رحيل الشاعر عبدالناصر الحمد شاعر الأغنية الفراتية

غيب الموت الشاعر والأديب الفراتي عبدالناصر الحمد عن عمر يناهز 62 عاما بعد رحلة غنية في العمل الأدبي والثقافي. ونعى اتحاد الكتاب العرب الشاعر الحمد الذي كان مقررا لجمعية أدب الأطفال وعضوا في جمعية الشعر بالاتحاد وكان صاحب مسيرة حافلة بالعطاء الأدبي والصحافي إضافة إلى كتابته العديد من الأغاني الفراتية الأصيلة.
من لا يعرف أغنية الفنان العراقي سعدون جابر التي تلامس شغاف القلب التي يقول فيها “قلي اش جابك علي ويش ذكرك بينا عشرين عام انقضت وإنت اللي ناسينا”. الأغنية التي عاشت في وجدان الجمهور العربي عموما وجمهور العراق والشام خصوصا بما تحمله من معان رقيقة وسامية.
هذه الأغنية من أشهر وأبرز ما كتبه الشاعر السوري عبدالناصر الحمد ولحنها كاظم فندي وغناها الفنان سعدون جابر بعذوبته الشهيرة، لتخرج للناس أغنية تداعب خيالاتها، وتختبر قدرتها على تحمل فوضى الحنين لأيام عشق مضت.
فن المحكي
عبدالناصر الحمد، الشاعر الذي كتب الشعر بعيدا عن الأضواء، لم يكن يتوقع لهذه القطعة ذلك الرصيد الكبير من الشهرة العربية، فهو يؤكد أن الأمر كان صدفة، عندما اجتمع بالفنان سعدون جابر بإحدى السهرات بدمشق وأسمعه القطعة، فما كان منه إلا أن أخبره أنه سيغنيها، وهذا ما كان وصارت أغنية شهيرة يعرفها كل العرب.
ابن مدينة دير الزور مبدع صامت، لا يستخدم أطياف الإعلام الحديث في علاقاته المهنية، فهو مكين من شعره، شديد الاعتداد ببيئته الفراتية التي درسها وأشعارها بشكل دقيق.
لا ينظر عبدالناصر إلى الشعر المحكي على أنه مخرج من الوزن والقافية، بل يسير وراءه في الدرس والبحث ليصل إلى فنون الموليا والكان كان والدوبيت، تأثر بابن قزمان الأندلسي وكذلك بالشاعر المغربي أبي الحسن الششتري صاحب الشعر الشهير “شويخ من أرض مكناس وسط السواق يغني وش علي أنا من الناس وش على الناس مني”.
وهو لا يعد الشعر المحكي أدبا كما الشعر الفصيح الذي اهتم به العرب ووصلوا إلى مراتب عالمية هائلة ويرى أن الشعر المحكي بأنواعه فن.
تعامل الحمد مع الأغنية الشعبية بشكل عميق وقدم فيها مجموعة محاولات سورية وعربية. وهو يراها مصدر ثقافة للناس في زمن الجهل والأمية فالأغنية الفراتية حسب ما يقول لها أكثر من 80 شكلا تظهر عليه، يشمل ذلك جو البادية والفرات منها العتابا وأبوالزلف والموليا والأوف مشعل. غنى له العديد من الفنانين في سوريا والوطن العربي من العراق سعدون جابر (عشرين عام، كل سنة وإنت حبيبي، بيتنا المهجور)، وفؤاد سالم (طلعت شمسنا الدافية). ومن سوريا وضّاح إسماعيل (كلّك نظر)، وفؤاد جراد (الموليا الفراتية). كذلك قدم فتحي كحلول من ليبيا (طلعت شمسنا الدافية) مجددا.
يؤكد عبدالناصر الحسن أن الصدفة لعبت دورا هاما في حياته الإبداعية، فعندما كتب الشعر مبكرا، كتبه بالفصحى بل كان يرفض الشعر المحكي، لكنه كان يكتب فيه أحيانا، وفي جلسات فراتية عديدة كان يقرأ على مسامع أصدقاء شيئا منه، وكانت أصداء ذلك كبيرة، فشجعه الأصدقاء على كتابة الشعر المحكي، فواصل ذلك. كتب في الشعر الفصيح والعامي، كما مارس العمل الصحافي والرسم. عمل في سوريا والخليج العربي. وكان عضوا في اتحاد الكتاب العرب واتحاد الصحافيين السوريين.
مسيرة شاعر
ولد الحمد في دير الزور 1958 وحصل على إجازة بالعلوم الاجتماعية والفلسفية سنة 1982 وعمل في صحيفة الثورة ومعدا لبرامج في التلفزيون العربي السوري وفي الفضائية التربوية كما شغل منصب أمين المكتبة المركزية للشعر العربي في الكويت وسكرتير تحرير مجلتي بريق الدانا ومذهلة ومدير تحرير مجلة براعم السامي للأطفال وحظي بتكريم مهرجانات شعرية بدول عربية وإيران.
وإلى جانب الإسهام الأبرز للحمد في كتابة الأغاني ذات الطبيعة الفراتية، فقد مثل الراحل سوريا في مهرجان القصة وأدب الأطفال في أذربيجان وله مساهمات بإعداد الرسوم المتحركة في سوريا وعدد من البرامج والأفلام منها حديث الصحراء عن دير الزور وعالم من المعارف وصخرة اللواء سليمان العيسى ومملكة ماري.
صاحب “تراتيل لغيلان الدمشقي” و”عشرين عام انقضت”، يرحل بصمت في دمشق، ويأبى هذا العصر المتوحش حتى في أمراضه إلا أن يغتال فينا مكمنا للجمال، كان يرسم الحب والحنين.
الشاعر لا يعد الشعر المحكي أدبا كما الشعر الفصيح الذي اهتم به العرب ووصلوا به إلى مراتب عالمية
يرحل عبدالناصر الحمد وتبقى روحه الفراتية علما للكثيرين الذين سينهلون مما كتب في الشعر والأدب صورا تمدهم بالمزيد من الجمال والقوة في حيواتهم القادمة. يرحل ويبقي صوته عاليا يردد أغنيته الخالدة التي تخاطب القلب والوجدان.
ولد الشاعر الراحل في مدينة دير الزور عام 1958، ودرس في كلية الآداب قسم الفلسفة، عمل في الصحافة والرسوم المتحركة في سوريا فساهم بعدة برامج (مسلسل بابار الفيل، روزي الصغيرة، حلقات من كونان). كما أعدّ عددا من البرامج والأفلام (حديث الصحراء، وعالم من المعارف، وصخرة اللواء: سليمان العيسى، ومملكة ماري،….).
كما عمل في دولة الكويت أمينا عاما لمكتبة البابطين للشعر العربي وسكرتير تحرير في مجلة بريق الدانة ومذهلة، وإعلاميا كان مدير مكتب قناة الصحراء بدمشق. من مؤلفاته تراتيل لغيلان الدمشقي 1990م. يا غريبة (شعر شعبي) 1992م. ملائكة من ورق 1994م. دفتر الموليا (شعر شعبي) 1996م. معجم صفات النساء 2000م.