترى هذه الأصوات أن تحديد بعض الضوابط الخاصة بالعلاقة الزوجية له أهمية قصوى عندما تكون المرأة جزءا من مجتمع اعتاد أن يكيل إليها الاتهامات ويقلل من شأنها ويسحب منها صلاحياتها بحيث تكون تابعة للرجل، كي لا تخرج عن العادات والأعراف، بالتالي يكون إنصافها ضروريا بوضع ضوابط تحفظ حقوقها.

وأكدت رحاب العوضي المتخصصة في علم النفس والاستشارات الأسرية بالقاهرة أن الضوابط تحدد مسار العلاقة وتؤسس لحياة أسرية مستقرة، لكن ذلك يتوقف على السلام النفسي والتوافق الفكري والثقافي بين الطرفين واحترام كلاهما للآخر، وعدم التلويح بمخالفة الضوابط طوال الوقت حتى لا تتحول العلاقة إلى سجن.

هناك شريحة من الفئات المنفتحة ثقافيا تؤمن بأن الحيلولة دون نشوب خلافات زوجية تكون بوضع النقاط فوق الحروف مبكرا

ويتطلب ذلك أن تكون المرأة مستقلة القرار عن عائلتها لتكون لها الحرية في وضع الضوابط التي تجعلها مستريحة في العلاقة شريطة ألا تكون تعجيزية أو منفرة لرجل قد يبدي موافقته عليها قبل إتمام العقد ويتنصل منها مستقبلا لشعوره أنها السيف المسلط على رقبته أو أنه ليس مستريحا نفسيا لهذه الشروط المكبلة لحريته.

وأشارت العوضي لـ”العرب” إلى أن وضع ضوابط للعلاقة يكون بالشراكة بين الطرفين ولا يجب أن يتدخل فيها آخرون، لأن التدخلات العائلية في حياة الأزواج تتحول إلى سبب لتخريب الأسرة، وكثيرا ما تقود إلى الطلاق، وغير مستحب أن تكون الضوابط بالأمر المباشر، لكن بالتفاهم والمودة لتكون حياتهما مستقرة.

ويبدو رسم شكل العلاقة الزوجية مستحبا ومطلوبا للحفاظ على قوام أسري متماسك، والعبرة في الأسلوب والطريقة والبنود التي يحددها كل طرف، فقد تكون الشروط مقدمة لانهيار العلاقة قبل أن تبدأ، والأهم ألا يفرض أحد كلمته ورؤيته على الآخر بدافع وصاية لا يقبلها الرجل الشرقي وعائلته ولا الفتاة مستقلة الرأي وأسرتها.

17