"رحلة سعيدة" في حافلة معطلة يقودها إرهابي تائب

لا يتوقف المسرح المصري عن إثارة القضايا الراهنة، ومن أبرزها الإرهاب، الذي بات مادة خصبة للدراما والسينما والأدب ومحور العديد من الأعمال المسرحية. ولكن مقاربة ظاهرة بهذه الخطورة تتطلب جهدا مضاعفا، بين الجماليات الفنية ومعالجة الأفكار بعمق، وإلا سقطت الأعمال في المقاربات الساذجة.
حملت المسرحية المصرية “رحلة سعيدة” التي عرضت على مسرح بيرم التونسي بالإسكندرية عدة رسائل عن الإرهاب والمواطنة والطبقية وعلاج الفكر المتطرف بالفكر المستنير، من خلال مشاهد كوميدية ساخرة ضمن مشروع المواجهة والتجوال التابع لوزارة الثقافة المصرية.
يقدم العرض من خلال أتوبيس يقوم برحلة إلى مدينة شرم الشيخ على البحر الأحمر، ويضم عددا من الركاب ينتمون لأعمار مختلفة وتتنوع طوائفهم المجتمعية ويتشاركون في الرحلة، منهم ابن رجل الأعمال، وعامل سباكة، وعريس وعروسة، وأقباط، وصحافية، ومرشدة سياحية، فضلا عن طبيب نفسي، وممثل مغمور.
سذاجة فنية

البناء الدرامي للمسرحية يقوم على فكرتين أساسيتين كلتاهما مقتبسة بشكل أو آخر من أعمال فنية شهيرة
يقوم البناء الدرامي لنص مسرحية “رحلة سعيدة” على فكرتين أساسيتين، كلتاهما مقتبسة بشكل أو آخر من أعمال فنية شهيرة الأولى تعطل الأتوبيس الذي يقل عددا من طوائف المجتمع في الصحراء، وهي فكرة تكاد تكون منقولة حرفيا من المسرحية الشهيرة “سكة السلامة” للكاتب المصري الراحل سعدالدين وهبة، بطولة سميحة أيوب وتوفيق الدقن وإنتاج عام 1964، والثانية من ثيمة “الإرهابي” المتكررة الذي يتوب عن إرهابه بسبب تفاعله مع المواطنين الصالحين أصحاب الفكر المستنير.
فقد استهلكت فكرة الإرهابي المتطرف الذي يصطدم بعدد من المواطنين يقنعونه بالتوبة، من خلال أعمال فنية عديدة، منها فيلم “الإرهابي” للفنان المصري عادل أمام، وفيلم “كباريه” بطولة خالد الصاوي وفتحي عبدالوهاب.
تبلغ السذاجة قمتها عندما يصعد الإرهابي “أبو منصور” إلى الحافلة بالخطأ، ولا نعلم ما الذي منح هذا الاسم صك الإرهاب بعد أن رأيناه ملتصقا بالإرهابيين في أكثر من عمل فني آخرها مسلسل “القاهرة- كابول” للفنان طارق لطفي.
فكرة صعود الإرهابي للحافلة بالخطأ بدت غير مقنعة، فملامح الركاب مصرية صميمة ولا تمت للأجانب ذوي الملامح الشقراء والعيون الملونة بصلة.
تستمر السذاجة عندما يكتشف “أبومنصور” أن المرشدة السياحية في الأتوبيس هي حبيبته السابقة، الفتاة التي تقدم لخطبتها في السابق وتم رفضه، وبسببها تحول إلى إرهابي عاشق للقتل وسافك للدماء، ويقوم بتكفير كل أفراد المجتمع من حوله.
لم يتضح المنطق الذي بنى عليه المؤلف محمد الصواف فكرته في تحول الإنسان العادي إلى إرهابي، جراء الفشل في الحب ورفض الزواج من فتاة أحلامه، وكان من الأجدى أن يكون قد تعرض لظلم ما، أو أن يكون سقط بين أيدي إرهابي يتبنى أفكارا خاطئة ينقلها إليه. أما الفشل في الحب فينتج عنه غيرة وصد وهجران وإحباط وإغراق في الملذات لتعويض الحب الضائع، وليس التحول للقتل والعنف بلا هوادة.
بعد محاولات إقناع عديدة من ركاب الحافلة للإرهابي الذي يكشف عن شخصيته، ويهددهم بتفجيرها عن طريق حزام ناسف وضعه حول خصره، فجأة يستجيب “أبومنصور” لهذه المحاولات ويقرر التوبة والتراجع عن ممارسة الإرهاب.
استمرارا لمسلسل اللامنطق، اكتشف “أبومنصور” أن المرشدة السياحية هي حبيبته السابقة التي تقدم للزواج منها ورفضه أهلها بسبب فقره، وتدور بينهما أحاديث مطعمة بالذكريات والمشاعر الدافئة لإقناعه بالتراجع عن تفجير الحافلة.
في لحظات خالية من المبرر الدرامي يتحول الرجل إلى شخص صالح يرفض الإرهاب أو الاستجابة لأوامر أمير الجماعة الذي يتواصل معه عبر الهاتف المحمول، وأمره أن يفجر الحافلة حتى لا يعلم أحد بشخصيته كقيادي في الجماعة الإرهابية.
تناول العرض فكرة الطبقية من خلال عامل سباكة محدود الثقافة يهوى الغناء،على الرغم من أن صوته يبدو أجشا ولا يصلح للطرب، فيشتبك معه ابن رجل أعمال ليرغمه على عدم الاستمرار في الغناء، يدور بينهما صراع طبقي على طريقة الناس “اللي فوق والناس اللي تحت”، أي على طريقة الصراع الطبقي، وهي فكرة مستهلكة وتم تناولها في الكثير من أفلام في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي في مصر، والتي قدمت مع بداية عصر الانفتاح الاقتصادي آنذلك في البلاد.
أحداث بلا منطق
تطل فكرة المواطنة برأسها من خلال عريسين مسيحيين، ويتكاتفان مع باقي المسلمين في الحافلة ضد الإرهابي الذي حاول إشعال نار الفتنة الطائفية بينهم، عبر مشاهد كوميدية تثير الضحكات قدمها البعض من المواهب الشابة الواعدة في المسرحية، ويدعمهم الفنان المخضرم محمد فاروق.
تعطلت الحافلة في الصحراء وهو حدث غير مبرر، ومع أن التعطل نسخة من فكرة مسرحية “سكة السلامة”، فالطريق من القاهرة إلى شرم الشيخ لم يكن قد تم إنشاؤه بهذه الصورة الحضارية في المسرحية الأولى، ومن الطبيعي أن يتوه في الصحراء، أما الآن فالطريق معبد وممهد ومليء بنقاط التفتيش الخاصة بالشرطة والجيش، فأين الطريق الصحراوي المقفر الخالي الذي تتعطل فيه الحافلة، كما تقول المسرحية.

المخرج نجح في تقديم عدد من الطاقات الإبداعية الفنية الشابة الواعدة التي تألقت على الخشبة رغم الهنات
جاءت نهاية العرض مفتوحة بسريان صوت سيارات الشرطة، حيث اتصل أحد الركاب بالأمن للقبض على الإرهابي، ما وضع المزيد من علامات الاستفهام الجديدة، حول جدوى النهاية التي تترك المتفرج أسيرا للعمل ليفكر كيف تكون النهاية، ألم يكن من الأفضل أن تكون مغلقة ولا تدع مجالا للتفكير ولو لحظة واحدة في أن الإرهاب والشر قد ينتصران على الأمن والخير.
يحسب للعرض تقديم بعض المشاهد الكوميدية، خاصة من نجم الكوميديا الذي يمثل بطريقة السهل الممتنع محمد فاروق.
كما أحسن مصمم ديكور العرض وليد جابرتجسيد العمل بصورة مبهرة من خلال ديكور عبارة عن حافلة على خشبة المسرح تدور داخلها كل أحداث الرواية.
وظهر اهتمام المخرج محمد مرسي بتفاصيل الإضاءة ودعم نص المسرحية من خلال مشاهد كوميدية وحماسية، خاصة مشهد العريس والعروسة، والجدل بين المغني صاحب الصوت الأجش وابن رجل الأعمال وكيفية دعم باقي ركاب الحافلة لابن رجل الأعمال للتودد إليه طمعا في أموال والده الثري جدا.
فكرة رجال الأعمال وسيطرتهم على مقدرات الناس انطلقت من خلال العرض في شخص ابن رجل الأعمال الكبيرالذي كان وجوده في الحافلة بين الركاب العاديين غير منطقي، فالأولى أن يستقل الطائرة التي لا يستغرق السفر بها من القاهرة إلى شرم الشيخ ساعة واحدة، بدلا من رحلة العذاب الطويلة بالحافلة.
نجح المخرج في تقديم عدد من الطاقات الإبداعية الفنية الشابة الواعدة التي تألقت على المسرح، وطاف بالعرض في عدد من محافظات المصرية على أمل نشر الثقافة والتنوير والخروج من حيز الضيق في القاهرة أو الإسكندرية.