رحلة صوفية بأصوات سوريات "عشقن الإله"

عرض "نساء عشقن الإله" يحفل بالعديد من النقاط الجريئة والمبتكرة في الشكل والمضمون ما أكسبه رضا الجمهور الذي تابعه بشغف على مسرح دار الأوبرا بدمشق. 
الأربعاء 2020/03/04
قصائد صوفية بأصوات نسائية

تعوّد الجمهور على أن يسمع الغناء الصوفي وهو يُنشد بأصوات ذكورية، لكن كورال “غاردينيا” للغناء كسر هذا الشكل الذي بات راسخا في الثقافة العربية، حيث قدّم على مسرح دار الأوبرا بدمشق أمسية غنائية موسيقية صوفية كانت بطلاتها من النساء السوريات اللاتي اجتمعن وقدّمن طقسا صوفيا راقيا بين الشعر والغناء والعزف وحتى الرقص.

دمشق- على مسرح أوبرا دمشق قُدّمت مؤخرا أمسية غنائية موسيقية حملت عنوان “نساء عشقن الإله” أُنشدت فيها قصائد شعرية صوفية لشاعرات مجهولات، ولحّنت معظمها قامات فنية نسوية سورية.

وتحت قيادة غادة حرب استعرض الكورال السوري مجموعة من الأشعار الصوفية لمجموعة من الشاعرات اللواتي لا يعرف عنهنّ الكثير كتبن هذه الأشعار الصوفية، ثم وضعت لها ألحان كلاسيكية حاكت أجواء الموسيقى العربية التقليدية، فكانت النتيجة مجموعة من الألحان الراقية التي شاركت بالغناء فيها كل من كنان أدناوي وغادة حرب وسفانة بقلة وعدنان فتح الله ولينا
شماميان.

حفل عرض “نساء عشقن الإله” بالعديد من النقاط الجريئة والمبتكرة في الشكل والمضمون وهذا ما أكسبه رضا الجمهور الذي تابعه بشغف. فأول ما يحسب للعرض أنه كسر احتكار الحالة الصوفية الذكورية، كونه قدّم من قبل مجموعة من النساء وهي من الحالات نادرة الحدوث في المشهد الثقافي والفني السوري وربما العربي.

غادة حرب: الحفلة هي مجموعة من الأشعار التي كتبتها شاعرات مجهولات تحمل روحانيات وأحاسيس عميقة وصادقة
غادة حرب: الحفلة هي مجموعة من الأشعار التي كتبتها شاعرات مجهولات تحمل روحانيات وأحاسيس عميقة وصادقة 

كما أنه تحدّث بمفهوم العشق الإلهي المطلق كونه لم يقدّم أي مؤشر على توجه ديني محدّد، فقد ارتقى العرض فوق التسمية الدينية وتعامل بمنطق أن كل الأديان تقود إلى الله. فلم تظهر في العرض على امتداد زمنه الذي قارب الساعة أي إشارة إلى دين أو نبي محدد.

ورافق العرض رقص نسائي تميز بالهدوء والوقار، حيث قدّمت إحدى المشاركات لوحة في فن المولوية المحتكر سابقا من الذكور في أول إطلالة نسوية لهذا الفن في سوريا. كذلك عملت الفرقة على التجديد من خلال العزف على آلة البيانو، وهي رمز الموسيقى الغربية والتي رافقت مجموعة من الآلات الشرقية في تناغم موسيقي قل نظيره.

وبين النغمات الشرقية الأصيلة ووجود واضح لآلة الدف التي رسمت إيقاع الحضور الفني المتميز للحفل قدّمت القصائد الصوفية التي تغنت بالمعاني العميقة للوجد الإلهي، الذي تشكل في قلوب الشاعرات ومن ثم الملحنين والمؤديات لهذه القصائد.

وقالت غادة حرب، قائد الكورال، في حديثها لـ”العرب” عن الحفلة “هي مجموعة من الأشعار التي كتبتها شاعرات مجهولات تحمل روحانيات وأحاسيس عميقة وصادقة تعبّر عن المكنونات التي يحملنها تجاه الإله. أردنا أن نقدّمها في حالة خاصة ضمن جو راق وأقرب ما يمكن إلى الكمال، كي يتذوّق الجمهور السوري هذه الحالة الفنية الاستثنائية. فإنشاد الغناء الصوفي بأصوات أنثوية، نادر الحدوث في ثقافتنا العربية، ونحن فخورات بهذه التجربة”.

وحقّق كورال “غاردينيا” خلال فترة وجيزة قاربت الأربع سنوات حضورا قويا في الساحة الفنية السورية والعربية أيضا، حيث حصل الكورال في العام 2019 على جائزتي أفضل كورال في منطقة الشرق الأوسط وجائزة أفضل كورال نسائي مشارك في مسابقة كورال الشرق الأوسط الذي أقيم في دبي.

وعن ذلك تبيّن حرب “قائد الكورال عمله هام، فهو الذي يجمع هذه المواهب ويقولبها ضمن هدف واحد يسعى الجميع إليه. أحاول من خلال قيادتي لهذا الكورال البحث عن الجديد والمتميز لكي نقدّمه للناس في أبهى حالة، والجوائز التي حصلنا عليها خلال فترة وجيزة تثبت أن الجهد الذي يبذل حقيقي وصادق”.

العرض قدّم مفهوم العشق الإلهي المطلق، وارتقى فوق التسمية الدينية وتعامل بمنطق أن كل الأديان تقود إلى الله

والهدف الأسمى الذي يسعى كورال “غادرينيا” لتحقيقه من خلال وجوده كما تبيّن حرب، هو “البحث عن مساحات مشتركة فيها المحبة والسلام اللذان يجب أن يسودا بين البشر، لذلك ابتكرت هذه الفكرة التي جمعتنا. فنحن مجموعة من المختصين في الموسيقى نحاول من خلال هذا العرض وغيره أن نوحّد بين الناس جميعا والسوريين خاصة، متشبثين بفكرة إلغاء الأحقاد والخلافات التي أنهكت سنواتنا الأخيرة، كي نصل لغد أكثر أمانا وحبا وسلاما”.

ولا تقف تجربة كورال “غاردينيا” عند تقديم الأغاني الصوفية فقط، بل له تجربة سابقة في جمع وأداء أغاني الكرتون العالمية. كما قدّم في العام الماضي فكرة غنائية غريبة، والمتمثلة في أغاني العروس، حيث تم جمع عدد من الأغاني من أكثر من محافظة سورية ليتم تقديمها ضمن حفل واحد، كما تمت إضافة عدد من الأغنيات التي تخص عددا من القوميات والإثنيات الموجودة في سوريا، فكانت النتيجة حفلا ضم طاقة من الأغاني الشعبية التراثية التي تخص مساحة متنوعة من الجغرافيا السورية.

والكورال النسائي “غاردينيا” يتألف من مجموعة من المغنيات النساء (21 مغنية) من أساتذة وطالبات المعهد العالي للموسيقى ممّن يمتلكن أصواتا مميزة ومعرفة أكاديمية بتقنيات الغناء الجماعي والمنفرد، والذي أسّسته وتقوده غادة حرب، مغنية الأوبرا من طبقة السوبرانو والأستاذة في معهد الموسيقى بدمشق الذي تخرجت منه عام 1999، حيث تمتد خبرتها في قيادة الجوقات والعمل الجماعي لسنوات طويلة بعد تتلمذها على يد الروسي بابينكو.

16