"أبوالعربي".. عرض مسرحي ينتقد مبالغات المصريين

هاني رمزي لـ"العرب": ثراء الشخصية أغراني بتحويلها من السينما إلى الخشبة.
السبت 2021/06/12
كوميديا تركّز على المفارقات

تحمل إعادة الممثل تقديم شخصيات ناجحة مجدّدا قدرا كبيرا من التحدّي، فالأدوار القديمة تظل عالقة في أذهان الجمهور، وقد يتم استدعاؤها باستمرار للحكم على مدى تطوّر الفنان مع التقدّم في العمر وتزايد الخبرات أو التراجع إلى الخلف ومحاولة الإبقاء على نجوميته في وسط فني متقلب كموج البحر.

القاهرة- استطاع الفنان المصري هاني رمزي في مسرحية “أبوالعربي” التي تعرض حاليا على مسرح “جراند طيبة” بالقاهرة، أن يضع خطوطا عريضة بين المسرح وتجربة سينمائية ناجحة قدّمها سابقا رغم تشاركهما في العنوان وملامح الشخصية الواحدة المُدمنة للمبالغة وتقدير الذات، باستثناء بعض التغييرات على مستوى المضمون وتطعيمه بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية.

وقال رمزي في حواره مع “العرب” إن العرض يقدّم شخصية سبق تقديمها في فيلم سينمائي بعنوان “أبوالعربي وصل” عام 2005، لكن بطريقة مختلفة لا تحمل من الشخصية إلاّ اسمها وسماتها المميزة من وطنية ومبالغة في الأفعال، والحركات التي تفجّر الكوميديا مع باقي فريق المسرحية، ويمثل كل منهم نجما كوميديا قادرا على حمل عمل مستقل بذاته.

هاني رمزي: بين "أبوالعربي" في السينما وعلى الخشبة فوارق كثيرة

وتعتمد المسرحية التي عاد بها رمزي إلى الخشبة منذ آخر أعماله “كده أوكيه” عام 2003، على قدر من البطولة الجماعية، فتضم نجوما مثل داليا البحيري وأحمد فتحي وحجاج عبدالعظيم وليلى عز العرب وعددا من الوجوه الجديدة الواعدة، وهي من تأليف محسن رزق وإخراج تامر كرم، ومن المقرّر أن يبدأ عرضها في بعض الدول الخليجية قريبا.

ظروف صعبة

أكّد هاني رمزي لـ“العرب” أن خروج مسرحية كوميدية في ظروف صعبة كجائحة كورونا وعرضها “ماتينيه” (عرض نهاري) يمثلان مغامرة محفوفة بالعديد من المخاطر، لكنها أتت ثمارها بحجم الرضا الكبير من النقاد وحرص الجمهور على اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية للوقاية من الفايروس ما يبشّر بمجموعة عروض مسرحية متنوعة مستقبلا.

وتدور المسرحية عن “أبوالعربي” الذي يتم استغلاله مقابل مبلغ مالي ضخم للعب دور العالم النووي هادي الفرماوي بسبب الشبه الشكلي بينهما، وهي فكرة سبق تقديمها في أكثر من فيلم أبرزها “المليونير الفقير” للفنان الراحل إسماعيل ياسين عام 1959 و”صاحب الجلالة” للفنان الراحل فريد شوقي سنة 1964 و“قلب جريء” لمصطفى قمر.

ودافع طاقم المسرحية بأن كل الأفكار الفنية تتشابه والتباين يحدث في الرؤية الجديدة وتقديم مواقف كوميدية مختلفة تماما عن كل الأعمال الفنية التي تناولت فكرة الشبيه، مع تناول مشكلات حياتية مثل العجز الجنسي للرجال والتحرش بالنساء، والزوجة المزواجة، وحتى حرمان المرأة بجنوب مصر من الميراث.

وأوضح رمزي أنه لا يخشى غضب قاطني محافظة بورسعيد (في شرق القاهرة) من شخصية “أبوالعربي” الشهير لديهم، لأنه يعشقهم ويحبهم، ويقدّمها لإيمانه بأنها تتميّز بصفات الجدعنة (الرجولة) وحب الوطن والعزة والكرامة، كما أن اسم “أبوالعربي” في بورسعيد دائما يسبقه لقب “السيد” كنوع من التفاخر، فهذه الشخصية دافعت عن الوطن، وشاركت في كل الحروب المصرية المعاصرة.

وتحمل شخصية “أبوالعربي” الكثير من السمات الكاريكاتيرية في التوظيف الفني المصري، فموقع يوتيوب يعجّ بقصص عنها تتّسم بالمبالغة الشديدة لدرجة محاربته وهو أعزل جيش الأعداء بآلياته العتيدة والمتطوّرة، وربما تمثل تلك الشخصية التغيّر في المواطن المصري منذ السبعينات وتبني سياسة الانفتاح الاقتصادي التي جعلت الكثيرين يجنحون نحو “الفهلوة” (التذاكي) كأسلوب حياة.

غوص عميق في القضايا الاجتماعية والاقتصادية الحارقة

وأوضح رمزي أن ما تتضمنه المسرحية من مبالغة في الأقوال والأفعال وما تقدّمه من تصرفات كوميدية ساخرة تجعل الشخصية جديدة على المشاهد، خاصة أن الإضحاك يأتي من جميع الشخصيات المشاركة من دون احتكار البطل لها، كما يمثل العمل الظهور المسرحي الأول للفنانة داليا البحيري التي ظلت نشطة في السينما والدراما وبعيدة عن المسرح.

وينبع الإضحاك من ادعاء الشخصية المحورية قدرتها على حل كل المشكلات بداية من الطب والعلاج الروحاني، نهاية بصيانة التبريد والتكييف، وهي سمة دارجة في أعداد من المصريين الذين يعتقدون بقدرتهم على إبداء الرأي في كل التخصّصات، واستطاعتهم إصلاح كل المعدات المعطلة بمجرد إمساكهم لمفك مسامير.

وتضمنت المسرحية نقدا عنيفا للموسم الدرامي الرمضاني الأخير خاصة أسماء مسلسلي “نسل الأغراب” و“اللي مالوش كبير”، ففي مشهد لهاني رمزي يقول “عارف اللي مالوش كبير أنا الكبير” و“عارف نسل الأغراب أنا أغرب منهم”، ليردّ محمد جمعة بقوله “لا يوجد أغرب منهم”، وتطرّق أيضا للإعلانات الشهيرة بطريقة المحاكاة.

وأشار رمزي في حواره مع “العرب” إلى أن الوجوه الجديدة التي تشارك في العرض والكتابة هي الرابح الأول من العرض، كما يمثلون نجوم الفن والمسرح الجدد في مصر بما يمتلكون من طاقات فنية هائلة ومواهب نادرة وحضور طاغ، ما يتطلب ضرورة الاهتمام بالوجوه الجديدة، ويبشّر أيضا بعودة مسرح القطاع الخاص إلى سابق عهده من النهضة والمسرحيات القوية.

وأضاف الفنان المصري أنه وافق على الدور فورا أو ربما أغرته العودة إلى المسرح، لأنها شخصية كوميدية ثرية ومليئة بالإنسانية والوطنية الصادقة، حيث يرفض أن يبيع مشاريع وطنه بملايين من الجنيهات، ويبادر دائما لمساعدة الآخرين، ويقدّر معنى الصداقة والإخلاص والضمير.

ودأب رمزي على وجود إسقاطات سياسية ضمن أفلامه مثل حق المواطنين في أصول الدولة في فيلم “عايز حقي”، وحق أي مواطن في الترشح لرئاسة الجمهورية في فيلم “ظاظا”، ورصد فساد رجال الأعمال قبل ثورة يناير 2011 في مسلسل “ابن النظام”، لكن العرض جاء خاليا من الإسقاطات السياسية المباشرة إلاّ من تناوله لفكرة الضرائب المرتفعة بشكل ساخر كحصول المواطن على مليون جنيه تتحول إلى النصف بعد خصم الضريبة.

إيحاءات ذكية

 أداء جماعي لا يقوم على الفردية
 أداء جماعي لا يقوم على الفردية

لم تخل المسرحية من الإيحاءات الجنسية مثل مشهد غرفة النوم بين هاني رمزي وداليا البحيري، لكنها جاءت بطريقة ذكية ومن دون ألفاظ خادشة ما فجّر موجات من الضحك، ويعاب عليه السير في ركب السخرية من البدينات في الإضحاك عليهنّ، وليس معهنّ، وهو أمر تكرّر في الفيلم السينمائي “السيد أبوالعربي وصل” وبالطريقة ذاتها.

واتسم العرض المسرحي بديكور فقير لا يتماشى مع حجم المشاركين في العمل من الأسماء الكبيرة، ونبعت المشكلة من كون المسرح الذي تم استخدامه كان في الأصل دار عرض سينمائية لا تحتوي إلاّ على “كالوس” واحد، بينما كانت الإضاءة جيدة وبسيطة اعتمادا على أشعة الليزر والدخان، واستطاعت الملابس توصيل المعاني التي يريد المخرج إيصالها بانتقائها وملاءمة كل منها للشخصية.

ورغم امتلاء مسرحية “أبوالعربي” بالأسماء الكبيرة إلاّ أنها حافظت على النص الذي كتبه المؤلف محسن رزق، وحتى النكت التي ذكرت كان ثمانون في المئة منها مكتوبا، فالخروج عن النص بالنسبة إليهم مرفوض طالما لا يضيف إلى العرض ولا يدعمه.

المسرحية تدور عن “أبوالعربي” الذي يتم استغلاله للعب دور العالم النووي هادي الفرماوي بسبب الشبه الشكلي بينهما

ويعتبر رمزي امتدادا لجيل الضحك في مصر، وربما كان ذلك السبب في إهداء مسرحيته الأخيرة للفنان سمير غانم الذي يقول إنه صاحب هرم فني ومدرسة خاصة في الكوميديا، بجانب إشادته الخاصة في حواره مع “العرب” بالفنان عادل إمام الذي يعتبره المثل الأعلى لكل الفنانين بمصر وليس أرباب الكوميديا فقط.

وأكّد رمزي أنه سيغيّر جلده الفني بالابتعاد تماما عن الكوميديا في فيلم “200 جنيه” الذي يبدأ تصويره قريبا، ويضم تشكيلة من الفنانين الكبار، أبرزهم نيللي كريم وعمرو عبدالجليل وليلى علوي وأحمد رزق وإسعاد يونس وخالد الصاوي.

وتدور أحداث الفيلم في إطار اجتماعي حول عملة فئة “200 جنيه” تنتقل من شخص لآخر من مختلف الطبقات الاجتماعية، وهي قصة سبق تقديمها في الأربعينات بعنوان “الخمسة جنيه” عن قصة ورقة بنكنوت ملت حياة الخزينة التي يحبسها فيها صاحبها البخيل فتهرب إلى عامل نظافة فقير ثم تنتقل إلى غيره حتى تصل إلى يد الشاب المستقيم، فكانت سببا في إسعاده.

وكشف الفنان المصري أن الفكرة هي المحرّك الأول لاختياراته، فحتى البرامج التي غاب عنها فترة طويلة، هو مستعد للعودة إلى تقديمها بشرط توافر الفكرة الجيدة التي تمتع الجمهور، رغم تأكيده سابقا أنها أبعدته عن عشقه الأول السينما والدراما، ففي النهاية يرى أن هدف الممثل إسعاد الجمهور وتقديم تجارب مميزة له أيا كان مجالها.

14